يسعى كل من المرشحين إلى تعبئة معسكره

المشاركة، مفتاح الانتخابات الرئاسية الأمريكية...!

المشاركة، مفتاح الانتخابات الرئاسية الأمريكية...!

    قبل أقل من خمسين يومًا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تشتد الحملة الانتخابية ويسود التوتر بين المرشحين، حيث يسعى كل منهما إلى تعبئة معسكره. سيكون حجم إقبال الناخبين عنصرا حاسما في الانتخابات.    ولئن كان الفوز لن يتسنى لأي من المرشحين الا بمدى نجاحه في تعبئة معسكره على نطاق واسع، فإن العملية ستكون أكثر أهمية بالنسبة للحزب الديمقراطي.
  ومراجعة بيانات نسبة المشاركة في انتخابات 2016، يمكن أن تساعدنا في فهم بعض ديناميكيات الحملة الحالية.
   في كتابه “الديمقراطية في أمريكا” (1835)، سبق ان أكد ألكسيس دي توكفيل على عدد الجمعيات المدنية في الولايات المتحدة وحيويّتها، ورأى فيها علامة على ديناميكية ديمقراطية معينة. بعد مائتي عام تقريبًا، لئن بقيت حيوية المنظمات المدنية وكشفت عن شكل من أشكال المشاركة السياسية، فإن هذه الحيوية المدنية، في المقابل، لا تنعكس بالضرورة في هذا الشكل الآخر من المشاركة السياسية، وهو التصويت، وبالتالي لا تُترجم إلى إقبال شديد للناخبين وقت الانتخابات.
      تكشف الاتجاهات العامة لمشاركة الناخبين في الولايات المتحدة نقاط ضعف الديمقراطية الأمريكية، وعدم اهتمام الكثير من الناخبين بالقضايا السياسية. ضعيفة في الانتخابات الرئاسية، الانتخابات الأمريكية الرئيسية، تتقلص نسبة المشاركة في الانتخابات النصفية لمجلس النواب، وتزداد انخفاضا أكثر في الانتخابات المحلية.
 لقد بلغت نسبة المشاركة الانتخابية على المستوى الوطني في الانتخابات الرئاسية على مدى السنوات الستين الماضية، 60 بالمائة من الناخبين ؛ اما في انتخابات منتصف المدة لمجلس النواب ، فإن هذه النسبة ، في المعدل، بالكاد تتجاوز 40 بالمائة - وكمثال مضاد ، ومقدمة للانتخابات الرئاسية لعام 2020 ، ارتفعت نسبة المشاركة في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 إلى 50 فاصل 3 بالمائة ؛ أخيرًا ، على المستوى المحلي ، أثناء الانتخابات البلدية في المدن الكبرى، يحوم الإقبال حول 20 بالمائة - على سبيل المثال ، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية لمدينة نيويورك عام 2017 حوالي 23 بالمائة.

بورتريه للجسم الانتخابي الأمريكي في الرئاسية
    باستخدام البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي ومركز بيو للأبحاث، من الممكن رسم صورة للناخبين الذين يتجنّدون تقليديا في الانتخابات الرئاسية، وبشكل أكثر تحديدًا، لأولئك الذين تجندوا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
   خلال الانتخابات الرئاسية، تتم تعبئة مجموعات اجتماعية مختلفة بكثافة متفاوتة. وهكذا، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والعليا المتعلمة، وأغنى طبقات السكان، يتحركون بشكل كبير، وبمعدلات مشاركة تزيد عن 70 بالمائة.
 في المقابل، فإن الأسر ذات الدخل المحدود تصوت بنسبة أقل من ذلك بكثير، حيث يبلغ معدل نسبة المشاركة أقل من 50 بالمائة.
   التعبئة في صفوف كبار السن (فوق الستين) تفوق الناخبين الشباب (18-24 سنة). وبالتالي، يبلغ معدل نسبة المشاركة لمن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا حوالي 40 بالمائة، بينما بالنسبة لمن هم فوق 60 عامًا، يبلغ حوالي 70 بالمائـــــة (سنضيف أيضــــــــًا ازدياد عدد الناخبين الذكور كلمــا تقدمنا في الشـــــــريحة العمريـــــــة، بينما تصوت النســـــاء أكثر في الفئات الأصغر).
   على المستوى الأيديولوجي والسياسي، يُسجّل تعبئة الأشخاص الذين يتعاطفون مع الحزب الجمهوري، أكثر من الذين يتعاطفون مع الحزب الديمقراطي -حتى وان كان الهامش مجرد نقاط قليلة -، في المقابل، للأشخاص الذين لا يتعاطفون مع أي من الحزبين الرئيسيين، تكون نسبة المشاركة أقل بكثير ونادراً ما تتجاوز 50 بالمائة.
   أخيرًا، مع نسبة مشاركة أعلى من 65 بالمائة في المتوسط ، يصوّت السكان البيض، الذين يمثلون حوالي 70 بالمائة من الناخبين، حتى وقت قريب، أكثر بكثير من الأمريكيين السود، الذين هم بدورهم يصوتون بأعداد أكبر من ذوي الأصول الإسبانية أو الآسيويين الذين تقل نسبة إقبالهم كثيرًا عن 50 بالمائة.
   وعلى مدار الخمسة وعشرين عامًا الماضية، بلغ معدل مشاركة الجالية الأمريكية من أصول أفريقية في الانتخابات الرئاسية 57 بالمائة، وهي تزداد باستمرار تقريبًا.
 ومع ذلك، ففي انتخابات عام 2008، ولأول مرة، كانت نسبة مشاركة الجالية الأمريكية من أصول إفريقية تضاهي مثيلتها في المجتمع الأبيض وبلغت 65 بالمائة قبل أن تتفوق عليها في 2012 لتصل إلى 66 بالمائة.

2016: فشل الحزب الديمقراطي في حشد ناخبيه
    تم تقديم العديد من الفرضيات والتحليلات لشرح نتيجة انتخابات عام 2016، مثل دور تصويت الخاسرين من العولمة في الولايات الصناعية السابقة في الغرب الأوسط، والتصويت الهائل لسكان الريف لصالح المرشح الجمهوري، وتأثيرات “منطق ارحل” الديماغوجي، وتصويت الشعب ضد النخب، وتصويت الاستياء لجزء من السكان البيض، الخ... ومع ذلك، فإن القراءة الانتخابية البحتة للنتائج، ولا سيما فيما يتعلق بعلم اجتماع المشاركة الانتخابية، يمكن أن تساعدنا في تنسيب مدى التحول التي قد يكون حققه الناخبون الأمريكيون عام 2016، بعد التصويت عام 2008 وعام 2012 لمرشح، باراك أوباما، يبدو من نواح كثيرة أنه النقيض المزدوج لرئيس الولايات المتحدة الحالي.
   لقد تأكدت الاتجاهات العامة للعقود الماضية الموصوفة أعلاه في انتخابات عام 2016، مع وجود سلسلة من التغييرات الطفيفة في مشاركة مجموعات معينة، والتي جاءت آثارها التراكمية على حساب الحزب الديمقراطي، وأعطت اسبقية ضعيفة للمرشح الجمهوري في بعض الولايات الرئيسية.
   اجتماعيا: عام 2016، انخفض معدل مشاركة الأشخاص الذين ينتمون إلى الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والضعيف، والذين يصوتون أكثر لصالح الحزب الديمقراطي، بنحو 4 نقاط إلى حوالي 45 بالمائة.
ولم تكن هذه الفئــــــة الاجتماعية أقـــــل تعبئـــــة فحســـــــب، بل صوتت أيضًا بنسبة أقل للحزب الديمقراطي، 63 بالمائة لأوباما 2012 و53 بالمائة لكلينتون 2016 -المرشح ترامب سجل + 6 نقاط مقارنة بالمرشح الجمهوري 2012 .  
  قرويا: على العكس من ذلك، سجّل العالم الريفي (حوالي 60 مليون شخص، 20 بالمائة من سكان البلاد)، جمهوري تقليديًا، ويمثل حوالي 17 بالمائة من الناخبين، سجّل مشاركة قوية. ففي هذه المناطق، حصل باراك أوباما على درجات مشرفة، حوالي 40 بالمائة من الأصوات، مما ساعده على الفوز بولايات مثل بنسلفانيا وميشيغان.     ومع ذلك، عام 2016، اقترن معدل المشاركة، الأعلى من الانتخابات السابقة، بالتصويت الهائل لصالح دونالد ترامب، والذي تجاوز نتائج ميت رومني عام 2012 في العديد من المناطق الريفية في ولاية بنسلفانيا وميشيغان أو من ولاية ويسكونسن على سبيل المثال، والذي فاز بهذا الجسم الانتخابي بنسبة تصويت حوالي 3 إلى 1، بما يكفي للفوز بولايات مثل بنسلفانيا وميشيغان، اللتين تصوتان للحزب الديمقراطي منذ 1988 و1992، وخاصة جعل ناخبي الريف قوة انتخابية حاسمة محتملة في هذه الولايات.
   أيديولوجيا: من الناحية الأيديولوجية والسياسية، تراجعت أيضًا مشاركة الناخبين المتماثلين مع الحزب الديمقراطي. وهكذا، في حين صوّت 62 فاصل 8 بالمائة ممن يتعاطفون مع الحزب الجمهوري عام 2016، كانت نسبة الإقبال 58 فاصل 5 بالمائة فقط للذين يتعاطفون مع الحزب الديمقراطي (بانخفاض 1 بالمائة بالنسبة لعام 2012 وبنسبة 6 بالمائة مقارنة بعام 2008).
   الأقليات: أخيرًا، بين السكان البيض، الذين يصوتون تقليديًا للحزب الجمهوري (حوالي 56 بالمائة)، ارتفعت نسبة المشاركة إلى 65 فاصل 3 بالمائة (مقارنة بـ 64 فاصل 1 بالمائة عام 2012)، بينما انخفضت نسبة المشاركة من السكان السود، الذين يصوتون بأغلبية ساحقة للحزب الديمقراطي (حوالي 90 بالمائة) من 66 فاصل 6 بالمائة عام 2012 إلى 59 فاصل 6 بالمائة عام 2016، أي أقل بسبع نقاط. من جهة اخرى، حصلت هيلاري كلينتون على عدد أقل من الأصوات في هذا الجسم الانتخابي مقارنة بباراك أوباما قبل أربع سنوات، 88 بالمائة لكلينتون عام 2016، مقارنة بـ 93 بالمائة لأوباما عام 2012.
   من الناحية الانتخابية، يمكن تفسير نتائج عام 2016 على أنها عجز الحزب الديمقراطي،    ومرشحته هيلاري كلينتون، عن تعبئة جمهوره الانتخابي التقليدي، بينما نجح الحزب الجمهوري، ومرشحه دونالد ترامب، في تعبئة القاعدة الانتخابية الجمهورية، خاصة في الولايات الرئيسية، من خلال توسّعها قليلاً للناخبين الذين يعتبرون مستقلين، أو الذين يشعرون بخيبة أمل من الحزب الديمقراطي، ولا سيما ناخبي الطبقة العاملة البيضاء في ولايات حزام الصدأ “1” والعالم الريفي.
     ان ولاية ميشيغان، تبرز كمثال جيد على فشل الحزب الديمقراطي في تعبئة ناخبيه التقليديين، وخاصة الناخبين الأمريكيين من أصل أفريقي. لم يخسر الحزب الديمقراطي ميشيغان في آخر ستة انتخابات رئاسية.
    متسلحة بهذه السابقة والنتائج التي سجلها باراك أوباما، الذي فاز عام 2012 بفارق 9 فاصل 5 بالمائة، رأت هيلاري كلينتون أنه من الانسب عدم القيام بحملات ضخمة في ميشيغان (تمامًا كما لم تقم بزيارة ولاية ويسكونسن خلال الحملة واهملت العالم الريفي). النتيجة: تراجع المشاركة في صفوف الناخبين الديمقراطيين التقليديين، وانتصار دونالد ترامب بأقل من 11 ألف صوت (0.2 بالمائة) في ولاية تعدّ 9.9 مليون نسمة.
   عام 2016، زاد دونالد ترامب بشكل طفيف عدد الأصوات التي حصل عليها ميت رومني قبل أربع سنوات، مما يشير إلى أن دونالد ترامب ليس هو الفائز في ميشيغان بقدر ما خسرت هيلاري كلينتون لفشلها في حشد الناخبين الديمقراطيين.
«1» «حزام الصدأ” ، في إشارة إلى تراجع الصناعة الثقيلة في منطقة تمتد من شمال ولاية نيويورك إلى الغرب الأوسط ، منها، بنسلفانيا ، أوهايو ، وست فرجينيا ، ميشيغان ، إنديانا ، إلينوي ، ويسكونسن).
استاذ في جامعة مدينة نيويورك

 

  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5