فيروس كورونا كشف المستور:

الولايات المتحدة ليست سوى ظل لنفسها...!

الولايات المتحدة ليست سوى ظل لنفسها...!

-- إن الاستقطاب الحزبي الذي ابتليت به السياسة الأمريكية يضر بالحرب ضد فيروس يسخر من الأحزاب
-- لقد كشف الوباء عن تفاوت صـارخ في المجتمـع الأمريكي
-- كشفت إحاطاته الصحفية اليومية عن جهل مفرط وتناقض مأساوي لإدارته
-- حيثما ينتشر فيروس كورونا، يكون أفراد الأقليات العرقية والأقل حظاً هم الأكثر تضرراً
-- اتخذ الوباء أبعاداً هائلة في الولايات المتحدة، حيث ضرب نظامًا سياسيًا مختل الوظائف ومجتمعًا منقسمًا بعمق
-- لم يخلق ترامب هذا الفيروس، لكنه مسؤول إلى حد كبير عن الحجم الكارثي للوباء على الأراضي الأمريكية


في قلب الأزمة العالمية الحالية، ما الذي لا يسير في الولايات المتحدة؟ ففي الوقت الذي أصبحوا فيه البؤرة الوبائية الأولى في العالم، يغرق الأمريكيون في انقساماتهم بدل الاتحاد في مواجهة التحدي.
وبينما كان على الولايات المتحدة أن تكون الزعيمة والملهمة في مكافحة كوفيد-19، إلا أنها كانت مثالا لا يحتذى.
على السطح، لم يكن الأمر في غاية السوء في الولايات المتحدة في بداية العام. استمر الاقتصاد في النمو دون انقطاع طيلة 10 سنوات، ورغم الجهود الجبارة، لم يتمكن الرئيس ترامب من اخضاع المؤسسات المركزية تمامًا.

كان ذلك قبل كوفيد-19
واتخذ الوباء أبعاداً هائلة في الولايات المتحدة، حيث ضرب نظامًا سياسيًا مختل الوظائف ومجتمعًا منقسمًا بعمق.
عدم كفاءة ترامب
الواضح عند ملاحظة تطور الوباء في الولايات المتحدة، هو أولاً ضخامة عدم كفاءة المقيم الحالي في البيت الأبيض. لم يخلق دونالد ترامب هذا الفيروس، لكنه مسؤول إلى حد كبير عن الحجم الكارثي للوباء على الأراضي الأمريكية.

في يناير، تجاهل تحذيرات أجهزة المخابرات، مفضلاً الوثوق بالوجوه الناطقة لـ “فوكس نيوز”، ومعتقدًا بأن السيطرة (الجزئية) للعائدين من الصين ستكون كافية.
وطوال شهر فبراير، نفى جدية المشكلة على أمل طمأنة الأسواق المالية التي تعثرت مع ذلك.
وعندما اضطر ترامب للتحرك في مارس، كان الوقت قد فات. ومنذئذ، كشفت إحاطاته الصحفية اليومية عن جهل مفرط وتناقض مأساوي لإدارته.
في مواجهة أخطائه، يرفض دونالد ترامب بشكل قاطع تحمل مسؤولياته. ويعطي نفسه العلامة المثالية الكاملة، وأيا كانت حصيلة الموتى، فسيقدمها على أنها نجاح له.
ومهما يقول، خاصة عندما يشجع على “علاجات” غير مثبتة أو خطيرة، فمن الحكمة ألا يُأخذ على محمل الجد.

مؤسسات مختلة
سلط الوباء الضوء أيضًا على الطبيعة المختلة للمؤسسات السياسية الأمريكية في عهد ترامب. فبدل تسهيل إنتاج وتوزيع المنتجات الأساسية للسيطرة على فيروس كورونا، دفعت الحكومة الفيدرالية الولايات الى خوض منافسة ضارة.
ويعود فشل الحكومة الفيدرالية في العمل بشكل منسق، من بين أمور أخرى، الى تفكيك دونالد ترامب للهياكل التي وضعتها الإدارة السابقة لتنسيق عمل مختلف المتدخلين.
وبعد ثلاثة أشهر، لا يزال تنفيذ الحكومة الفيدرالية للاختبارات غير كافٍ تمامًا، بصرف النظر عما يقوله ترامب.
في كيبيك، حصد كوفيد-19 أكبر عدد من ضحاياه في الحلقة الأضعف في خدماتنا الاجتماعية، مراكز الرعاية الصحية للمسنين، وبالمثل، في الولايات المتحدة، هاجم فيروس كورونا نقاط الضعف في مجتمع تتعدد فيه الثقوب.

تفاوت كبير
وكما هو الحال في بقاع عديدة، كان المسنون الذين يعيشون في مؤسسات غير ملائمة هم الأكثر تضررا، لكن الامر لا يتوقف عند هذا الحد.
لقد كشف الوباء عن تفاوت صارخ في المجتمع الأمريكي. فعندما كانت اختبارات الدواء الأولى متاحة، كان من السهل على لاعبي كرة السلة المحترفين الاستفادة منها، لكنها ظلت عصيّة على الناس العاديين.
ووفق نكتة لا تزال متداولة، فإن أفضل طريقة للحصول على اختبار كوفيد-19 في الولايات المتحدة هي العطس في وجه مليونير.
وحيثما ينتشر فيروس كورونا، يكون أفراد الأقليات العرقية والأقل حظاً هم الأكثر تضرراً.
ولا تحصل هذه الفئات المحرومة على الرعاية الوقائية الكافية، ولدى نسبة كبيرة منهم جميع الشروط التي تجعلهم أكثر عرضة للفيروس.
 بالإضافة إلى ذلك، لما كان تفشي الفيروس في الآونة الاخيرة يتكاثر في أماكن العمل التي يشغلها في الغالب الأقليات المرئية ذات الأجور المنخفضة، مثل المسالخ، اضطر العمال إلى الاختيار بين مورد رزقهم وسلامتهم. .
في بلد أكثر انقسامًا من أي وقت مضى على أسس حزبية، يقول بعض المتشائمين أن كوفيد-19 ليس بهذا السوء في نظر ترامب ومؤيديه، لأن غالبية الضحايا في الولايات “الزرقاء” أو التي تصوّت للديمقراطيين.

السخرية المفهومة
ولسوء الحظ، عندما يقضي الرئيس وقتًا للتباكي والشكوى من وسائل الإعلام، أكثر من التعبير عن التعاطف مع الضحايا، وعندما يهتم نفس الرئيس بالتداعيات السياسية لأفعاله أكثر من تأثيرها على الصحة العامة، لا يمكن للمرء أن يرفض على الفور تأويل الساخرين والمتشائمين.
إن الاستقطاب الحزبي الذي ابتليت به السياسة الأمريكية يضر بالحرب ضد فيروس يسخر من الأحزاب. إنه جزء من أزمة سياسية أعمق يكون دونالد ترامب سببها ومن أعراضها على حد سواء.
في المحن الكبرى الماضية، وضع الأمريكيون خلافاتهم السياسية جانباً وتجمعوا للتغلب على التحدي بشكل أفضل... ليس هذه المرة.

غروب الزعامة
الأمريكية الدولية
عندما نقيّم كل ما اختفى خلال جائحة فيروس كورونا، سيتعين وضع الزعامة الدولية للولايات المتحدة على رأس القائمة.
تاريخيا، في بعض الأحيان على خطا، وفي الاغلب على حق، لعبت الولايات المتحدة دور الزعيم الدولي.
ومنذ الاستقلال، رغب المؤسسون في الابتعاد عن المؤامرات الأوروبية، لكنهم راوا بلدهم كنموذج للبشرية، “المدينة المشرقة على التل”.
تطلبت هذه الرؤية وقتًا طويلاً حتى تتحقق وتترافق مع التزام دولي حقيقي. في القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة قوة إقليمية أساسية لم يكن لديها القدرة ولا الإرادة لتحدي الهيمنة البريطانية.

الزمن الجميل
غيرت الحرب العالمية الأولى هذه الصورة، حيث فرضت الولايات المتحدة نفسها كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية، لكن رؤية الرئيس ويلسون العالمية لم تستطع التغلب على الانعزالية.
لقد تطلب الأمر حدوث الكساد العظيم وحرب عالمية أخرى، لتؤكد الولايات المتحدة نفسها كقوة عظمى لا غنى عنها.
كما إن المؤسسات الدولية التي مكّنت العالم من أن يزدهر ويمنع عودة الحروب بين القوى العظمى ما كان لها ان تعمل أبداً بدون زعامة الولايات المتحدة.
ولم يكن دنيس أركاند وحده في الحديث عن تدهور الإمبراطورية الأمريكية في الثمانينات، ولكن نهاية الحرب الباردة وتوسع الليبرالية التي أعقبتها، أعادتا التأكيد على الدور الأساسي للعملاق الأمريكي.
كانت هناك إخفاقات، بما في ذلك التدخلات المشكوك في شرعيتها ونجاعتها في العراق وأماكن أخرى، وكانت عيوب النظام المالي الأمريكي وراء تعجيل الركود العالمي بعد عام 2008.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه عندما كان لا بد من تنفيذ عملية متعددة الأطراف لإنهاء الأزمة بدءً من عام 2009، كانت الزعامة الأمريكية في الموعد.

ترامب ورفض الزعامة
رغم أوجه القصور في سياسة أوباما الخارجية، لم يشك أحد في استعداده لممارسة الزعامة المتوقعة من جانب الولايات المتحدة في مسائل الاقتصاد والأمن والبيئة.
وفي جميع المجالات، وضع وصول دونالد ترامب نهاية لهذه الزعامة العالمية لصالح رؤية قومية ضيقة يتراجع فيها العمل متعدد الاطراف لصالح علاقات القوة الثنائية.
ومع ما يشكّل أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، يحتاج العالم أكثر من أي وقت مضى إلى قوة عظمى على استعداد لممارسة الزعامة لصالح الجميع. ولسوء الحظ، فإن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب لا تستجيب للنداء.

لم تعد نموذجا يحتذى
ان النموذج الأمريكي هو نموذج لا ينبغي اتباعه سواء من حيث السياسات الصحية أو شبكة الأمان الاجتماعي أو تنظيم الرد على الوباء. نحن بعيدون عن “المدينة المشرقة على التل”.
وللاستلهام والنموذج الذي يجب اتباعه في هذه الأزمة، يفضل ان يلتفت “العالم الحر” إلى ألمانيا.
في حين ان الصين، التي فشلت في تقديم نموذج على المستوى السياسي، تفرض نفسها عموما من خلال قوة اقتصادها وقدرتها الإنتاجية غير المحدودة تقريبًا.
وفيما يتعلق بالمنظمات الدولية، فإن التنحي الأمريكي والتنازل عن الزعامة أكثر بؤسا وكآبة.
إن منظمة الصحة العالمية لا تخلو من الأخطاء، لكن الوباء الحالي كان سيتيح فرصة جيدة للولايات المتحدة لمضاعفة الجهود لإصلاحها.
واختارت إدارة ترامب تجفيف منابعها وإسقاطها في عزّ العاصفة.

مسخرة العالم باسره
في قلب هذا الوباء، يبحث العالم كله عن حلول لوقف المجزرة واستئناف الأنشطة الاقتصادية بأمان. ويُستبعد أن تأتي هذه الحلول من الولايات المتحدة، وبدرجة أقل من البيت الأبيض.
وعندما نتأمل الأزمة في الولايات المتحدة مع ترامب في المقدمة، لا نرى نموذجًا ملهمًا للغاية. لا نرى على وجه الخصوص زعامة نرغب في اتباعها بثقة على الطريق الصعب للانتعاش... نرى دولة فريسة انزلاق خطير، ورئيس أصبح اضحوكة العالم بأسره.
ان أزمة فيروس كورونا تكشف عن أزمة سياسية في الولايات المتحدة، تسبق أسبابها وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبقيت عواقبها حية.
كيف وصل الأمريكيون إلى هذه الحالة؟ وما هي هذه الأزمة السياسية، وماذا يعني إعادة انتخاب دونالد ترامب في هذا السياق؟ ماذا يمكن أن نتوقع من انتخابات نوفمبر المقبل؟ وإذا انهزم دونالد ترامب، فهل هي نهاية كل هذه المشاكل؟
 ستناول هذه الأسئلة وغيرها في الأيام القادمة.
أستاذ علوم سياسية بجامعة مونتريال منذ عام 1990. متخصص في الولايات المتحدة. كما يرأس كرسي الدراسات السياسية والاقتصادية الأمريكية في مركز الدراسات والبحوث الدولية مونتريال. حصل على دكتوراه من جامعة نورث وسترن، وكان أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد وباحثاً زائراً في فولبرايت في مركز وودرو ويلسون بواشنطن.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot