تبدو طريقه مفروشة بالورود:

الولايات المتحدة: اختيارات الحزب الجمهوري...!

الولايات المتحدة: اختيارات الحزب الجمهوري...!

-- الحزب الكبير القديم لم يتغلب على مخاطر التأثير المفرط لأنصار ترامب
-- الجمهوري أكثر مصداقية من خصمه فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد ومحاربة التضخم
-- الرجل الأبرز في المعسكر الجمهوري اليوم هو حاكم فلوريدا رون دي سانتيس
-- الانتخابات التمهيدية الأولى هي اختبار لسلطة الرئيس السابق
-- ترسم استطلاعات الرأي المختلفة صورة أكثر إيجابية للحزب الجمهوري


   بداهة، يبدو أن كل شيء يبتسم للحزب الجمهوري. لا تزال شعبية الرئيس بايدن منخفضة للغاية، يجد الحزب الديمقراطي الحاكم صعوبة في التغلب على الانقسامات بين جناحه اليساري والأغلبية الوسطية.
وفجأة، تبشر الانتخابات الوسيطة التي ستجرى في نوفمبر المقبل (منتصف المدة) بأن يحقق نجاحا باهرا، ولمرشح الحزب فرصة جيدة للفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2024.

   ومع ذلك، فإن الحزب الكبير القديم، لم يتغلب على مخاطر التأثير المفرط لأنصار دونالد ترامب، وغير قادر على تحديد هوية جديدة من شأنها أن تضمن له دعم الجزء الوسطي من الرأي العام. إن أزمة الديمقراطية الأمريكية هي أيضاً، إلى حد كبير، أزمة الحزب الجمهوري.
الرأي العام مع الجمهوريين
  استطلاعات الرأي قاسية على الديمقراطيين. ووفق موقع “فايف ثيرتي إيت”، يُظهر تصنيف شعبية بايدن في جميع استطلاعات الرأي فجوة 10 نقاط بين الآراء المؤيدة (42 بالمائة) والآراء السلبية (52 بالمائة).


   وعندما يتعلق الأمر بالانتخابات النصفية، تعتقد الأغلبية أنه من الأفضل للبلاد أن يقع الكونجرس تحت سيطرة الجمهوريين.
والسبب الرئيسي لاستياء الناخبين هو المستوى المرتفع للتضخم، والذي يصل إلى حوالي 8 بالمائة على أساس سنوي، بينما ترتفع الأجور بشكل أبطأ بكثير، الى درجة أن المقدرة الشرائية للغالبية العظمى من المواطنين آخذة في الانخفاض.
    يتناقض هذا الوضع مع السنوات الأربع لولاية ترامب التي تحسّن خلالها مستوى المعيشة لجميع الشرائح والفئات. لذلك ليس مستغربا أن يرى 50 بالمائة من الناخبين، في استطلاع للرأي نشرته صحيفة واشنطن بوست في الأول من مايو، أن الحزب الجمهوري هو الأفضل في إدارة الاقتصاد ومحاربة التضخم مقابل 36 بالمائة فقط للديمقراطيين.

  الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للديمقراطيين، هو إضعاف مواقعهم التي كانت في ما مضى تحت هيمنتهم داخل الناخبين اللاتينيين، الذين يمثلون حوالي 16 بالمائة من الناخبين. ويميل الأخيرون أكثر فأكثر إلى التصويت للجمهوريين، خاصة في تكساس وفلوريدا، وهما ولايتان مهمّتان بسبب ثقلهما الديموغرافي والاقتصادي، ويبدو انهما ليسا في متناول الديمقراطيين.
   ترسم استطلاعات الرأي المختلفة صورة أكثر إيجابية للحزب الجمهوري. فهذا الاخير أكثر مصداقية من خصمه فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد ومحاربة التضخم. علاوة على ذلك، على الرغم من جهود بايدن، فإنه يحتفظ بدعم غالبية البيض غير المؤهلين الذين يمثلون ما يقرب من 45 بالمائة من الناخبين، مما يمنحه ميزة أكيدة في ولايات الغرب الأوسط مثل ميشيغان أو أوهايو.
   وفي ظل هذه الظروف، سيستعيد الجمهوري السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ في نوفمبر المقبل، مما سيحكم على الرئيس بايدن بالشلل التام حتى الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

 وإذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن غالبية أعضاء المحكمة العليا، 6 من 9، لصالح اليمين المحافظ، وأن 28 ولاية من أصل 50 يسيطر عليها الحزب الجمهوري، فمن الواضح أن الحزب الجمهوري اليوم يهيمن على المشهد السياسي الأمريكي.
   ومع ذلك، فإن السؤال هو معرفة ما إذا كان هذا الوضع دائمًا، أو ما إذا كانت العوائق التي يعاني منها الحزب ستؤدي في النهاية إلى إعاقة صعوده.
   العائق الرئيسي هو في نفس الوقت الورقة الرابحة التي سمحت للحزب بالفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، انه دونالد ترامب.

لقد تعرض للهزيمة عام 2020 على الرغم من فوزه بستة ملايين صوت مقارنة بعام 2016.  ومنذئذ، وعلى عكس أسلافه، ظل نشطًا للغاية، حيث يلعب على شعبيته الكبيرة بين الناخبين الجمهوريين الذين يؤيدونه بنسبة تزيد عن 70 بالمائة. لقد واصل التصريح بأنّ تصويت 2020 تم تزويره، وأنه انتخب، وليس بايدن. بالإضافة إلى ذلك، قرر منح رعايته لمئات المرشحين من حزبه الذين يواجهون انتخابات تمهيدية في جميع أنحاء البلاد. وحقيقة أن هؤلاء المرشحين يستدعونه بشكل متكرر، هي علامة واضحة على أن نفوذه لا يزال قوياً وحتى حاسماً في عدد معين من الحالات.    هذا الوضع لا يرضي قادة الحزب ولا سيما ميتش مكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ.
 انهم يلاحظون أن ترامب، الرجل الخارج عن السيطرة، لا يزال الرئيس الحقيقي للحزب الجمهوري، وهم قلقون من أن جميع تصريحاته تتعلق بما يسمى بالاحتيال الانتخابي لعام 2020، بينما التضخم وأزمة الهجرة من المواضيع القوية للحملة ضد الديمقراطيين الذين فشلوا في السيطرة على أي منهما.

اختبار الانتخابات التمهيدية
  ونتيجة لذلك، فإن الانتخابات التمهيدية الأولى هي اختبار لسلطة الرئيس السابق. في 3 مايو، عُقدت انتخابات ولاية أوهايو لشغل مقعد في مجلس الشيوخ في ولاية يسيطر عليها    الحزب الجمهوري. كان المرشح الرئيسي هو جي دي فانس، الشخصية المعروفة والمثيرة للجدل، مؤلف كتاب هيلبيلي الأنيق الأكثر مبيعًا، والذي يروي فيه رحلته باعتباره ابن بروليتاريين بيض من أبالاتشيا الذي تمكن من دخول جامعة ييل، وهي من معاهد النخبة. كان فانس قد انخرط في هجمات عنيفة ضد ترامب عام 2015، وعام 2022، غيّر خطابه تمامًا، وتمسّك بجميع مواقف الرئيس السابق الذي صار راعيه. والنتيجة واضحة، فقد فاز في الانتخابات التمهيدية بنسبة 32 بالمائة من الأصوات مقابل 22 بالمائة لمنافسه الرئيسي.

   منذئذ، تظهر الانتخابات التمهيدية الأخرى في نبراسكا وويسكونسن أن المرشحين الذين يؤيدون ترامب ويدينون بشدة “الاقتراع المزور” لعام 2020 لديهم فرصة أكبر للفوز ضد خصوم أكثر تحفظًا، فيما يتعلق بالرئيس السابق.
  هل يعني هذا أنه سيكون مرشح الحزب عام 2024، وأن انحراف الجمهوريين نحو اليمين سيستمر، الأمر الذي سيجعل أي شكل من أشكال التعاون مع الديمقراطيين مستحيلاً؟

     للإجابة على هذه الأسئلة، من الضروري التمييز بين مصير ترامب الشخصي والأسس الأيديولوجية للحزب الجمهوري.
   بالتأكيد، أن ترامب يحتفظ بأتباع مخلصين بين الجمهوريين، لكن يبدو أن موقفه يتدهور ببطء. لئن استمر 60 بالمائة من ناخبي هذا الحزب في الاعتقاد بأن انتخابات 2020 قد تم التلاعب بها لصالح بايدن، فإن 45 بالمائة فقط يعتقدون أن الرئيس السابق يمكنه التأثير على تصويتهم.
 وهذه النسبة أقل بكثير بين المستجوبين “غير المسجلين” (الذين ليسوا منتمين رسميًا إلى حزب) والذين يمثلون 40 بالمائة من جمهور الناخبين، وبالتالي يكون لهم تأثير حاسم.

انحراف الجمهوريين
 نحو اليمين مستمر
   لذلك، من غير المؤكد أن ترامب سيكون حاضرا في اقتراع عام 2024، وقد بدأ العديد من المرشحين المحتملين في الظهور. الا ان اللافت للنظر، هو أن أيا من هؤلاء المتقدمين لم يجرؤ على الابتعاد عن المواقف المحافظة للغاية للرئيس السابق.
    ان الرجل الأبرز في المعسكر الجمهوري اليوم هو حاكم فلوريدا رون دي سانتيس. شاب، وخريج جامعتي ييل وهارفارد، تبدو صورته الشخصية، ظاهريًا، مختلفة تمامًا عن صورة ترامب.
في المقابل، تعكس مواقفه الأيديولوجية بأمانة المعتقدات السائدة للناخبين الجمهوريين: العداء للإجهاض، وحقوق الأقليات الجنسية، والهجرة، والتطعيم الإجباري ضد كوفيد.

 وقد تعرضت عمليته “تطهير” مكتبات المدارس العامة في فلوريدا من خلال حذف الكتب التي تعتبر خطرة على الشباب، لانتقادات غير انها لم تزعج ناخبيه الذين يستعدون للتجديد له في انتظار دعمه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية المقبلة.
   في تحليل رائع نُشر في النيويوركر في 5 مايو، أشارت سوزان جلاسر إلى أنه لا أمل اليوم في رؤية الحزب الجمهوري ينأى بنفسه عن التجاوزات التي يشجعها ترامب. علاوة على ذلك، وبفضل نظام انتخابي يخدم الحزب الأقلّي من حيث الاصوات على المستوى الوطني، يمكنه أن يأمل في الاحتفاظ أو الفوز بمناصب رئيسية في مجلس الشيوخ والولايات وداخل المجمّع الانتخابي الذي ينتخب الرئيس. وهكذا، فإن أقلية يتراجع سلوكها الديمقراطي تفرض نفسها في بلد يمر بأزمة.

*أستاذ سابق في كلية الصحافة بمعهد العلوم السياسية بباريس