بلومبرغ: قصف كييف لروسيا اختبار للتحالف مع واشنطن

بلومبرغ: قصف كييف لروسيا اختبار للتحالف مع واشنطن


رأى الكاتب هال براندز أنه لو صح نبأ هجوم أوكرانيا بطائرات دون طيار، على قاعدتين جويتين بارزتين في عمق الأراضي الروسية فسيؤكد هذا الهجوم للمراقبين أمراً مهماً عن تحويل كييف مسار حرب وحشية لصالحها، والتسبب في توتر خفي مع واشنطن.
وأشار براندز، وهو أستاذ متميز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز، في موقع “بلومبرغ” إلى أن أوكرانيا جعلت روسيا تنزف بطرق خلاقة.
انطوى ذلك أحياناً على استخدامات ذكية لتقنيات أساسية مثل منظومات هيمارس، لتدمير مستودعات الذخيرة الروسية، ومراكز اللوجستيات والتحكم، أو استخدام تكتيكات “أنظر هنا” المخادعة لشن غارة صاروخية أغرقت الطراد القيادي في أسطول البحر الأسود الروسي. وفي حالات أخرى، شنت أوكرانيا هجمات بالقوات الخاصة والشاحنات المفخخة والمروحيات لضرب أهداف داخل القرم التي تحتلها روسيا أو داخل روسيا نفسها.

تغريدة ماكرة
أضاف براندز أن للروس  قوة نارية متفوقة لكنهم استخدموها بطرق متثاقلة وغير ملهمة. من جهتهم، استخدم الأوكرانيون التفاوت في البراعة لتعويض التفاوت في القوة لصالح موسكو.
ركزت الهجمات الأخيرة بشكل أساسي على قاعدة إنغلز-1 الجوية في ساراتوف، وهي نقطة انطلاق المقاتلات الجوية التي قصفت أهدافاً أوكرانية. وفي تغريدة ماكرة، كتب مستشار للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي “إذا كان شيء يطلق إلى المجال الجوي لدول أخرى، عاجلاً أو آجلاً ستعود أشياء مجهولة طائرة إلى نقطة الانطلاق».

هجمات ستستمر
استخدمت أوكرانيا في السابق طائرات صغيرة دون طيار ورخيصة للاستطلاع ولشن هجمات ضد الدبابات، والمركبات الروســـــية، وحتى لقتــــــل مجموعات صغيرة من الجنود الروس.
والآن، يبدو أنها سخرتها لتوجيه ضربات بعيدة مئات الآميال داخل روسيا مبرهنة على أن الطائرات دون طيار يمكن أن تكون قوة جوية في جيش ضعيف.
وتوقع براندز أن تستمر هذه الهجمات. إذ تحتاج كييف إلى إبقاء الضغط العسكري والنفسي على موسكو بينما تعيد قواتها التجمع لإطلاق اندفاعتها الكبيرة الموالية. ويحتاج زيلينسكي إلى أساليب للرد على روسيا التي تقصف المدن الأوكرانية بالمدفعية والغارات الجوية.
تفاوت آخر
والهجمات الأوكرانية على روسيا جديرة بالملاحظة، وتسلط الضوء على تفاوت أخلاقي ثان. حسب براندز، فروسيا التي تشن حرب إرهاب وعدوان لا تشعر بتأنيب ضمير على هجمات بلا هوادة على أوكرانيا. وكييف التي تخوض حرباً شرعية للدفاع عن النفس تثير الدهشة حين تهاجم قواعد ينطلق منها العدوان أو حتى أهدافاً للعدو على أرضها في القرم. لا عدالة في هذا التفاوت حتى ولو كان داعمو كييف، خاصةً الرئيس الأمريكي جو بايدن، يعتقدون أنه المكان الذي يجب الحذر فيه، بالنظر إلى خطر التصعيد.

جواب أمريكا الدائم
هذه الدينامية هي مصدر الاحتكاك المستمر في تعاملات زيلينسكي مع الغرب. طيلة النزاع، اختبرت أوكرانيا بمهارة حدود تسامح واشنطن مع التكتيكات الهجومية، بينما سعت واشنطن إلى ضمان ألا تنتج هذه التكتيكات حرباً أوسع صمم بايدن على تجنبها. حين علمت الاستخبارات الأمريكية أن عملاء أوكرانيين قتلوا على ما يبدو ابنة منظر روسي متعصب في موسكو هذا الصيف، سربت بشكل استراتيجي هذه الخلاصة، على أمل ردع كييف عن محاولة شيء مماثل مجدداً، حسب الكاتب.
سعت أوكرانيا بشكل مستمر إلى الحصول على صواريخ أطول مدى وطائرات دون طيار أكثر تطوراً يمكن أن تضرب أهدافاً إضافية في القرم وروسيا.
ولكن الولايات المتحدة قالت لها، لا، باستمرار، حتى أنها عدلت منظومات هيمارس التي أرسلتها إلى كييف حتى لا تستخدمها في غارات أبعد مدى.
في العلن، دافعت إدارة بايدن عن حق كييف في ضرب أصول روسية في القرم. في المجالس الخاصة، فإن المسؤولين الأمريكيين أكثر معارضة.

اختلاف كبير
ظلت هذه الخلافات صامتة إلى حد ما، أقله في العلن. تشير الصورة الكبيرة إلى أن كييف وواشنطن تعملان على نتيجة كانت ستبدو معجزة منذ عشرة أشهر، وهي انتصار يضمن نجاة أوكرانيا ويترك روسيا في خلل استراتيجي.
لكن هذه القضايا ستطال تفاوتاً أخيراً في كيفية فهم كييف وواشنطن للمخاطر وسعيهما لإدارتها. في واشنطن، كان بايدن واضحاً في أن تفادي مواجهة عسكرية مع روسيا هو بنفس أهمية مساعدة أوكرانيا.
وفي كييف، تبدو المخاوف من التصعيد جوفاء، بالنظر إلى أن أوكرانيا تقاتل أصلاً للدفاع عن وجودها. بالنسبة إلى بايدن، فإن سلسلة ردود أفعال تؤدي إلى تدخل أمريكي مباشر وحرب أوسع ستكون كارثة. وعند زيلينسكي، سيعني دخول أمريكي في النزاع خلاص أوكرانيا على الأرجح.
يلفت براندز، إلى أن تحليله ليس تأييداً للأسطورة الخبيثة التي تقول إن زيلينسكي يحاول إيقاع أمريكا في فخ الحرب، في وضع يائس، هو يبذل ببساطة قصارى جهده. ليس أقل الحقائق صعوبة التي كشفتها الحرب الأوكرانية أن خلافات حقيقية يمكن أن تكمن في الشراكات الأكثر إنتاجية.