وقت انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية عام 1991، كان عدد الجيش السوفييتي يبلغ 3.7 مليون رجل. هل يمكننا العثور على هذه الأرقام مرة أخرى؟ من المحتمل جدًا. ففي نهاية المطاف، دخلت المواجهة مع الغرب تقريباً مرحلة ساخنة...” على صفحات صحيفة روسيسكايا غازيتا المؤيدة للكرملين، رد المحلل العسكري أليكسي ليونكوف على إعلان الكرملين بزيادة أفراد الجيش الروسي ، ولم يمر دون أن يلاحظه أحد. في الواقع، وقع فلاديمير بوتين يوم الاثنين مرسومًا لزيادة قوة الجيش الروسي من 1.32 مليون إلى 1.5 مليون رجل بحلول الأول من ديسمبر. إن الزيادة بنسبة 15% التي ستسمح للجيش الروسي بأن يصبح ثاني أكبر جيش في العالم، بعد الجيش الصيني، روجت لها وسائل الإعلام القريبة من السلطة على الفور.

وبحسب المتحدث باسم الأخيرة، ديمتري بيسكوف، فإن هذا القرار مرتبط بـ “عدد التهديدات التي تواجه بلادنا” وخاصة “بالوضع العدائي للغاية على حدودنا الغربية”. وأشار المتحدث باسم الكرملين أيضًا إلى “عدم الاستقرار على الحدود الشرقية لروسيا”. باختصار: النفوذ الأميركي الذي توحدت موسكو ضده مع بكين وبيونغ يانغ. عندما تقرأ ما كتبه أليكسي ليونكوف، ندرك أن الزيادة في القوات التي قررها فلاديمير بوتين يوم الاثنين تُفسر بشكل أساسي من خلال قيام الناتو بتركيب قواعد جديدة يوجد منها “ثلاث وأربعون قاعدة، على جبهتنا الشمالية، على أراضي الأعضاء الجدد في الحلف، فنلندا وحلف شمال الأطلسي.

 ثروة كبرى حقيقية
الحاجة إلى “زيادة القدرات الدفاعية” أو “ضمان زيادة القوة القتالية” - تتجنب الحجةُ الرسمية الإشارةَ بشكل دقيق إلى السياق الرئيسي للحرب في أوكرانيا التي تستنزف الجيش الروسي، مثلما تسنتزف  قوات كييف، منذ أكثر من سنتين ويقول أليكسي ليونكوف “ ليس هناك شك في أن العملية العسكرية الخاصة لعبت دورًا في هذه الزيادة في الأعداد، لكنني لا أقول إنها العامل الرئيسي”. وتظل الحقيقة أن الحرب تمثل اختبارًا جديًا لرجال ومعدات القوات المسلحة الروسية، مما يدفع الحكومة إلى إعادة جدولة الأمور بشكل متكرر. 
في حين بلغ عدد الجنود الروس حوالي مليون بين عامي 2008 و2022، وقد زاده الكرملين تدريجياً منذ الهجوم الروسي واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير 2022 وتعود الزيادة السابقة إلى ديسمبر 2023، عندما تمت زيادة الأعداد من 1.15 مليون جندي إلى 1.32 مليون جندي. وفي يونيو-حزيران الماضي، أعلن فلاديمير بوتين أن 700 ألف جندي يقاتلون في أوكرانيا، أي ما يقرب من نصف القوة الرسمية. لكن السلطات الروسية لم تؤكد أبدًا حجم الخسائر - ويعود التقرير الأخير إلى سبتمبر 2022 و قد أُبلغ عن مقتل 5937 شخصًا. وتقدر المصادر الغربية عدد القتلى والجرحى في صفوف الروس بنحو 350 ألفاً، وهو عدد أكبر مما كان عليه خلال كل الصراعات التي قادتها موسكو منذ الحرب العالمية الثانية. كما يقدر معهد كارنيغي المعدات الروسية المدمرة بنحو 15 ألفاً، منها 3000 دبابة وأكثر من 5000 مدرعة وألف منظومة مدفعية و130 مروحية ونحو مائة طائرة. وللتعويض عن الخسائر البشرية، وخاصة الفادحة على جبهة دونباس ومؤخرا في منطقة كورسك، ركز الكرملين على تجنيد “المتطوعين”، بدلا من التركيز على موجة ثانية من التعبئة بعد موجة سبتمبر  2022 . رسميًا، في عام 2023، كان 540 ألف روسي قد وقعوا عقدًا للذهاب إلى الجبهة. وهو رقم قياسي تعتبره مصادر مستقلة مبالغًا فيه إلى حد ما، حيث اختارت رقمًا يبلغ حوالي 345000 عقدًا. كما تم تجنيد عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الروسية. ولكن بعد أن انخفض معدل التوظيف في الربع الأول من عام 2024، أعادت السلطات الروسية إطلاق حملات اتصال كبيرة في جميع أنحاء البلاد، ووعدت برواتب عالية للغاية والعديد من المزايا الضريبية والاجتماعية للمُجندين المُحتملين. وفي هذا العام، ضاعف الكرملين مدفوعات نهاية العقد الممنوحة لكل متطوع من قبل الدولة الفيدرالية من 195 ألف إلى 400 ألف روبل. لعدة أسابيع ظلت الملصقات منشورة في مختلف أنحاء موسكو تعرض “الكونتراكتنيكي” وهي الثروة الكبرى الحقيقية ـ ما لا يقل عن 5,2 مليون روبل، أو ما يقرب من 52 ألف يورو ـ يمكن الحصول عليها بعد عام واحد من الخدمة. ويقدر موقع المعلومات المستقل “ميدوزا” أنه “في غضون ستة أشهر، نما عدد الجيش بمقدار 166 ألف جندي، وهو أقل بالكاد مما كان عليه خلال الفترة نفسها من عام 2023 لكنها تضيف أنه إذا كان “تجنيد العمال المتعاقدين يجعل من الممكن تغطية الخسائر”، فإن ذلك لا يسمح بزيادة حقيقية في قوة الجيش الروسي. على المدى الطويل، لن تتمكن القوات المسلحة في موسكو من التعامل مع الاستنزاف الذي تعاني منه إذا استمر القتال لعدة سنوات، حسب تقديرات تقرير كتبته خبيرة في الشؤون الإنسانية لمعهد كارنيجي و نشر هذا التقرير هذا الشهر. “من شبه المؤكد،”لن يتم إعادة تشكيل الجيش الروسي أو إعادة بنائه كما كان قبل عام 2022”، تؤكد هذه الوثيقة المخصصة لـ “إعادة بناء الجيش الروسي بحلول عام 2030 “. ويشير المؤلف إلى أن 44% من الضباط الروس الذين قتلوا البالغ عددهم 4000 ضابط كانوا من الملازمين والنقباء، مما أدى إلى إجهاد القوى الحيوية في التسلسل الهرمي العسكري. من المؤكد أنه “على مدار عامين، تمكن الكرملين من تجديد قواته (...) ولكن، باستثناء إنتاج الطائرات بدون طيار، استقرت هذه الجهود في عام 2024، كما تقول الخبيرة، واضعة في الاعتبار على المدى الطويل صلابة “اقتصاد الحرب».
وفي الفترة بين عامي 2024 و2026، قد يتجاوز الإنفاق العسكري الروسي 7% من الناتج المحلي الإجمالي، أو أكثر من 40% من الميزانية الوطنية، وهو ما يذكرنا بالوضع الذي كان سائداً في ظل الاتحاد السوفييتي. وتشير دارا ماسيكوت، التي تدعونا إلى الأخذ في الاعتبار كافة العقبات التي تثقل كاهل المعادلة الروسية الصناعية، والتكنولوجية  في ظل العقوبات الغربية، والديموغرافية،
 وما إلى ذلك، إلى أن “الإنفاق العسكري عند المستوى الحالي يجب أن يكون مستداما حتى عام  2026 .”وتقول مؤلفة التقرير: “على المدى المتوسط والطويل، سيكون لمثل هذا الإنفاق العسكري الضخم تكلفة إجمالية تهدد بتشويه مجالات أخرى من الاقتصاد الروسي».