نافذة مشرعة

بيداغوجيا البريكسيت

بيداغوجيا البريكسيت


     البريكسيت خبر سيئ للغاية. إن هذا الحدث الذي لا نظير له، هو أكثر دلالة من كونه مجرد انتقال من 28 إلى 27 دولة عضو. فخروج المملكة المتحدة، يحرم الاتحاد الأوروبي من قوة هذا البلد العظيم، ويقلص عدد سكان الاتحاد، الذي مرّ يوم 31 يناير تحت شريط نصف مليار نسمة (إلى 446 مليون)، بالإضافة إلى خسارة نفوذ وتأثير.
    لقد تمّ إرسال إشارة سلبية للعالم في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي الى ان يكون له ثقل جيوسياسي. اخيرا، إن لم يكن على الأقل، التخلي، ولفترة طويلة، عن مشروع توحيد القارة التي تنتمي إليها بريطانيا، رغم انف الإنجليز. وبإعادة صياغة مقولة بول فاليري، مع البريكسيت، نحن الأوروبيون نعرف الآن أننا منذورون للموت.
   إن الانسحاب القانوني والقوي رمزيا للمملكة المتحدة، يقدم فضائل تربوية على الأقل. فرغم انه باعث على الأسى، الا أن مجرد تحقيق البريكسيت يدل على الطبيعة المتفردة لاتحادنا... فهو ليس إمبراطورية جديدة، على عكس ما يصوره منتقدوه.
  وها أن المادة 50 من المعاهدة الأوروبية، بند الخروج الذي ساد الاعتقاد بأنه سيبقى حبرا نظريا على الورق، تتجسّد فعلا. غير ان هذه الإمكانية الحقيقية لمغادرة الاتحاد، تحيل إلى خيار آخر فعال بنفس القدر، وهو البقاء داخله. فمنذ الاستفتاء البريطاني لعام 2016، أكد الـ 27 ضمنيًا خيار البقاء. الدولة ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي فرضيا بل بالإرادة... إنها التربية على الديمقراطية.
برهان بالمنطق العبثي
     فضيلة تربوية أخرى للبريكسيت وهي الواقعية. يقدم الخروج درسًا بالحجم الطبيعي حول ما هو عليه الاتحاد الأوروبي في الممارسة العملية. إن المفاوضات الطويلة حول اتفاقية الانسحاب والتصديق البريطاني المؤلم عليها، سمحا للبريطانيين، وكذلك لجميع الأوروبيين من (إعادة) اكتشاف ما تعنيه السوق الداخلية، بشكل ملموس، وما الذي يجلبه الاتحاد الجمركي، وما تمثله المواطنة الأوروبية، من بين أمور أخرى.
   فعند مغادرة الاتحاد، كل هذه الإنجازات، التي غالبًا ما تكون غير مرئية في الحياة اليومية، والبديهية جدًا الى درجة انها لا تلفت الانتباه، ظهرت فجأة وكأنها متجلية وملموسة، وأخذت حجمها وكل معانيها. وهكذا يثبت البريكسيت بالمنطق العبثي ما هو الاتحاد الأوروبي في العمق.
   اثبات وبرهنة قدمها الأوروبيون أيضًا لأنفسهم. فإذا كان “البريكسيت يعني البريكسيت”، كما أشارت تيريزا ماي، فإن “الاتحاد الأوروبي يعني الاتحاد الأوروبي”، أجاب الأوروبيون بصوت واحد، تحت قيادة مفاوضهم، ميشيل بارنييه.
   وعلى النقيض من التنبؤات الرهيبة لمؤيد البريكسيت بشدة نايجل فاراج، لم يتبخر الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل على العكس من ذلك، أثبت صلابة بنائه.
   باختصار، أوروبا موجودة، وقد التقاها البريكسيتيون. والآن الأمر متروك للأوروبيين ليظهروا للعالم أنهم موجودون بشكل يختلف عن هذه الحلقة المحزنة، والمثيرة للشفقة ايضا.

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot