عملاق خارج السيطرة «5»

تحالفات الصين والاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي...!

تحالفات الصين والاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي...!

-- لا تخفي الحكومة الصينية سعيها لفصل أوروبا عن النفوذ الاقتصادي الأمريكي
-- لا تتردد الحكومة الصينية في التعامل مع الدول المهمشة
--  في أمريكا اللاتينية، تقدم بكين نفسها كبديل لواشنطن
-- يستمدّ التبرير الأيديولوجي لهذه  التحالفات من الحجج الماركسية القديمة
-- تطرح الاتفاقية الموقعة بين الاتحاد الأوروبـي والصين عــدة مشـاكل مهمـة


    يمكن للبلدان التي تم نبذها من المجتمع الدولي الاعتماد بشكل متزايد على حليف متميّز: الصين. ويُستمدّ التبرير الأيديولوجي لهذه التحالفات من الحجج الماركسية القديمة: الدول التي تنبذها الولايات المتحدة وحلفاؤها هي بالضرورة ضحايا... ضحايا الإمبريالية الأمريكية والرأسمالية. وبما أن هذه الدول غالبًا ما تكون دولًا نامية، فإن الصين تضيف بعدًا آخر: التضامن الضروري بين الدول النامية.
 
   بطبيعة الحال، فإن فكرة أن أكبر اقتصاد في العالم لا يزال دولة نامية هي فكرة وهمية، الا ان الحكومة الصينية تحب الاحتفاظ بهذه التسمية للاستمرار في التمتع بالعديد من الامتيازات التي تتمتع بها البلدان النامية في المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية.

عدو عدوي...
  في الواقع، التفسير أبسط... الصين تتبع القول المأثور: عدو عدوي صديقي.
   هذه هي الطريقة التي وقّعت بها الصين وإيران اتفاقية تجارة استراتيجية كبرى الشهر الماضي. ومن السهل أن نفهم أن الصين ستساعد إيران في تجاوز العقوبات الأمريكية وستتقاضى مقابلها من الغاز والنفط الإيراني. ستكسب الصين الكثير من هذه الصفقة، فهي تقوم بتوسيع نفوذها في قلب آسيا، وتنويع إمداداتها من الطاقة.
   يعزّز الاتفاق تشكيل كتلة صينية. حتى الآن، امتثلت الصين للحظر المفروض على إيران وخفضت تجارتها بشكل كبير مع ذلك البلد. ربما لن يكون الحال كذلك بعد الآن. إضافة إلى انه يمكن للصين حماية إيران أثناء تطوير ترسانتها النووية... وسبق ان رأينا مثل هذا.
كوريا الشمالية أيضا
   ان تحالفا مماثلا يوحد الصين وكوريا الشمالية. ورغم أن الحكومة الصينية أشارت دائمًا إلى أنها لا تستطيع التأثير على الكوريين الشماليين، إلا أن زيـــــارات كيم جونغ أون المتكررة إلى شي جين بينغ توحي بغير ذلك.
   وفي كل الاحوال، كان بإمكان الصين، بالوسائل المتاحة لها، أن تفرض حظراً حقيقياً على كوريا الشمالية، ولم تفعل.

الفرع الفنزويلي
   كما أن الصين قريبة جدًا من الحكومة الفنزويلية. ومع ذلك، فإن الأعمال التجارية الصينية لا تزدهر كثيرا في بلد مادورو، لأن البلاد تعاني من خلل وظيفي وفساد الى درجة أن الصين تجد صعوبة لاستعادة قرضها البالغ 20 مليار دولار.
  تسير مبيعات النفط الفنزويلي إلى الصين ببطء، غير ان الصين تستخدم الأموال المستحقة لها لدخول قطاعات أخرى، مثل الزراعة والثروة السمكية.
  في المقابل، فإن التحالف بين فنزويلا والصين تتابعه عن كثب دول أخرى في أمريكا اللاتينية تسعى إلى التخلص من النفوذ الأمريكي.
   باختصار، تقدّم بكين نفسها بشكل متزايد كبديل لواشنطن.

أوروبا تحت الضغط؟
 في سياق التوسع وبسط النفوذ دائما، في 30 ديسمبر، وقعت الصين والاتحاد الأوروبي اتفاقية استثمار. قدم الأوروبيون هذه الاتفاقية كنظير للاتفاقيات التجارية التي توصلت إليها الصين والولايات المتحدة لإعادة التوازن في الميزان التجاري بين البلدين.      صحيح أن الميزان التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي يعاني من عجز عام للبلدان الأوروبية منذ عقود. وفي عام 2020 بلغ هذا العجز 181 مليار دولار لصالح الصين.
   من جانبها، لا تخفي الحكومة الصينية سعيها لفصل أوروبا عن النفوذ الاقتصادي الأمريكي.
   كانت الاتفاقية قيد التفاوض منذ عام 2013. وجعلت سياسات دونالد ترامب، الذي أراد أن يساهم الأوروبيون بشكل أكبر في نفقات الناتو، ولم يتردد في تطبيق تعريفات جديدة على الشركات الأوروبية، جعلت القادة الأوروبيين يدركون أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة إلى الأبد، وربما أدى هذا الوعي إلى تسريع المفاوضات.
   الاتفاقية أمامها سنتان للتصديق عليها، لكن كلما مر الوقت، كلما قلت حظوظها... وقد يكون هذا من حسن حظ الأوروبيين.

بعض التفاوت
    تطرح الاتفاقية عدة مشاكل مهمة:
   اولا، إنها غير متماثلة. بينما تفتح الدول الأوروبية قطاعاتها الصناعية على نطاق واسع أمام الاستثمار الصيني، لا تزال العديد من القطاعات الاقتصادية الصينية مغلقة أمام الاستثمار الأوروبي.
   ثانيًا، تمنح الاتفاقية الحكومة الصينية إمكانية الوصول إلى المعلومات التي هي في صميم الخطط الاستراتيجية للشركات الأوروبية. نظريا، يجب أن يحصل المستثمرون الأوروبيون على نفس المعلومات عن الشركات الصينية، غير ان هذا مشكوك فيه، بالنظر إلى غموض النظام الصيني ونظام المحاسبة الخفي الذي يبدو أنه لا يزال قائما في الصين.
   والأهم من ذلك، أن الاتفاقية لا تدير أنشطة الحزب الشيوعي الصيني. ومع ذلك، فإن الحزب الشيوعي ليس فقط قلب النظام السياسي الصيني، وانما أيضًا عقل نظامها الاقتصادي.

ضغوط من ألمانيا
   تم توقيع اتفاقية الاستثمار بضغط من ألمانيا حيث يخشى كبار صانعي السيارات الألمان من خسارة السوق الصينية. وكان اهتمام دول أخرى، مثل فرنسا وإيطاليا، أقل بكثير في التوقيع على مثل هذه الاتفاقية.
   الاتفاق أيضا في خطر بسبب السياسات العنيفة تجاه هونغ كونغ، وضد الأويغور، التي قلصت حماس الزعماء الأوروبيين إلى حد كبير.

سلوك غير مسؤول
   كما فتح السلوك غير المسؤول للسلطات الصينية في جائحة كوفيد-19 عيون القادة الأوروبيين إلى حد ما. حتى أن إيمانويل ماكرون قال مؤخرًا، إن عصر السذاجة تجاه الصين قد انتهى.
   ربما... لكن مما لا شك فيه، أن الدبلوماسية الجديدة لجو بايدن ضد الصين هي التي تدفع الأوروبيين إلى التحالف مع الولايات المتحدة ضد الصين. ويشكل تجديد التحالفات الأوروبية الأمريكية أكبر عقبة أمام التصديق على اتفاقية الاستثمار بين أوروبا والصين.

* أستاذ العلوم السياسية متخصص في الصين وآسيا -جامعة مونريال كندا