نافذة مشرعة

تحيا الحياة...!

تحيا الحياة...!


   لقد حاولنا جاهدين مقارنة هذه الأزمة الاقتصادية بالأزمات السابقة، وبما لا يكفي، مقارنة هذا الوباء بالأوبئة السابقة. ومع ذلك، إذا بحثنا في هذا الاتجاه، فإننا سنكتشف بسرعة شيئًا قد يجعل المسار أكثر وضوحًا للانتصار في مواجهة هذا وذاك.
   في الأوبئة السابقة، منذ آلاف السنين، لم تكن للحياة البشرية (باستثناء حياة الأقوياء) أهمية كبيرة؛ فقد كانت قصيرة، وبدون قيمة حقيقية، لا اقتصادية ولا أيديولوجية. وبما أنه لم يكن لدينا طريقة علاجية لحماية أنفسنا من الشرّ والأذى، فقد تعايشنا معه؛ الاستسلام. بالإضافة إلى ذلك، في معظم الحضارات، كان الاهتمام فقط بالحياة الآخرة، كما هو محدد من قبل مختلف الأديان.

   وعندما بدأنا نمتلك الوسائل لحماية أنفسنا قليلاً، عن طريق اللقاحات، واصلنا، في معظم الحالات، العيش كما كان الحال من قبل، لا نتوقف إلا بسبب الخراب الناجم عن الأوبئة. وعندما استطعنا، بدأنا في العلاج الذي لا تحده إلا الإمكانيات المالية.
   وقد وصلنا اليوم إلى وضع جديد بشكل راديكالي: أصبحت الحياة ذات قيمة لا حصر لها في بعض الدول الأكثر ثراء. ليس فقط لأننا نعيش لفترة أطول. وليس فقط لأن الطاقة الإنتاجية لكل رجل باتت أكبر من أي وقت مضى؛ ولكن خاصة لأنه، من الناحية الإيديولوجية والأخلاقية، لم نعد نعترف بقياس قيمة حياة أي شخص بناءً على المعايير الاقتصادية فقط. ولا حتى الرضا بوعود الغيب. وفي هذه البلدان، إذا تم إيقاف العلاجات، فذلك ليس لأنها باهظة الثمن، وانما لأن التكهن أصبح نهائيا محل شبهة.
   إن هذه البلدان نادرة جدا، وربما تكون مجرد يوتوبيا.

   في معظم البلدان الأخرى، حتى الغنية منها، لا تزال الرعاية الصحية، بشكل ضمني أو صريح، موزعة بالتقسيط. وترفض العديد من البلدان، وليس بالضرورة هي نفسها، وضع صحة الناس قبل دورة الاقتصاد. وهذا هو الحال في السويد وهولندا والبرازيل، وأقل وضوحا في الولايات المتحدة، حيث يعارض رئيس مهووس بسعر أسهم البورصة جزء من الجهاز الاتحادي والمحافظين؛ الجدل صريح للغاية، وقد رأينا أجدادًا يقولون إنهم على استعداد لتحمل خطر الموت، من خلال تعريض أنفسهم للوباء، حتى يتمكن أطفالهم وأحفادهم من العمل، بما انه لا وجود لمنحة بطالة. وبعبارة أخرى، فإن شروط الصحة والاقتصاد في هذه البلدان متناقضة.
   ويقودنا هذا إلى سؤال مثير للدهشة، ونادرا ما يُطرح صراحة: ما هي المخاطر التي نحن على استعداد لتحملها بشكل فردي وجماعي، في الحاضر والمستقبل، لكي يسير مجتمعنا بشكل يومي؟
  الجواب واضح: نحن أكثر استعدادًا لتحمل هذه المخاطرة حيث لا خيار أمامنا. وعلى العكس من ذلك، كلما كان المجتمع يحمي ويكافأ بشكل أفضل الذين يكون تعرضهم للمخاطر أمرًا حيويًا للآخرين، كلما كان يحمي الآخرين بشكل أفضل من مخاطر البطالة، وكلما كان هؤلاء أكثر ترددًا في وضع حياتهم على المحك بالعمل في ظروف خطرة.
   ولكي يسير مثل هذا المجتمع، بالطبع، يجب أن يكون قادراً أولاً على حماية أولئك الذين يعدّ عملهم حيويًا لأداء وظائفه بشكل مثالي قدر الإمكان، ولا يمكن القيام به عن بُعد. وأنه ينتج المزيد والمزيد من الثروة والوظائف في قطاعات الحماية والوقاية هذه، في الحاضر والمستقبل؛ القطاعات التي، من قريب أو بعيد، تمنح نفسها مهمة الدفاع عن الحياة: الصحة، الغذاء، البيئة، النظافة، التعليم، البحث، الابتكار، الأمن، التجارة والمعلومات والثقافة؛ وغيرها.

   ثم ندرك أن هذه القطاعات المعرّضة، التي تضمن ظروف الأداء الحيوي لمجتمعاتنا، هي في حالة اضطراب كامل: الى وقت قريب جدًا، كانت مصنوعة بشكل أساسي من الخدمات، وبالتالي لم تكن تحمل إمكانات النمو، تلك التي لا تأتي الا مع زيادة الإنتاجية الناتجة عن تصنيع الخدمة.
   الجديد، والخبر السار، هو أنها تصنع في الآونة الأخيرة، ليس فقط من الخدمات، ولكن أيضًا من الصناعات القادرة على زيادة إنتاجيتها، وبالتالي تحسين قدرتها باستمرار على الوفاء بمهمتها. لذلك، من خلال تكريس كل الجهود على عمّال وصناعات الحياة، سننقذ الأمم والحضارات والاقتصاد.

   وفي انتظار أن تؤتي مثل هذه الاستراتيجية ثمارها، ربما يمكننا أن نوصي الذين لديهم امتياز القدرة على العمل أثناء وجودهم في العزل الذاتي، بتكريس القليل من وقت فراغهم وترفيههم، (في كل الأحوال إذا توفر لهم ذلك) ، لإعادة التفكير في علاقتهم بحياتهم وحياة الآخرين؛ والتساؤل على وجه الخصوص كيف يمكن أن يكونوا مفيدين من خلال عملهم أو خارج عملهم، ودون تعريض أنفسهم، مفيدين للذين يعرّضون أنفسهم للخطر. وهكذا اذن، من خلال الإعداد، بتواضع، وبطريقتهم الخاصة، هذا التحول الكبير، شرط بقاء الجنس البشري.


•• جاك اتالي
*مفكر واقتصادي فرنسي، ورجل سياسة، تولَّى عدَّة مناصب، منها منصب مستشار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران طيلة عشر سنوات، ومدير البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، له ‏العديد من المؤلفات 67 كتابًا بيعت إلى 7 ملايين نسخة وترجمت إلى 22 لغة.

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/