وعلى نفسها جنت براقش:
ترامب وكوفيد- 19 ونهاية الزعامة الأمريكية...!
-- حكومة الرئيس ترامب، التي كانت تضمّ ذات يوم بعض العقول المستقلة، تؤثثها اليوم الرداءة
-- ما الذي تفعله أمريكا لتخفيف معاناة بقية العالم؟، بل ما الذي تفعله لتخفيف معاناة شعبها؟
-- في جميع أنحاء العالم، يطرح سؤال: من هي القوة العظمى الآن؟
-- يمكن أن يوقّع الوباء مذكّرة موت الهيمنة الأمريكية على بقية العالم... لمن نوجّه الشكر؟
-- لقد قاد ترامب البلاد إلى حدّ فقدان جدواها، ان الولايات المتحدة تترنّح على حافة هاوية
عام 1994، يوم عيد ميلاده التسعين، قال الدبلوماسي الأسطوري جورج كينان، مهندس عقيدة الاحتواء الأمريكية خلال الحرب الباردة، في خطاب عن حياته وعصره: “قبل كل شيء، بنموذجها وليس بالمبادئ، تمارس دولة، مثل بلدنا، نفوذها الأكثر فائدة خارج حدودها.»
من خلال ردّ البلاد على فيروس كورونا، وهي أزمة لا تشبه أي أزمة أخرى واجهتها منذ أكثر من قرن، فإن أمريكا بصدد وضع نموذج سيء للغاية، وبالتالي، ترى تأثيرها في الخارج يتراجع إلى أدني مستوياته تاريخياً –إلى درجة لعلنا نشهد لحظة تنتزع فيها القوة الجيوسياسية من الولايات المتحدة وحلفائها.
دولة لم يعد لديها ما تقدمه
إن انهيـــار النفـــوذ الأمريكي يعــود لمجموعــــة من الأســـباب -انهيــــار الكتـــل (التي كــــان يمكن توظيفهـــا خـــلال الحرب الباردة)، وظهــــور الجماعات الإرهابية والميليشـــيات الطائفية (استحالة قمعهـــــا بالوســـائل العســـكرية التقليدية)، وطفرة الاستثمار الصيني والضغط في آسيا وخارجها.
وقد تم تسريع كل هذه الاتجاهات عمدًا، في بعض الأحيان، من قبل الرئيس دونالد ترامب، الذي ينتقد حلفاءه التقليديين عندما لا يزدريهم ويطردهم بالمرة، ويقترب بسعادة من الأنظمة السلطوية، ويتأرجح بين الخضوع والحروب التجارية المدمرة ذاتيًا في علاقاته بالصين.
ومع ذلك، إلى وقت قريب، كانت ثورة ترامب ضد سياسات أسلافه، لا تشدّد الا على الاحترام والقوة اللذين تتمتع بهما أمريكا.
وإذا كان الكثير من الحلفاء يشعرون بالذعر من موقفه، فلأنّ رغبتهم شديدة في عودة الزعامة الأمريكية -وإذا ابتهج العديد من الخصوم، فلأنّ هذه الفجوة سمحت لهم بإجراء اختراقات جديدة في مجال النفوذ العالمي.
لكن اليوم، قاد ترامب البلاد إلى حافة عدم جدواها -لم يدفعها إلى هناك بالكامل بعد، لكن الولايات المتحدة تترنح وهي على حافة هاوية. إذا أرادت الزعامة أو إلهام الآخرين، يجب على أي دولة أن تقدم نموذجًا –”مثال”، كما يقول كينان، لما يمكن أن تنتجه زعامتها أو قيمها أو نظامها السياسي. وفي مواجهة فيروس كورونا، تظهر أمريكا أنها في الوقت الحالي، ليس لديها إلا القليل لتقديمه، إن لم يكن لا شيء.
ترامب، سمّ سياسي
نشرت نيويورك تايمز وواشنطن بوست، روايات طويلة ومقنعة عن بطء وتيرة استجابة ترامب للوباء، متجاهلا تحذيرات العلماء وكبار المسؤولين. وإلى اليوم، حتى وهو مدرك تمامًا لخطورة الوضع، لا يملك خطة لتقليل الضرر أو إعادة تشغيل الاقتصاد.
لقد عين فريقين من المستشارين -وهو على وشك تعيين فريق ثالث -مما يؤدي فقط إلى تفاقم الخصومات الشخصية والبيروقراطية، ويستمر في تجاهل مسؤولياته كرئيس للدولة، ويترك حكام الولايات يتنافسون في سباقات ضحلة، رهانها معدات طبية نادرة جدًا مخصصة لمن يعبّر عن ولائه له أكثر.
كما تعيق علاقاته المروعة مع الحكومات الأجنبية، التعاون الدولي الذي يساعد بشكل عام على حل هذا النوع من الأزمات (رغم أن العلماء بصدد تشكيل اتحادات من جانبهم).
بل حاول شراء مختبر أبحاث ألماني كان يعمل على لقاح، مع فكرة حجز المنتوج للمشترين الأمريكيين -وهي محاولة لم تفوتها وسائل الإعلام، ويمكن أن ترتدّ سلبا إذا وجدت ألمانيا، أو دولة أخرى، اللقاح أولاً.
سُمِّيَّة ترامب، تسمّم النظام السياسي الأمريكي بأكمله. لقد تم تفريغ الإدارة من خبرائها، وغالبا ما يتم تجاهل المتخصصين القلائل المتبقين. وتمتلئ الحكومة، التي كانت تضم ذات يوم قلة من العقول المستقلة، بأناس متواضعي الموهبة، مدركين أن وظيفتهم الرئيسية هي قول نعم وبقوة في كل مرة يتحدث فيها الرئيس.
لقد كان للكونغرس لحظة رائعة عندما، دون مساعدة ترامب، صاغ وصوّت بالإجماع تقريباً على حزمة مساعدات بقيمة 2 تريليون دولار. الا ان الخدمات الإدارية، البالية والمحرومة من قيادة، بطيئة في اسنادها. ويبقى أن نرى ما إذا كان الكونغرس، الذي منذ ذاك التصويت انغلق على نفسه ولازم الصمت، سيضاعف الحصة في غضون بضعة أشهر، بمجرد أن تصبح الحسابات المصرفية فارغة مجددا.
تريد الصين تأكيد سلطتها
في الأثناء، تتصرف الصين كزعيمة. قد لا تستحق هذه المكانة؛ فالفيروس قام على أرضها، وخنق قادة الحزب الشيوعي الإنذارات الأولى حول انتشاره، ومنذئذ، لم يتوقفوا عن تزوير البيانات. ومع ذلك، من الصين يأتي جزء كبير من الأدوية والمعدات الصحية في العالم، ويهتم مسؤولو الحزب باستعراض البضائع المرسلة إلى بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة. وكما قال إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا في تغريدة: “لنكن صادقين، من المؤلم رؤية الصين ترسل مساعدات إنسانية إلى الولايات المتحدة وأوروبا».
في جميع أنحاء العالم، يطرح سؤال: من هي القوة العظمى الآن؟
الانطباع الأول مضلل إلى حد ما، حيث تبيّن أن معظم المعدات الطبية الصينية معيبة، لكن الصورة تظلّ قويّة: على الأقل، في نظر الكثيرين، تعمل الصين وتتحرك. ويتساءلون ما الذي تفعله أمريكا لتخفيف معاناة بقية العالم؟، وقبل ذلك، ما الذي تفعله لتخفيف معاناة شعبها؟
كل هذا يتنزّل في سياق طريق الحرير الجديد، وهي شبكة ضخمة من مشاريع البنية التحتية التي تدعمها الصين في أكثر من ستين دولة، وتؤثر على ثلثي سكان العالم، وتكلف 200 مليار دولار (بالإضافة إلى تقدير 1.200 مليار للسنوات السبع المقبلة). وبالنسبة للرئيس شي جين بينغ، إنها طريقة لإرساء أسس نظام تجاري عالمي تسيطر عليه بكين، والذي قد تلقي بظلاله على الهيمنة الغربية القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بعض البلدان التي تتلقى أموالاً بموجب هذا المشروع، استاءت من الشروط السياسية ذات الصلة، ولكن في النهاية لا بديل لها.
بإمكان آخرين فعل نفس الشيء في مجالات مختلفة. وتفضل العديد من الدول الزعامة الأمريكية، رغم ارتكابها لأخطاء في السنوات الأخيرة، ولكن إذا لم يعد هذا خيارًا وإمكانية واردة، فسيتوجّهون إلى مكان آخر -إلى مصادر أخرى للتموين والأمن، وربما إلى أشكال أخرى من الحوكمة.
في نهاية خطاب عيد ميلاده عام 1994، حذر جورج كينان من أنه “إذا لم نحافظ على جودة وحيوية ومعنويات مجتمعنا، فلن نكون مفيدين للآخرين كثيرًا”... هذا هو المصير الذي ينتظر الولايات المتحدة إذا ظل دونالد ترامب في السلطة لفترة أطول.
-- ما الذي تفعله أمريكا لتخفيف معاناة بقية العالم؟، بل ما الذي تفعله لتخفيف معاناة شعبها؟
-- في جميع أنحاء العالم، يطرح سؤال: من هي القوة العظمى الآن؟
-- يمكن أن يوقّع الوباء مذكّرة موت الهيمنة الأمريكية على بقية العالم... لمن نوجّه الشكر؟
-- لقد قاد ترامب البلاد إلى حدّ فقدان جدواها، ان الولايات المتحدة تترنّح على حافة هاوية
عام 1994، يوم عيد ميلاده التسعين، قال الدبلوماسي الأسطوري جورج كينان، مهندس عقيدة الاحتواء الأمريكية خلال الحرب الباردة، في خطاب عن حياته وعصره: “قبل كل شيء، بنموذجها وليس بالمبادئ، تمارس دولة، مثل بلدنا، نفوذها الأكثر فائدة خارج حدودها.»
من خلال ردّ البلاد على فيروس كورونا، وهي أزمة لا تشبه أي أزمة أخرى واجهتها منذ أكثر من قرن، فإن أمريكا بصدد وضع نموذج سيء للغاية، وبالتالي، ترى تأثيرها في الخارج يتراجع إلى أدني مستوياته تاريخياً –إلى درجة لعلنا نشهد لحظة تنتزع فيها القوة الجيوسياسية من الولايات المتحدة وحلفائها.
دولة لم يعد لديها ما تقدمه
إن انهيـــار النفـــوذ الأمريكي يعــود لمجموعــــة من الأســـباب -انهيــــار الكتـــل (التي كــــان يمكن توظيفهـــا خـــلال الحرب الباردة)، وظهــــور الجماعات الإرهابية والميليشـــيات الطائفية (استحالة قمعهـــــا بالوســـائل العســـكرية التقليدية)، وطفرة الاستثمار الصيني والضغط في آسيا وخارجها.
وقد تم تسريع كل هذه الاتجاهات عمدًا، في بعض الأحيان، من قبل الرئيس دونالد ترامب، الذي ينتقد حلفاءه التقليديين عندما لا يزدريهم ويطردهم بالمرة، ويقترب بسعادة من الأنظمة السلطوية، ويتأرجح بين الخضوع والحروب التجارية المدمرة ذاتيًا في علاقاته بالصين.
ومع ذلك، إلى وقت قريب، كانت ثورة ترامب ضد سياسات أسلافه، لا تشدّد الا على الاحترام والقوة اللذين تتمتع بهما أمريكا.
وإذا كان الكثير من الحلفاء يشعرون بالذعر من موقفه، فلأنّ رغبتهم شديدة في عودة الزعامة الأمريكية -وإذا ابتهج العديد من الخصوم، فلأنّ هذه الفجوة سمحت لهم بإجراء اختراقات جديدة في مجال النفوذ العالمي.
لكن اليوم، قاد ترامب البلاد إلى حافة عدم جدواها -لم يدفعها إلى هناك بالكامل بعد، لكن الولايات المتحدة تترنح وهي على حافة هاوية. إذا أرادت الزعامة أو إلهام الآخرين، يجب على أي دولة أن تقدم نموذجًا –”مثال”، كما يقول كينان، لما يمكن أن تنتجه زعامتها أو قيمها أو نظامها السياسي. وفي مواجهة فيروس كورونا، تظهر أمريكا أنها في الوقت الحالي، ليس لديها إلا القليل لتقديمه، إن لم يكن لا شيء.
ترامب، سمّ سياسي
نشرت نيويورك تايمز وواشنطن بوست، روايات طويلة ومقنعة عن بطء وتيرة استجابة ترامب للوباء، متجاهلا تحذيرات العلماء وكبار المسؤولين. وإلى اليوم، حتى وهو مدرك تمامًا لخطورة الوضع، لا يملك خطة لتقليل الضرر أو إعادة تشغيل الاقتصاد.
لقد عين فريقين من المستشارين -وهو على وشك تعيين فريق ثالث -مما يؤدي فقط إلى تفاقم الخصومات الشخصية والبيروقراطية، ويستمر في تجاهل مسؤولياته كرئيس للدولة، ويترك حكام الولايات يتنافسون في سباقات ضحلة، رهانها معدات طبية نادرة جدًا مخصصة لمن يعبّر عن ولائه له أكثر.
كما تعيق علاقاته المروعة مع الحكومات الأجنبية، التعاون الدولي الذي يساعد بشكل عام على حل هذا النوع من الأزمات (رغم أن العلماء بصدد تشكيل اتحادات من جانبهم).
بل حاول شراء مختبر أبحاث ألماني كان يعمل على لقاح، مع فكرة حجز المنتوج للمشترين الأمريكيين -وهي محاولة لم تفوتها وسائل الإعلام، ويمكن أن ترتدّ سلبا إذا وجدت ألمانيا، أو دولة أخرى، اللقاح أولاً.
سُمِّيَّة ترامب، تسمّم النظام السياسي الأمريكي بأكمله. لقد تم تفريغ الإدارة من خبرائها، وغالبا ما يتم تجاهل المتخصصين القلائل المتبقين. وتمتلئ الحكومة، التي كانت تضم ذات يوم قلة من العقول المستقلة، بأناس متواضعي الموهبة، مدركين أن وظيفتهم الرئيسية هي قول نعم وبقوة في كل مرة يتحدث فيها الرئيس.
لقد كان للكونغرس لحظة رائعة عندما، دون مساعدة ترامب، صاغ وصوّت بالإجماع تقريباً على حزمة مساعدات بقيمة 2 تريليون دولار. الا ان الخدمات الإدارية، البالية والمحرومة من قيادة، بطيئة في اسنادها. ويبقى أن نرى ما إذا كان الكونغرس، الذي منذ ذاك التصويت انغلق على نفسه ولازم الصمت، سيضاعف الحصة في غضون بضعة أشهر، بمجرد أن تصبح الحسابات المصرفية فارغة مجددا.
تريد الصين تأكيد سلطتها
في الأثناء، تتصرف الصين كزعيمة. قد لا تستحق هذه المكانة؛ فالفيروس قام على أرضها، وخنق قادة الحزب الشيوعي الإنذارات الأولى حول انتشاره، ومنذئذ، لم يتوقفوا عن تزوير البيانات. ومع ذلك، من الصين يأتي جزء كبير من الأدوية والمعدات الصحية في العالم، ويهتم مسؤولو الحزب باستعراض البضائع المرسلة إلى بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة. وكما قال إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا في تغريدة: “لنكن صادقين، من المؤلم رؤية الصين ترسل مساعدات إنسانية إلى الولايات المتحدة وأوروبا».
في جميع أنحاء العالم، يطرح سؤال: من هي القوة العظمى الآن؟
الانطباع الأول مضلل إلى حد ما، حيث تبيّن أن معظم المعدات الطبية الصينية معيبة، لكن الصورة تظلّ قويّة: على الأقل، في نظر الكثيرين، تعمل الصين وتتحرك. ويتساءلون ما الذي تفعله أمريكا لتخفيف معاناة بقية العالم؟، وقبل ذلك، ما الذي تفعله لتخفيف معاناة شعبها؟
كل هذا يتنزّل في سياق طريق الحرير الجديد، وهي شبكة ضخمة من مشاريع البنية التحتية التي تدعمها الصين في أكثر من ستين دولة، وتؤثر على ثلثي سكان العالم، وتكلف 200 مليار دولار (بالإضافة إلى تقدير 1.200 مليار للسنوات السبع المقبلة). وبالنسبة للرئيس شي جين بينغ، إنها طريقة لإرساء أسس نظام تجاري عالمي تسيطر عليه بكين، والذي قد تلقي بظلاله على الهيمنة الغربية القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بعض البلدان التي تتلقى أموالاً بموجب هذا المشروع، استاءت من الشروط السياسية ذات الصلة، ولكن في النهاية لا بديل لها.
بإمكان آخرين فعل نفس الشيء في مجالات مختلفة. وتفضل العديد من الدول الزعامة الأمريكية، رغم ارتكابها لأخطاء في السنوات الأخيرة، ولكن إذا لم يعد هذا خيارًا وإمكانية واردة، فسيتوجّهون إلى مكان آخر -إلى مصادر أخرى للتموين والأمن، وربما إلى أشكال أخرى من الحوكمة.
في نهاية خطاب عيد ميلاده عام 1994، حذر جورج كينان من أنه “إذا لم نحافظ على جودة وحيوية ومعنويات مجتمعنا، فلن نكون مفيدين للآخرين كثيرًا”... هذا هو المصير الذي ينتظر الولايات المتحدة إذا ظل دونالد ترامب في السلطة لفترة أطول.