إذا أرادت إدارته إبرام صفقة فإن بروكسل مستعدة للاستماع
ترامب يدفع أوروبا والصين إلى الاتحاد لمواجهة أمريكا
على مدى الأشهر الأخيرة، تدخلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأوروبية، وهددت بالاستيلاء على غرينلاند، وفرضت رسوماً جمركية ساحقة على الاتحاد الأوروبي. والآن، تريد التحدث مع أوروبا من أجل احتواء الصين.
وكتب نوح باركين في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن تلك هي الرسالة التي بعث بها الأسبوع الماضي وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت، الذي قال إن الإدارة الأمريكية ستتحول الآن لإبرام اتفاقات تجارية مع حلفائها، ومن ثم «تتجه إلى التعامل مع الصين كمجموعة». وتلاه أورين كاس الصوت الرائد في اليمين الشعبوي الأمريكي، بكتابة مقال رأي في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في عطلة نهاية الأسبوع، حض فيه أوروبا على الانضمام إلى كتلة تجارية تقودها الولايات المتحدة، وتستثني الصين منها.
وأوروبا معذورة على هذه المشاعر المشوشة. ومنذ أشهر، حاول المسؤولون الأوروبيون الذين كانوا يسعون إلى تفادي التعريفات الجمركية الأمريكية، التحدث مع إدارة ترامب حول عمل مشترك ضد الصين، لكنهم لم يجدوا تجاوباً مطلقاً. وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي سبق له أن اجتمع مع أعضاء في حكومة ترامب في الأشهر الأخيرة إن «فريق ترامب لم يظهر اهتماماً البتة في التحدث معنا حول الصين».
مماطلة أمريكية
وبينما كانت الولايات المتحدة تُماطل الاتحاد الأوروبي في شأن الصين، كان ترامب يرسل إشارات تصالحية متتالية إلى بكين. إذ دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه، وأرسل حلفاء إلى بكين للضغط من أجل عقد قمة مع شي، ودعم الجهود المبذولة لتجنب حظر تيك توك. حتى وقت قريب، كان أحد أكبر المخاوف في بروكسل هو أن يبرم ترامب صفقة مع شي تهمل أوروبا، كما فعل في ولايته الأولى مع «المرحلة الأولى» من اتفاق التجارة المشؤوم.
اليوم، يبدو الانفراج بين واشنطن وبكين مستبعداً، إن لم يكن مستحيلاً. وتدهورت العلاقات بشكل حاد منذ أن فرض ترامب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 34 في المائة على الصين في أوائل أبريل، مما أثار رداً مماثلاً من بكين وتدهوراً ديبلوماسياً حاداً. وتبلغ الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين الآن 145 في المائة، بينما تبلغ الرسوم التي تفرضها بكين على الولايات المتحدة 125 في المائة.
جهود مشتركة ضد الصين
وعلى هذه الخلفية، شرعت إدارة ترامب في الحديث عن جهود مشتركة مع الحلفاء ضد الصين. هل كان هذا هو الهدف منذ البداية. إذا ما كان كذلك، فإن الإدارة الأمريكية كانت تطلق النار على قدميها. وعوض خلق القاعدة لعمل مشترك في مواجهة الصين، أمضى ترامب وفريقه أشهراً في دفع أوروبا إلى أحضان الصين.
مع إجراءات يتخذها الاتحاد الأوروبي لمواجهة الفوضى التي أحدثها ترامب، والغضب الذي يتملك بكين بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية، تتضح معالم اتفاق محتمل بين الاتحاد الأوروبي والصين. ستوافق أوروبا على إبقاء سوقها مفتوحاً أمام السلع الصينية، مع إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضتها على السيارات الكهربائية الصينية العام الماضي. وفي المقابل، ستوافق الصين على تقييد صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، وزيادة استثماراتها فيه، وسحب الدعاوى التجارية ضد واردات البراندي ولحم الخنزير ومنتجات الألبان من الاتحاد الأوروبي، والتي رفعتها العام الماضي رداً على رسوم الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية.
عقبات كبيرة
ولا تزال العقبات أمام مثل هذا الاتفاق كبيرة. ولا يزال المسؤولون في بروكسل متشككين في استعداد بكين لتقديم التنازلات اللازمة لمثل هذا الاتفاق. وقليلون منهم يثق بقدرة الصين على الوفاء بتعهداتها بعد سنوات من الوعود المنقوصة. ومع ذلك، قد يتفق الاتحاد الأوروبي والصين على هدنة تجارية في يوليو -تموز، حيث من المتوقع أن يعقد الجانبان قمة في بكين.
صفقة مع أوروبا
إذا أرادت إدارة ترامب حقاً إبرام صفقة مع أوروبا في شأن الصين، فستجد أن بروكسل مستعدة للاستماع. وقد تدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى مستويات غير مسبوقة خلال العام الماضي، مع تزايد المخاوف في شأن فائض الطاقة الإنتاجية الصينية ودعمها لحرب روسيا في أوكرانيا. وقد رفع الاتحاد الأوروبي عدداً قياسياً من القضايا التجارية ضد الصين في عام 2024، وهو يستخدم أدوات جديدة بشكل مكثف لمعالجة التشوهات الناجمة عن الدعم الصيني وممارسات الشراء التمييزية.
وينبغي على إدارة ترامب أن تقدم لأوروبا عرضاً لا يمكن رفضه. يمكن البيت الأبيض أن يعرض خفض التعريفات الجمركية عبر الأطلسي إلى الصفر - وهي فكرة طرحتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين - مقابل زيادة التعريفات الجمركية الأوروبية على الصين. إذا كان البديل لمثل هذه الصفقة هو بقاء التعريفات الجمركية الأمريكية الكبيرة على أوروبا سارية، فأعتقد أن المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والصناعة الأوروبية ستنظر في الأمر بجدية.
يجب على ترامب أن يرسل إشارة بأنه جدي في شأن التوصل إلى اتفاق من خلال الاجتماع مع فون دير لاين، مهندسة استراتيجية الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة بإزاء الصين. وقد رفض الرئيس الأمريكي التحدث معها منذ عودته إلى البيت الأبيض، وفقاً لمسؤولين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويمكن لاتفاق عبر ضفتي الأطلسي أن ينجح فقط إذا خفف ترامب حملاته على أوروبا. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الاتفاق الذي يمكن أن يظهر هو ذاك بين الاتحاد الأوروبي والصين، وليس الاتفاق الذي يتمناه فريق ترامب.