إدارة بايدن تتعامل مع بكين بشكل مختلف عن ترامب

تهدئة الأوضاع ومنع تدهور العلاقات...ما أبعاد زيارة وزيرة الخزانة

تهدئة الأوضاع ومنع تدهور العلاقات...ما أبعاد زيارة وزيرة الخزانة

تحمل زيارة وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى الصين، بين السادس وحتى التاسع من الشهر الجاري، العديد من الدلالات، لا سيما أنها تأتي بعد سلسلة من اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين أميركيين مع نظرائهم في الصين خلال الأشهر الأخيرة، وبعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى بكين الشهر الماضي.
ومن المقرر أن يتخلل الزيارة البحث في إدارة “مسؤولة” للعلاقات بين القوتين المتنافستين، ومجموعة القضايا الاقتصادية بين البلدين.
توالي اللقاءات الأميركية الصينية على ذلك النحو، بمثابة خطوة اعتبرها محللون ضمن مساعي “التهدئة التكتيكية بين البلدين” ومحاولات وضع معايير للمنافسة بينهما.
وخلال زيارتها إلى الصين، تبحث يلين - والتي تعد ثاني مسؤول أميركي، على مستوى مجلس الوزراء يسافر إلى الصين في غضون شهر- مع أعضاء من الحكومة الصينية - أهمية أن “يدير البلدان علاقاتهما بطريقة مسؤولة، بوصفهما الاقتصادين الرائدين في العالم”، بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة الأميركية.
 
تقليص التوتر
وبحسب الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، فإن توالي الزيارات بين مسؤولي البلدين خاصة زيارة أنتوني بلينكن الأخيرة ووزيرة الخزانة الأميركية إلى الصين “يعكس رغبتهما في عدم تحويل التنافس بينهما إلى صراع”، مستبعداً في الوقت نفسه تحسن رؤية كل طرف تجاه الآخر على وقع تلك اللقاءات، وهو ما يستدل عليه بالإشارة إلى أنه “فيما كان بلينكن عائداً إلى واشنطن عقب زيارته بكين، كان الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات له يصف الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه ديكتاتور!».
وخلال الفترة الماضية بدا أن العلاقات بين بكين وواشنطن تتجه نحو التحسن التكتيكي، وهو ما عكسته الزيارات واللقاءات المتبادلة بين أطراف مختلفة بالبلدين، من بين أبرز تلك الزيارات:
 
زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الصين، الشهر الماضي.
لقاء مسؤولين في الخارجية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، مع نظرائهما في بكين، الشهر الماضي.
محادثات أجراها مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، لمدة يومين في فيينا مع كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين.
رحلة غلب عليها الطابع السري، قام بها مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بيل بيرنز، إلى الصين، في مايو الماضي.
محادثات أجريت بين وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو والممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي، على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ديترويت في مايو الماضي.
 
ويشير خبير العلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن وجود وزيرة الخزانة الأميركية بالصين يشكل دليلاً على قدرة البلدين على التواصل، وأن الهدف من الزيارة إزالة أي قناعة خاطئة لدى الطرف الآخر، وأن البلدين يمكن أن يعملا في المساحات المشتركة.
ويصف الزيارة بأنها “زيارة البحث عن مساحة مشتركة وتقليل التوتر وتبريد الصراع الذي لم يتوقف، إضافة إلى وضع إطار عام ومعايير واضحة ومعروفة بين الطرفين للمنافسة، بما فيها المنافسة التكنولوجية».
 
سندات 
الخزانة الأميركية
ويُتوقع أن يتم التباحث حول “سندات الخزانة الأميركية” بهدف إقناع بكين بالتوقف عن تقليص حيازاتها من تلك السندات، وبما يسهم في مساعدة الولايات المتحدة على معالجة قضية التضخم.
ويلفت سمير إلى أن تقليص الصين لحيازتها من سندات الخزانة الأميركية قد يؤدي لمشكلة بالنسبة لتوافر الأموال رغم رفع سقف الديون، إضافة إلى أن حسم الصين إرجاء بيع السندات أو الديون الصينية المستحقة على أميركا حتى لا يكون هناك ضغط على الميزانية الأميركية وعلى الدولار.
وبحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية، فإن “استثمارات الصين، التي تأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأميركية، بلغت في يناير الماضي نحو 859.4 مليار دولار، وذلك مقارنة بـ 1299.9 مليار دولار في يناير من عام 2022».
ويذكر خبير العلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة من خلال تلك الزيارة ترغب في أن تبعث برسالة بأنها لا تريد أن تضر الاقتصاد الصيني أو تحبط نموه من خلال الاتفاقيات التي عقدتهــــــا واشـــــــنطن حول الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات مع كوريا الجنوبية واليابان أو حتى فيتنــــــام والفلبين، لتقول للصين إنها تهتم بالنمو الصيني الذي يمثل جزءاً رئيسياً في معادلة الاقتصاد العالمي.
وكان أنتوني بلينكن، قد عبر عن ذلك الأمر خلال زيارته إلى الصين الشهر الماضي، ضمن مجموعة الرسائل التي أطلقها هناك.
ويشير سمير إلى أن الولايات المتحدة حريصة أن تبقي الصين خلفها في الاقتصاد، فأوقفت بيع بعض التكنولوجيا المتقدمة لها في الفترة الماضية، وفي الشهرين الماضيين اتخذ الكونغرس الأميركي أكثر من قرار أدى في نهاية المطاف إلى حجب أو منع وصول التكنولوجيا فائقة التقدم إلى الجانب الصيني، بينما وزيرة الخزانة الأميركية تريد أن توضح للجانب الصيني أن هذه الخطوة ليس الهدف منها الإضرار بالصين.
ويرى خبيـــــــر العلاقــات الدولية، أن الحـرب التجارية بين البلدين لن تتوقف وبالأخـــــص في قطاعات معينة مثل أشباه الموصلات والملكية الفكرية وقضايــــــا التجســــس على التجارة والشركات العظمى والشركات الصناعية بين البلدين، مشدداً على ضـــــــرورة تنظيم هذه الحرب والمنافسة وألا تنزلق لأبعاد أخرى تضر بالاقتصاد الصيني والأميركي والعالمي.
وفي وقتٍ يتصاعد فيه خطاب “فك الارتباط بين البلدين” داخل الأوساط الأميركية، يلفت سمير في الوقت نفسه إلى أن الولايات المتحدة تستهدف ضبط الميزان التجاري بينها وبين الصين.
 
تهدئة الأوضاع 
ومنع تدهور العلاقات
فيما يوضح الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن زيارة وزيرة الخزانة الأميركية إلى الصين تأتي في إطار محاولة الجانبين لتهدئة الأوضاع والسيطرة على حجم الخلافات بينهما في ظل التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، والتي كان آخرها إعلان وزارة الدفاع الصينية، الأربعاء، أن تايوان تتحول إلى مخزن بارود بسبب إمدادات الأسلحة الأميركية لها.
 
ويضيف: “بالإضافة إلى الخلافات في المصالح الاستراتيجية بين البلدين، فإن هناك تنافساً وصراعاً في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهي إحدى أهم البؤر الساخنة في إقليم جنوب شرقي آسيا، لكونها منطقة صراع حول بسط النفوذ بين القوتين.. إضافة إلى الصراع في مجال التكنولوجيا والتجارة، فضلاً عن مواقف متباينة للبلدين في عديد من القضايا الدولية، أبرزها الأزمة الروسية الأوكرانية».
أما بالنسبة للملفات الاقتصادية، فيلفت الخبير في الشؤون الصينية، إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقترب من التريليون دولار، وبالتالي هناك مصالح تجارية واقتصادية ضخمة بينهما، ما يجعلهما يحرصان على عدم تدهور العلاقات الاقتصادية على خلفية الصراعات السياسية والجيوستراتيجية.
 
ويثمن الخبير في الشؤون الصينية زيارة المسؤولة الأميركية عن ملف التجارة والمالية إلى الصين، واصفاً تلك الزيــــــــارة بـ “المهمــــــــة للغاية”؛ خاصة أن الصين هي أكبر حائز للســـــــــندات الأميركية..
 كما أن هناك عديداً من الشــــــركات الأميركيــــــة التي تعمل في الصين، وكذلك هناك حجم هائل من الصادرات الصينية للولايات المتحدة الأميركية.
 
ويتوقــــــــع أن تسعى جانيت يلين خلـــال زيارتها إلى الصين للحفاظ على حد أدنى من التفاهم فيما يتعلق بملفات التجارة والاستثمار والملفات المالية بين البلدين، فربما ســــــــيحرص الجانبان على أن تكون هذه العلاقــــــــات غير متلامسة بشكل كبير مع الخلافـــــــات في الملفــــــات الأخرىـ، مستبعداً أن يكون هناك تحسن بالمستقبل في العلاقات على المستوى السياسي، على العكس فيمــــــــا يخص العلاقات الاقتصاديـــــــــة، فإنهما يسعيان إلى منــــــــع تدهور العلاقات لنقطـــــــة أبعد مما هي عليه.
ويلفت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتعامل مع الصين بشكل مختلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب، ذلك أن الأخير شهدت فترة إدارته فرض عديد من العقوبات على الصين فيما يتعلق بالصادرات الصينية، وكانت الصين ترد أحياناً بإجراءات مماثلة، بينما في إدارة بايدن لم يتصاعد الملف الاقتصادي بالحدة نفسها .