موسكو تدرك أن الحل العسكري لا يضمن منع محاولات التقسيم
توجه عربي أوروبي لمواجهة طموحات أردوغان العثمانية في لييبا
أرست الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا أملاً كبيراً على المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية وإنهاء الصراع الذي دخل مرحلة خطيرة بعد تدخل تركيا عسكرياً بطلب من حكومة “الوفاق” التي وضعت استقرار ليبيا على المحك.
ووفقاً لصحف عربية صادرة أمس الأربعاء، تتزايد الضغوط الأوروبية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعودة إلى محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة، فيما تثار مخاوف من تبدلات في الموقف الروسي تجاه ليبيا بعد أنباء عن صفقة تحت الطاولة بين الطرفين، تضع إدلب السورية مقابل ليبيا.
ضغط أوروبي
أكدت صحيفة “الشرق الأوسط”، أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي أردوغان بحثا الوضع في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط. وأكد متحدث باسم ميركل أنه تم الاتفاق على العمل من أجل تعزيز عملية السلام، التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول لحل سياسي في ليبيا.
وأعلنت ميركل تأييدها لإعلان القاهرة، الذي تضمن مبادرة مصرية للحل السياسي في ليبيا، رفضته تركيا التي تسعى إلى التأثير في مواقف الدول الغربية المؤيدة له.
ويجري وزير الخارجية الإيطالي زيارة إلى تركيا اليوم لبحث التدخلات التركية في ليبيا وعملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وتشير التقارير إلى أن تركيا تسعى إلى ضمان موقف مؤيد لحكومة السراج من إيطاليا، التي تتولى قيادة العملية الأوروبية (إيريني) في البحر المتوسط لمراقبة إرسال الأسلحة إلى ليبيا. علماً بأن روما تتبنى موقفاً متأرجحاً من الأزمة في ليبيا.
صفقة تحت الطاولة
قالت صحيفة “البيان” الإماراتية، إن التطورات الأخيرة في ليبيا فجرت تساؤلات حول تبدلات قد تكون أصابت الموقف الروسي من الأحداث في هذا البلد، رأى البعض أنها قد تكون نتيجة لصفقة تحت الطاولة بين الطرفين، تضع إدلب السورية مقابل ليبيا. بيد أن التطورات الأخيرة في الشمال السوري لا تنفي فقط هذا الفرضية، بل تشير بشكل مباشر إلى أن هامش التباين عاد ليتسع بين موسكو وأنقرة.
ويعتبر المحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط، سيرغي بيرسانوف، أن مسارعة موسكو لإعلان تأييدها لـ”إعلان القاهرة”، يعكس الموقف الحقيقي للقيادة الروسية بحتمية الحل السياسي.
ويضيف أن موسكو تدرك أن الحل العسكري، في كل الأحوال، لا يضمن بأي شكل من الأشكال، منع محاولات تقسيم ليبيا، بحكم الانقسام العمودي والأفقي فيها، وما يعززها من مطامع تركية، تمثلت بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، ولقيت معارضة إقليمية ودولية، وتسببت بزج ليبيا في صراعات خارجية تضر بمصالحها، فضلاً عن النوايا المعلنة لأنقرة بإقامة قواعد عسكرية في مصراتة والوطية.
كما أن روسيا - برأيه - لا تستطيع استنساخ التجربة السورية في جانبها العسكري، بحكم التباينات الكبيرة مع الخصوصية الليبية، ففي سوريا سلطة مركزية وحكومة وجيش موحد، في حين تعاني ليبيا من ازدواجية السلطة، فهناك حكومة معترف بها دولياً، ولكن لا تحظى بالشرعية، ولا تؤمن بالحل السياسي، مقابل البرلمان الذي يحظى بشرعية كونه منتخباً، ويحظى بدعم الجيش، ما يعطي الحل السياسي أولولية بالنسبة للكرملين.
ويشدد على أن تركيا، التي تعاني من مشاكل اقتصادية، لا “تخجل”، ليس فقط من استعمال القوة الناعمة، بل والخشنة، لتبديل الأوضاع في المنطقة العربية.
الغلمان الأتراك
يؤكد الكاتب الصحافي رشيد الخيون في مقال له بصحيفة “الاتحاد”، أنه “على الرغم مِن الفرص، التي حصل عليها الساسة الترك، عبر التاريخ، لكنهم ظلوا يتعاملون بمنطق الغزاة، والمدمرين لا البنائين، فحكم سلاطين آل عثمان استمر أكثر مِن 500 عام، لكنهم استمروا يتصرفون، كما كانوا في البداية، لم يستفيدوا مِن الثورة التكنولوجية والعلمية، والتغيرات التي اجتاحت العالم في القرون الأخيرة، ظلوا يحمون إمبراطوريتهم بأسلوب السخرة، وجمع الخراج، بلا مقابل لتلك الشعوب».
ويضيف “تذكرنا تصرفات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مِن ارتداء ثوب التَاريخ العثماني، بل وتاريخ ما قبلهم، من أول ظهورهم كمؤثرين في الدول، زمن إغراق الجيش العباسي بهم في عهد المعتصم بالله (ت227 هجرية)، وبسبب كثرتهم ببغداد، اضطر المعتصم إلى نقل الخلافة إلى سامراء(221 هجرية)، ظل التَّأثير حتى نهاية السلاجقة، في العهد المتأخر من الدولة العباسية؛ أي عهد الناصر بالله (ت 622هجرية)، الذي انتهت فيه الازدواجية كلية بين السلطنة والخلافة، والتي بدأت واضحة منذ هيمنة الغلمان الأتراك، ونموذجها الخطير “وصيف” (قُتل 253 هجرية) و”بُغا” (قُتل 254 هجرية) و”بجكم” وغيرهم. مازال الربط شائعاً عن تأثير الخؤولة على الخلفاء، فالمأمون اعتمد على الفرس، لكن أمه كانت أم ولد “مراجل” رومية، والمعتصم أمه أم ولد “ماردة” مولدة كوفية (ابن حزم، رسالة في أمهات الخلفاء)، والمقصود بأمهات الأولاد أنهن الجواري المحظيات، أما المتوكل (قُتل 247 هجرية)، فأمه “شجاع” أم ولد، كانت تركية، لكن تقريبه للغلمان الأتراك أخذه عن والده المعتصم».
تحالف عربي أوروبي
أكدت صحيفة “العرب” اللندنية، أن أوروبا باتت أكثر ميلاً للتحالف مع الدول العربية التي بات أغلبها يعمل جاهداً على وقف التدخل العسكري التركي في سوريا وليبيا. وصارت تنظر دول مثل إيطاليا وفرنسا إلى تحركات مصر على أنها ضرورة مهمة لإعطاء مشروعية عربية للتحالف ضد تركيا.
وأوضح بيان أصدره الشهر الماضي وزراء خارجية فرنسا واليونان وقبرص والإمارات ومصر مخاوفهم من التحركات التركية غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية، وهو ما يشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
لكن الأهم في البيان هو التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لتعزيز المشاورات السياسية بين الدول الخمس وتكثيفها. وأشاد الوزراء بنتائج اجتماع القاهرة في الثامن من يناير (كانون الثاني) الماضي لتعزيز الأمن والاستقرار في شرقي المتوسط، في خطوة قد تكون فاتحة لتنسيق أكبر يمر من المبادرات التلقائية المرتبطة بالأحداث إلى تنسيق دائم عبر هياكــــــل قـــــــــارة ســــــــواء بيـن الاتحاد الأوروبي والجامعــة العربية، أو من خلـــــــال هيكل مشــــــترك يتـــم إنشـــــاؤه بالاتفــــــــاق بين الشركاء.
وقالت الصحيفة، هناك أوراقاً مهمة لتشجيع أوروبا على تسريع هذا التحالف معهما، فقد عملتا على تطويق نفوذ الإسلام السياسي في أماكن مختلف بينها مصر والسودان، ونجحتا من خلال التدخل باليمن في حماية الملاحة في البحر الأحمر، فضلاً عن شراكة متطورة مع دول القرن الأفريقي لضمان حماية أكثر أمناً.
وتضيف، “ساهمت الرياض في دفع تركيا إلى خسارة إطلالتها على البحر الأحمر من خلال جزيرة سواكن من خلال الدعم المقدم للحكومة الانتقالية في السودان التي جاءت على أنقاض نظام عمر البشير المدعوم تركياً وقطرياً».