ماذا ينتظر العالم من مؤتمر المناخ في بيليم – البرازيل‎ (COP30) ‎؟

جريدة الفجر بالتعاون مع شبكة بيئة أبوظبي تحاور خبراء البيئة العرب (02)‏


بينما تستضيف مدينة بيليم البرازيلية، بوابة الأمازون، مؤتمر مفاوضات الأمم المتحدة حول التغير المناخي ‏‎(COP30) ‎‏ خلال الفترة 10 – 22 نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم نحو هذا الحدث التاريخي الذي يُنتظر أن يحدّد ‏ملامح العقد القادم من العمل المناخي‎.‎
شبكة بيئة أبوظبي بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، تطرح مجموعة من الأسئلة المحورية على نخبة من خبراء ‏البيئة والتغير المناخي بالمنطقة العربية.‏
فبعد مرور عشر سنوات على اتفاق باريس، تبدو الحاجة مُلحّة إلى قرارات أكثر جرأة، وتمويل أكثر إنصافًا، ‏والتزامات أكثر واقعية تجاه الطبيعة والإنسان. وفي ظل تصاعد التحديات المناخية - من حرائق الغابات إلى ‏موجات الجفاف، ومن انحسار التنوع الحيوي إلى تفاقم الفجوة التمويلية - يبرز السؤال‎: ‎ماذا ينتظر العالم من ‏مؤتمر بيليم؟
انطلاقًا من دورها في تعزيز الحوار العلمي والمجتمعي حول قضايا المناخ والاستدامة، توجه شبكة بيئة أبوظبي ‏بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، مجموعة من الأسئلة إلى نخبة من خبراء البيئة والتغير المناخي في المنطقة ‏العربية، لاستشراف توقعاتهم من هذا المؤتمر، ورؤيتهم لمستقبل العمل المناخي بعد بيليم‎.‎

الدكتور طارق حسان: العمل المناخي العادل يبدأ من تمكين الإنسان والبيئة معًا.‏
خبير في البيئة والتغيرات المناخية، جمهورية اليمن‎ ‎

أبرز الرهانات العالمية المطروحة أمام مؤتمر ‏COP30‎، وهل يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل بعد مرور عقد على اتفاق ‏باريس؟
يقول الدكتور طارق حسان خبير البيئة والتغيرات المناخية بأن مؤتمر ‏COP30‎‏ يُعد لحظة حاسمة لأنه يمثل "جردًا ‏عالميًا" ثانيًا، حيث يتعين على الدول تقديم جيل جديد من المساهمات المحددة وطنيًا (‏NDCs‏) التي تحدد مساراتها ‏المناخية حتى عام 2035. الرهان الأبرز هو سد "فجوة الطموح" و"فجوة التنفيذ"؛ فالتعهدات الحالية لا تزال تقود ‏العالم نحو ارتفاع حراري يتجاوز بكثير هدف 1.5 درجة مئوية. 
كما يمثل المؤتمر اختبارًا حقيقيًا للتوصل إلى اتفاق ‏بشأن الهدف الجماعي الجديد للتمويل المناخي (‏NCQG‏)، والذي يجب أن يتجاوز الـ 100 مليار دولار سنويًا. نعم، ‏يمتلك ‏COP30‎‏ إمكانية أن يكون نقطة تحول حاسمة بعد عقد من اتفاق باريس، فهو الفرصة الأخيرة لـ "إعادة إحياء" ‏العمل المناخي من خلال رفع الطموح الوطني، وتحديد خريطة طريق واضحة للتمويل، والانتقال من مرحلة الوعود إلى ‏مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض.‏
كيف يمكن لموقع المؤتمر في غابات الأمازون أن يُترجم إلى التزامات واقعية لحماية الغابات والتنوع البيولوجي؟
إن استضافة ‏COP30‎‏ في مدينة بيليم، عند مدخل غابات الأمازون المطيرة، تضع حماية الطبيعة في صدارة الأجندة ‏العالمية. يمكن ترجمة هذا الموقع إلى التزامات واقعية عبر آليات مالية جديدة، أبرزها المقترح البرازيلي لإنشاء صندوق ‏‏"مرافق الغابات الاستوائية الدائمة" (‏TFFF‏)، الذي يهدف إلى توفير تمويل مستدام وطويل الأمد للدول التي تحمي ‏غاباتها. الأهم من ذلك، يجب أن يترجم الموقع إلى التزام دولي بتمكين الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية التي تعيش ‏في الغابات، والاعتراف بحقوقها كـ "حراس للغابات"، بالإضافة إلى تبني خطة عمل عالمية واضحة لوقف إزالة الغابات ‏بحلول عام 2030، ودمج أهداف حماية التنوع البيولوجي ضمن المساهمات الوطنية الجديدة.‏
ما الذي يُنتظر من الدول النامية، خصوصًا في المنطقة العربية، لتعزيز مساهماتها الوطنية في العمل المناخي؟
يُنتظر من الدول النامية، بما فيها الدول العربية، أن تلعب دورًا مزدوجًا في ‏COP30‎‏: المطالبة بالعدالة المناخية ورفع ‏مستوى الطموح الوطني. على هذه الدول تحديث مساهماتها الوطنية لتشمل أهدافًا أكثر طموحًا لخفض الانبعاثات، ‏خاصة عبر التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. كما يجب أن تركز المساهمات الوطنية بشكل ‏كبير على التكيف والصمود، نظرًا لكون المنطقة العربية من أكثر المناطق تضررًا من ندرة المياه وارتفاع درجات ‏الحرارة، عبر مشاريع لإدارة الموارد المائية والزراعة الذكية مناخيًا. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوحد هذه الدول ‏للمطالبة بزيادة تمويل التكيف وضمان أن يكون التمويل الجديد متاحًا وميسرًا ويوجه بشكل مباشر للمجتمعات ‏الأكثر ضعفًا.‏
الأستاذة إخلاص نمر: العدالة المناخية تبدأ بتمكين المرأة في الأرض، وتمويلها بالثقة، ومنحها صوتًا ‏مسموعًا في القرار.‏
خبيرة إعلامية وكاتبة متخصصة في البيئة وتغير المناخ، ناشطة حقوقية ومناخية، جمهورية السودان

إلى أي مدى يمكن أن يشكل مؤتمر بيليم فرصة لتأسيس “ميثاق عالمي للمساواة المناخية بين الجنسين” يربط ‏بين حقوق المرأة وحقوق الأرض؟

تقول السيدة إخلاص نمر خبيرة إعلامية وكاتبة متخصصة في البيئة وتغير المناخ، ناشطة حقوقية ومناخية، جمهورية ‏السودان: إنه دائماً هذه المؤتمرات تعد فرصة لتبادل المعرفة والخبرات وكسب العلاقات الجديدة المحلية والدولية، ‏إذ يصبح من الممكن وضع إطار جيد لميثاق عالمي للمساواة المناخية بين الجنسين ووضع الخطوط العريضة لكيفية ‏وصول المرأة لحقوقها المناخية أولها حقها في الأرض التي تزرعها ولا تملكها والاكثر من ذلك وصولها للموارد لتاتي أهمية ‏ذلك في بلوغها مراكز القرار ومشاركتها في صنع القرار المناخي الذي يدفع قريناتها إلى رفع أصواتهن عالية والمطالبة ‏بحماية هذه الحقوق وإدخالها ضمن المنهجية المناخية قابلة التطبيق في المجتمعات التي تعمل وتعيش فيها النساء في ‏الحقول جل يومها وهنا لابد وقبل أن ينفض أي مؤتمر عالمي بيئي من الضغط على تضمين حقوق المرأة المناخية ‏والبيئية ضمن الخطط الوطنية في أي دولة فالمرأة هي المفتاح الحقيقي للأمن الغذائي.‏
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الإعلاميات البيئيات في نقل قصص النساء المتأثرات بالمناخ من الميدان إلى قاعات ‏التفاوض؟
الإعلاميات البيئيات عن صوت النساء في المجتمعات الهشة، التي لا تستطيع فيها النساء الوصول لمراكز القرار، فمن ‏خلال سد الفجوة بين المجتمعات وصانعي القرار يلعب الإعلام الدور الأكبر إذ ستصبح حقوق النساء على طاولات ‏المركز من تقارير واخبار وقصص النجاح الواقعية عن كثب وعكس المشكلات البيئية وكوارث المناخ من جفاف ‏وفيضان.‏
تتصدر قصص النساء الأخبار اليومية ما يجعل صناع القرار تحت ضغط يومي من كم الاخبار المتدفقة التي تدفع إلى ‏إجراءات عاجلة.‏
تلعب الإعلاميات دورا في التوعية ومكافحة التغير المناخي عن طريق النشر والبث مقرونا بكيفية الصمود والمرونة فأنا ‏بجانب أني خبيرة اعلاميه انا ناشطة حقوقية ومناخية واشارك في العديد من المنظمات المحلية في السودان خاصة ‏منظمة زينب لتنمية وتطوير المرأة التي تدعم النساء المزارعات بالبذور مقاومة الجفاف، الامر الذي يجعل من تعزيز ‏التوعية وانسيابها، فسرد الواقع الذي تعيشه النساء في ظل التغير المناخي ينقله الإعلام إلى طاولات التفاوض الأمر ‏الذي يدفع إلى تمكين المرأة مناخيا.‏

الأستاذ محمد التفراوتي: الصحافة المناخية هي الجسر بين القرار العالمي والفعل المحلي
ناشط بيئي ورئيس منصة آفاق بيئية بالمغرب

‎ ‎كيف يمكن للإعلام العلمي ومنصات المعرفة البيئية أن تسهم في تحويل مخرجات المؤتمر إلى وعي مجتمعي وفعل ‏محلي؟‎ ‎
يقول الأستاذ محمد التفراوتي الناشط البيئي ورئيس منصة آفاق بيئية بالمغرب، بأن إسهام الصحافة العلمية ومنصات ‏المعرفة في تفعيل العمل المحلي  يقودنا للحديث عن الفجوة بين نتائج مؤتمرات المناخ مثل مؤتمرات الأطراف‎ (COP) ‎المعقدة، وبين الفعل الميداني للمجتمعات، يمكن سدها من خلال الصحافة العلمية ومنصات تبادل المعرفة عبر عدة ‏آليات منها أولا الترجمة والتكيف المحلي وذلك عبر المقاربة التالية:‎ ‎
أولاً: من العالمي إلى المحلي، بدل الاكتفاء بنقل المعلومة بأن “الالتزامات الحالية تقود إلى ارتفاع بمقدار 2.5 درجة ‏مئوية”، يمكن للإعلام العلمي أن يقدم رسم توضيحي او ملصق معلوماتي او عرض بصري يظهر أثر +2.5‏‎°C ‎على ‏إنتاجية المحاصيل في منطقة المغرب العربي أو على مستوى البحر في دلتا النيل مثلاً: ثم تبسيط المفاهيم عبر شرح ‏مصطلحات مثل “الخسائر والأضرار”، و“التخفيف”، و“المادة السادسة”، مع أمثلة واقعية وميدانية. وذلك لكون
المادة السادسة‎ (Article 6)" ‎هي من أكثر المواد تعقيدا وأهمية في اتفاق باريس للمناخ (2015)، لأنها تتعلق بآليات ‏التعاون الدولي والتمويل الكربوني بين الدول لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات‎.‎
هي مادة تحدد كيف يمكن للدول أن تتعاون فيما بينها لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، عبر تبادل أو تمويل أو ‏احتساب الجهود المناخية‎.‎
ثانياً: دور المنصات الرقمية لتقاسم المعرفة عبر إنشاء قواعد بيانات يسهل الوصول إليها، تتضمن حلولا محلية في ‏مجالات الزراعة المستدامة، وإدارة المياه، والطاقة المتجددة. و‎ ‎
اعتماد السرد القصصي عبر عرض قصص نجاح واقعية لمجتمعات تبنت حلولا مناخية مبتكرة.  ثم  استخدام ‏أدوات تفاعلية مثل حاسبات البصمة الكربونية المخصصة للسياق العربي (تكييف، استهلاك مياه، كهرباء...) أو ‏خرائط تفاعلية لمناطق الخطر المناخي‎.‎
ثالثاً: صحافة الحلول أي تجاوز الخطاب الكارثي، والتركيز على الحلول الممكنة. مثل تطوير النقل المستدام، ‏والمشروعات الزراعية الذكية مناخيا‎....‎
‎ ‎كيف يمكن للإعلام العلمي والمناخي العربي أن يسهم في بناء وعي جماهيري مستدام تجاه قضايا المناخ بعد مرور ‏عقد على اتفاق باريس؟
يمكن ان نحدد فترة بناء وعي مناخي مستدام عبر الإعلام العلمي العربي بعد عشر سنوات من اتفاق باريس فبعد عقد ‏من اتفاق باريس، لم يعد التحدي هو الإقناع بوجود الأزمة، بل ترسيخ فهم عميق ومستدام يقود إلى العمل‎.‎
أولاً: من الطارئ إلى الدائم  من خلال التعامل مع التغير المناخي كواقع يومي يؤثر في الاقتصاد، والصحة، والأمن ‏الغذائي، والاستقرار الاجتماعي‎. ‎
ثانياً: مقاربة ربط المناخ بالهموم المعيشية على مستوى الصحة. الربط بين تلوث الهواء الناتج عن الوقود الأحفوري ‏وأمراض الجهاز التنفسي. ثم جانب الاقتصاد بإبراز فرص العمل في مجالات الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر.  ‏هذا فضلاً عن الأمن المائي والغذائي عبر توضيح كيف يؤدي الإجهاد المائي إلى ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار‎. ‎
ثالثاً: مقاربة التعليم عبر البيانات المحلية باستخدام بيانات الأرصاد والبحوث العربية لإبراز تطور الظواهر المناخية ‏محليا (موجات الحر، نقص التساقطات...)‏‎.‎
رابعاً: توسيع دائرة المتحدثين وذلك بإشراك المهندسين، والمزارعين، والنساء، والشباب، وأصحاب المبادرات المحلية في ‏الخطاب المناخي، إلى جانب العلماء وصانعي القرار‎.‎

الأستاذة هلا صبحي مراد: العدالة المناخية لن تتحقق بالبيانات، بل بالجرأة على إعادة توزيع القوة، ‏والثروة، والمعرفة… من الغابة إلى القرية، ومن الإنسان إلى الكوكب‎.‎
خبيرة في سياسات البيئة والمناخ، المملكة الأردنية الهاشمية

كيف يمكن لموقع المؤتمر في غابات الأمازون أن يُترجم إلى التزامات واقعية لحماية الغابات والتنوع البيولوجي؟
تقول السيدة هلا صبحي مراد خبيرة في السياسات البيئية والمناخ من الأردن، بأن تنظيم كوب ثلاثين في قلب غابات ‏الأمازون يمنح المؤتمر قوة رمزية هائلة لكنه يضعه أيضا أمام امتحان عسير فالغابة ليست خلفية طبيعية للمشهد، بل ‏قضية سياسية وحقوقية تعيش يوميا بين التوسع الزراعي والتعدين وحماية اراضي الشعوب الاصلية والمجتمعات ‏المحلية التي تشكل خط الدفاع الأول عن التنوع الحيوي هذه الرمزية لن يكون لها معنى إذا لم تتحول إلى التزام واضح ‏يعيد الاعتبار لحقوق الأرض ويضع تمويلا مباشرا في يد من يعيشون داخل الغابة وحولها لا في مكاتب المؤسسات ‏الدولية
الأيام الأولى من المؤتمر في بيلم حملت اشارة عميقة على ما يجري تحت السطح فقد شهد اليوم الثالث احتجاجات ‏غاضبة تطالب بالاعتراف بالحقوق الاقليمية والبيئية ورفض دفع قضايا الشعوب الاصلية والمجتمعات الريفية الى ‏هوامش التفاوض هذه المشاهد ليست مجرد توتر عابر، بل تنبيه مبكر إلى أن تغييب أصحاب الحق يحول المطالبات ‏الحقوقية إلى موجات غضب شعبية قد تأخذ أشكالا ثورية إذا استمرت السياسات في تجاهل من يتحملون الكلفة على ‏الأرض بينما تتقدم القرارات في قاعات مغلقة.‏
المعادلة تتكرر في مناطق كثيرة من العالم وفي منطقتنا العربية تحديدا حيث يتقاطع انهيار الطبيعة مع تراجع الأمن ‏المائي والإنتاج الزراعي فالاعتماد على الزراعة التقليدية المكشوفة جعل المجتمعات الريفية في الصفوف الأمامية لآثار ‏التغير المناخي وفي الأردن تحديدا أظهرت بيانات حديثة أن ستاً وستين فاصلة أربعة بالمئة من النساء العاملات في ‏الزراعة أشرن إلى أن نقص المياه أو ندرتها أصبح التحدي الأول في عملهن وهذا مثال حي على أان حماية الطبيعة ليست ‏ترفا بيئيا بل مسار لحماية سبل العيش.‏
إذا استطاع كوب ثلاثين أن يخرج بخطة عالمية لتمويل الغابات تضمن وصول الدعم مباشرة الى الشعوب الأصلية ‏والمجتمعات المحلية وأن يحمي أراضيها من جشع الأنشطة الاستخراجية فسيتحول موقع المؤتمر في الأمازون من ‏صورة جميلة إلى خطوة عملية في سجل العدالة البيئية أما إذا اكتفى بالرمزية فسيبقى المشهد كاحتفال على حافة غابة ‏تحترق بينما أصحاب الأرض يصرخون دون أن يسمعهم أحد.‏

الأستاذ مصطفى بنرامل: حماية الغابات ليست خيارًا بيئيًا، بل مسؤولية حضارية لحماية الحياة ‏نفسها‎.‎
خبير بيئي، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بالقنيطرة، المملكة المغربية

كيف يمكن لمؤتمر بيليم، وهو المنعقد في بوابة الأمازون، أن يشكل نقطة تحول عالمية في حماية الغابات المطيرة ‏باعتبارها “رئة الأرض”؟
ويرى الأستاذ مصطفى بنرامل خبير البيئة ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بالقنيطرة، ‏المملكة المغربية بأن مؤتمر بيليم‎ (COP30) ‎المنعقد في قلب الأمازون يشكل لحظة تاريخية يمكن أن تُحدث تحولًا عالميًا ‏في مسار حماية الغابات المطيرة، التي تُعد “رئة الأرض” لما توفره من توازن مناخي حيوي وتنظيم لدورة الكربون. ‏فانعقاده في منطقة الأمازون لا يحمل رمزية جغرافية فحسب، بل يُعطي صوتًا للمجتمعات المحلية والشعوب الأصلية ‏التي عانت طويلاً من التهميش رغم كونها الحارس الحقيقي لهذه الغابات‎.‎
إنّ مؤتمر بيليم يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتبني مقاربة أكثر عدلاً وشمولاً، ترتكز على العدالة البيئية والمناخية، ‏وتُلزم الدول الصناعية بتحمل مسؤولياتها التاريخية في تمويل جهود الحفاظ على الغابات وتعويض الدول النامية عن ‏الخسائر الناجمة عن إزالة الغطاء الغابوي. كما يتيح هذا المؤتمر فرصة لإرساء آلية دولية أكثر صرامة لمراقبة ‏الانبعاثات الناتجة عن تدمير الغابات، وتحفيز الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والبدائل المستدامة لقطع الأشجار ‏والزراعة المدمرة‎.‎
ومن خلال توافق سياسي عالمي حقيقي في بيليم، يمكن للعالم أن ينتقل من مرحلة الوعود إلى مرحلة الالتزامات ‏القابلة للتنفيذ، بما يعيد الاعتبار للأمازون والغابات الاستوائية الأخرى كعنصر أساسي في إنقاذ الكوكب من الاحترار ‏والانهيار البيئي‎.‎
ينبغي للمؤتمر أن يُترجم شعارات حماية “رئة الأرض” إلى التزامات عملية وملزمة، من خلال إنشاء آلية دولية دائمة ‏لتمويل الحفاظ على الغابات، وتعزيز مشاركة الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في صنع القرار، مع ربط ‏السياسات الاقتصادية العالمية بمعايير صارمة تحظر المنتجات المرتبطة بإزالة الغابات. كما يُستحسن اعتماد “ميثاق ‏بيليم للغابات” كإطار عالمي جديد لحماية النظم الإيكولوجية وتعزيز العدالة المناخية‎.‎
يرى مصطفى بنرامل أن مستقبل المناخ لن يُنقذ بالخطابات ولا بالمؤشرات، بل بـتغيير جذري في العلاقة بين الإنسان ‏والطبيعة‎.‎‏ رسالته الجوهرية‎:‎‏ حماية الغابات ليست خيارًا بيئيًا، بل مسؤولية حضارية لحماية الحياة نفسها — ‏الإنسان هو الحارس، والغابة هي القلب‎.‎

المهندس كامل شمس الدين: الإنقاذ المناخي يبدأ بالمصالحة مع الطبيعة
خبير بيئي، مدير شركة جدارة للحلول البيئية‎ ‎

كيف يمكن دمج الحلول القائمة على الطبيعة‎ ‎في سياسات الدول لتحقيق التكيف المناخي وحماية التنوع ‏الحيوي؟
‏ويقول خبير البيئة مدير شركة جدارة للحلول البيئية بدبي بأنه مع تزايد ‏‏تغير المناخ‏‏ بسرعة وهو ما سيعرض العالم ‏لظواهر مناخية قاسية وكوارث طبيعية إضافية، لذلك هناك حاجة إلى إجراءات فورية للتخفيف من تغير المناخ ‏والتكيف معه. الحلول القائمة على الطبيعة‎ (NBS) ‎معترف بها عالميا بانها من بين أكثر الاستراتيجيات فعالية لمواجهة ‏تغير المناخ. ومنطقتنا بالذات منطقة الشرق الأوسط ‏‏وشمال إفريقيا‏‏ واحدة من أكثر المناطق تضرراً وهشاشة من تغير ‏المناخ؛ ومع ذلك لا تزال هناك معرفة محدودة حول تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية في هذا المجال. ومن ‏هنا يتوجب علينا استكشاف واعتماد مبادرات‎ NBS ‎في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتوفير نظرة عامة ‏واسعة على الوضع الحالي. وان لا تقتصر الحلول على مشاريع التشجير، بل نحدد أهداف أكثر فعالية أهمها:‏
‏1. إجراء مراجعة شاملة وفحص قاعدة البيانات لمساعدة صانعي القرار في التعرف على الاستراتيجيات المتعلقة ‏بالخدمات المصرفية الوطنية ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعالجة الندرة الملحوظة في ‏المراجعات حول الخدمات المصرفية الوطنية في هذا المجال.‏ ‏2. تصنيف استراتيجيات‎ NBS ‎المحددة بناء على أنواع النظم الإيكولوجية والتحديات المتعلقة بتغير المناخ والوضع ‏الاقتصادي لكل بلد وأنواع التدخلات
‏3. تحديد ومناقشة الثغرات الأساسية في تنفيذ استراتيجيات‎ NBS ‎في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بهدف ‏تعزيز المزيد من البحوث وتعزيز تطوير وتطبيق استراتيجيات‎ ‎تناسب الواقع
‏4. استعادة النظم البيئية المتدهورة، حماية الأراضي الرطبة، وإعادة تأهيل السواحل المتضررة‎.‎‏ هذا الدمج يتطلب ‏تحويل الحلول البيئية من “مشاريع تجميلية” إلى “استثمارات خضراء” لها مردود اقتصادي ومجتمعي، كما فعلت ‏الإمارات في برامج‎ mangrove-blue-carbon، والسعودية ضمن “السعودية الخضراء”، حيث ارتبطت حماية التنوع ‏الحيوي بالتنمية المحلية وفرص العمل‎.‎‏ وبالتالي مساعدة صانعي السياسات والحكومات في تعزيز الاستراتيجيات ‏الوطنية.‏ ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في حماية الغابات وإدارة مواردها على نحو ‏مستدام؟
لا يمكننا الحديث عن حماية الغابات او الموارد بدون الاعتراف بالدور المحوري للمجتمعات المحلية التي تعيش فيها ‏الشعوب الأصلية  لأنها تمتلك المعرفة التراكمية بالموارد واساليب الزراعة والرعي المستدامين وهذا ما أثبتته القرون ‏الماضية فاعليته لكن هذه الإسهامات الحيوية لا تحظى بالتقدير الكافي والتمويل اللازم. وتهدف حاليا الدراسة العالمية ‏الحديثة  حول مساهمات الشعوب الأصلية في العمل المناخي إلى توفير البيانات اللازمة لسد هذه الفجوة - من خلال ‏تسليط الضوء على تأثير قيادة الشعوب الأصلية والدفاع عن حقوقهم وضمان توفير الموارد اللازمة لهم والتقدير ‏الذي يستحقونه في إطار الحلول المناخية العالمية

الدكتور طارق يحيي سليمان قابيل: المناخ يبدأ من حياة الناس لا من المؤتمرات‎.‎
أستاذ جامعي متفرغ بقسم التقنية الحيوية، كلية العلوم، جامعة القاهرة. ‏

كيف يمكن للإعلام العلمي والمناخي العربي أن يسهم في بناء وعي جماهيري مستدام تجاه قضايا المناخ؟
ويقول الدكتور طارق قابيل أستاذ التقنية الحيوية بجامعة القاهرة بأن الإعلام العلمي والمناخي العربي يمكن له أن ‏يتمكن من ذلك عبر التركيز على توطين الأزمة، أي ربط التحديات المناخية، مثل ندرة المياه أو التصحر، بالواقع ‏المعيشي اليومي للمواطن العربي، بدلاً من جعلها قضية عالمية مجردة. ويجب استخدام القصص التي تغطي تطبيقات ‏الحلول المحلية المرتبطة بالأزمات المناخية‎.‎
برأيكم، هل نجح الإعلام المناخي خلال مؤتمرات المناخ السابقة في إيصال صوت الجنوب العالمي إلى صناع ‏القرار؟
بشكل عام، لم ينجح الإعلام المناخي السابق بالقدر الكافي في إيصال صوت الجنوب العالمي (‏Global South‏) إلى صناع ‏القرار، حيث غالباً ما طغت أجندة الدول الصناعية ومحور "خفض الانبعاثات" على قضايا "العدالة المناخية" ‏و"التمويل" و"الخسائر والأضرار". وفي بيليم، يجب تحويل التركيز من البيانات الإحصائية إلى قصص عن المتضررين ‏وحاجتهم الماسة للتمويل العادل.‏
ما هي الرسائل الأهم التي ينبغي أن يركز عليها الصحفيون العلميون العرب في تغطية‎ COP30 ‎؟
ينبغي للصحفيين العرب التركيز على ثلاثة محاور‎: ‎‏(أ) التمويل‎: ‎ما هي حصة المنطقة العربية من التمويل المناخي ‏العادل؟ (ب) التكيف: كيفية حماية المجتمعات والبنى التحتية العربية من الآثار القائمة (جفاف، حرارة)‏‎. ‎‏(ج) ‏الحلول القائمة على الطبيعة: تسليط الضوء على الابتكارات العربية في مجال الطاقة والزراعة‎.‎