«تريندز» و «المجلس العالمي للأئمة» يرسمان خريطة طريق فكرية لمواجهة التطرف وتعزيز السلام
ماذا ينتظر العالم من مؤتمر المناخ في بيليم – البرازيل (COP30) ؟
جريدة الفجر بالتعاون مع شبكة بيئة أبوظبي تحاور خبراء البيئة العرب (03)
بينما تستضيف مدينة بيليم البرازيلية، بوابة الأمازون، مؤتمر مفاوضات الأمم المتحدة حول التغير المناخي (COP30) خلال الفترة 10 – 22 نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم نحو هذا الحدث التاريخي الذي يُنتظر أن يحدّد ملامح العقد القادم من العمل المناخي.
شبكة بيئة أبوظبي بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، تطرح مجموعة من الأسئلة المحورية على نخبة من خبراء البيئة والتغير المناخي بالمنطقة العربية. فبعد مرور عشر سنوات على اتفاق باريس، تبدو الحاجة مُلحّة إلى قرارات أكثر جرأة، وتمويل أكثر إنصافًا، والتزامات أكثر واقعية تجاه الطبيعة والإنسان. وفي ظل تصاعد التحديات المناخية - من حرائق الغابات إلى موجات الجفاف، ومن انحسار التنوع الحيوي إلى تفاقم الفجوة التمويلية - يبرز السؤال: ماذا ينتظر العالم من مؤتمر بيليم؟ انطلاقًا من دورها في تعزيز الحوار العلمي والمجتمعي حول قضايا المناخ والاستدامة، توجه شبكة بيئة أبوظبي بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، مجموعة من الأسئلة إلى نخبة من خبراء البيئة والتغير المناخي في المنطقة العربية، لاستشراف توقعاتهم من هذا المؤتمر، ورؤيتهم لمستقبل العمل المناخي بعد بيليم.
الدكتور محمد سيف الكواري: الاستدامة ليست وثيقة تفاوضية، بل قدرة بشرية على إدارة الموارد بعدالة ومسؤولية
الخبير البيئي والمستشار الهندسي بوزارة البيئة والتغير المناخي بدولة قطر ما أبرز الرهانات العالمية المطروحة أمام مؤتمر COP30 بالبرازيل، وهل يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل بعد مرور عقد على اتفاق باريس؟ أبرز الرهانات المطروحة أمام مؤتمر COP30 بالبرازيل هي: التمويل المناخي عبر سدّ فجوات تمويل التكيّف ووضع آليات عملية لتدفق الأموال إلى البلدان الضعيفة. هذا رهين بتحرّك دول غنية وبتعهدات واضحة. وحماية الغابات والطبيعة: كون المؤتمر في حوض الأمازون يرفع سقف التوقعات حول التزامات ملموسة لحماية (الأنظمة البيئية) والحد من إزالة الغابات.
وهل يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل بعد مرور عقد على اتفاق باريس؟
نظريًا نعم، لأنّ COP30 يجتمع بعد عشر سنوات من باريس والمكان (الأمازون) يضغط سياسياً ورمزياً نحو إجراءات حماية الطبيعة، لكن تحقيق «نقطة تحوّل» عملية يعتمد على 3 محاور: المحور الأول: مستوى الطموح في تحديث الـNDCs. والمحور الثاني: أدوات التنفيذ والتمويل. والمحور الثالث: آليات المساءلة
كيف يمكن لموقع المؤتمر في غابات الأمازون أن يُترجم إلى التزامات واقعية لحماية الغابات والتنوع البيولوجي؟
أولاً بإطلاق أو توسيع آليات تمويل مخصّصة للغابات (مثال: Amazon Fund / آليات REDD+) — نموذج صندوق أمازون هو مثال على آلية تمويل مخصصة لخفض إزالة الغابات عبر منح لدعم مشاريع محلية. يمكن تفعيل آليات مماثلة بآليات مساءلة شفافة لدعم المجتمعات المحلية. ثانياً بعقد اتفاقات دولية وإقليمية لوقف إزالة الغابات المرتبطة بالسلع. وثالثاً بتمكين السكان الأصليين والمجتمعات المحلية وحمايتهم قانونياً.
ما الذي يُنتظر من الدول النامية، خصوصًا في المنطقة العربية، لتعزيز مساهماتها الوطنية في العمل المناخي؟
مكامن التركيز والالتزامات المنتظرة: أولاً الشفافية والبيانات: تحسين بيانات الانبعاثات، مؤشرات التكيّف وفجوات التمكّن. هذا يسهل الوصول للتمويل الدولي. ثم التركيز على التكيّف (adaptation) والقطاعات الحسّاسة: المنطقة العربية معرضة للجفاف وندرة المياه؛ لذا يجب أن تكون الخطط الوطنية وميزانياتها مركّزة على الزراعة المستدامة، وتقنيات الحفاظ على المياه، والزراعة المناخية الذكية. مع الاستفادة من آليات التمويل المبتكرة: الضمانات، أدوات الخسارة والأضرار، الشراكات العامة-الخاصة، الصناديق الإقليمية. دول عربية بإمكانها أيضاً التعاون الإقليمي لتجميع مشاريع قابلة للاستثمار.
الدكتور صابر عثمان: المستقبل مرهون بقدرتنا على تحويل المعرفة إلى التزام، والالتزام إلى أثر، والأثر إلى عدالة
رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة
ما أبرز الرهانات العالمية المطروحة أمام مؤتمر COP30، وهل يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل بعد مرور عقد على اتفاق باريس؟ ويقول الدكتور صابر عثمان رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة، أن مؤتمر COP30 يشكل لحظة استثنائية في مسار العمل المناخي العالمي، ليس فقط لأنه يأتي بعد عشر سنوات على اتفاق باريس، بل لأنه يُعدّ محطة يترقّبها المجتمع الدولي لإعادة تقييم جدوى الاتفاق ذاته في ظل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق للمرة الثانية، والأوضاع الاقتصادية العالمية، خاصة تراكم المديونية على الدول النامية. ولهذا يعد الرهان الأكبر في هذه الجولة الجديدة متمثلًا في المساهمات الوطنية المحدَّثة التي ستقدمها الدول بنهاية عام 2025 أو ما يعرف بNDCs 3.0، والتي يُفترض أن تشهد مستوى أعلى من الطموح بما يتسق مع هدف الحد من الاحترار العالمي عند ٢ درجة مئوية ويفضل 1.5 درجة مئوية. فبعد الجرد العالمي الأول، بات واضحًا أن الهوة بين ما التزمت به الدول وما يحتاجه العالم ما زالت واسعة، وأن المسار الحالي يقود إلى ارتفاع يتجاوز الأهداف المتفق عليها. ولهذا، يُنظر إلى COP30 باعتباره مؤتمر «التصحيح» الذي يجب أن يترجم فيه المجتمع الدولي خطاب الطموح إلى واقع قابل للقياس والتنفيذ.
كما أن إطلاق ما يعرف بـ “المهمة 1.5" التي تقودها الترويكا (رئاسات الإمارات وأذربيجان والبرازيل) يمنح المؤتمر طبيعة خاصة، ويجعله اختبارًا لمدى قدرة النظام المناخي الدولي على صياغة جيل جديد من الالتزامات التي لا تقتصر على النصوص، بل تمتد إلى آليات التنفيذ والدعم والمتابعة. وإذا استطاعت الدول التوصل إلى حزمة مترابطة تضم التخفيف والتكيّف وتمويل المناخ، فقد يشكّل COP30 بالفعل نقطة تحوّل تعيد الاتفاق إلى مساره الصحيح. أمّا إذا بقيت الانقسامات على حالها، فسيكون مجرد محطة أخرى في سلسلة المؤتمرات التي تُبقي الأهداف حيّة نظريًا ونتحدث عنها في الكلمات الرسمية التي تلقيها الدول، بينما يتدهور المناخ بوتيرة أسرع.
كيف يمكن لموقع انعقاد COP30 في غابات الأمازون أن يُترجم إلى التزامات واقعية لحماية الغابات والتنوع البيولوجي؟
إن انعقاد المؤتمر في قلب الأمازون، أحد أكبر مخازن الكربون وأغنى مناطق العالم بالتنوع البيولوجي، يضع حماية الغابات على رأس أولويات الأجندة السياسية. فوجود آلاف المفاوضين وممثلي الدول والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في مدينة داخل غابات الأمازون يمنح القضايا البيئية المتصلة بالغابات زخمًا غير مسبوق، ويحوّل الرمز إلى التزام. وفي هذا السياق، يمكن للمؤتمر أن يذهب أبعد من مجرد الاعتراف بأهمية الغابات، ليضع أهدافًا زمنية واضحة لوقف إزالة الغابات المدارية، وربط هذه الأهداف بخطط وطنية تُعنى بتنظيم استخدام الأراضي، وتقوية إنفاذ القانون، وضبط سلاسل التوريد المرتبطة بالزراعة والتعدين.
كما أن الرئاسة البرازيلية للمؤتمر تسعى إلى إطلاق مسار تمويلي ضخم لحماية الغابات من خلال مبادرات دولية جديدة تُوجّه موارد مالية مباشرة نحو جهود الحماية، بما في ذلك تمكين المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية التي لعبت تاريخيًا دورًا محوريًا في صون هذه النظم البيئية. ويمثل حضور هذه المجتمعات في بليم رسالة قوية للمفاوضين حول ضرورة دمج حقوق الفئات المهددة والأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ في القرارات المُناخية، وذلك عبر ضمان وصولهم المباشر للتمويل والتقنيات الداعمة لمعيشتهم. ومن شأن هذا الموقع الفريد للمؤتمر أن يفرض على الدول الصناعية تحديد التزامات أكثر وضوحًا فيما يتعلق بدعم حماية الغابات، لا باعتبارها مجرد آلية للتعويض الكربوني، بل كجزء أساسي من حفظ الاستقرار المُناخي العالمي.
الدكتور داني جورج العبيد: الذكاء الاصطناعي وتحالفات الجامعات، مع القطاع الخاص، والمجتمع المدني في صميم مستقبل العمل المناخي في المنطقة.
أستاذ جامعي وخبير بيئي، جمهورية لبنان
هل تعتقدون أن المجتمع المدني بات جزءًا من الحل في قضية التمويل المناخي، عبر شراكات مبتكرة ومبادرات مجتمعية لتمويل المشاريع الخضراء؟
لطالما اضطلع المجتمع المدني بدور محوري في رفع الوعي، والمناصرة، ومراقبة السياسات العامة، لكنه لم يكن في العادة جهة تمويل أو مصدرًا مباشرًا للموارد المالية. ومع ذلك، يبدو أن المرحلة المقبلة تفرض على هذا القطاع أدوارًا جديدة أكثر جرأة وابتكارًا، خصوصًا في ظل فجوة التمويل المناخي بين الشمال والجنوب، وتأخر تدفق الأموال إلى المشاريع الصغيرة والمجتمعية.
إنّ على منظمات المجتمع المدني اليوم أن تستكشف آليات تمويل بديلة وغير تقليدية (non-mainstream)، كاستخدام التمويل الجماعي (Crowdfunding)، والشراكات المحلية المصغّرة، وآليات “التمويل القائم على النتائج”، أو حتى برامج المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وربما يكون الأهم هو أن يتحول المجتمع المدني إلى جسر ثقة بين الممولين والجهات المحلية، بحيث يضمن أن الأموال تُستخدم في مشاريع واقعية وشفافة تساهم في تحسين سبل العيش وتخفيف الانبعاثات وتعزيز الصمود أمام التغير المناخي. هذا التحول يتطلب بناء قدرات مؤسساتية، ومهارات مالية، وإطارًا تنظيميًا يسمح بتجربة أدوات تمويل مبتكرة تليق بحجم التحدي المناخي العالمي.
بروفسور ليلى ماندي: صوت المرأة في المناخ ليس صرخة ألم، بل قوة اقتراح وقيادة.
الأمينة العامة وعضو مؤسس للمعهد الدولي الانتقال المستدام في أفريقي
كيف يمكن إدماج صوت النساء والفتيات في صنع القرار المناخي — ليس فقط كضحايا، بل كقائدات وصانعات حلول خضراء؟
أولاً، من الضروري أن نغيّر الصورة النمطية التي تحصر النساء والفتيات في خانة “الضحايا” في مواجهة تغيّر المناخ. في الواقع، النساء يُظهرن يوميًا قدرة هائلة على الابتكار والمقاومة، خاصة في المجتمعات المحلية الريفية حيث تُدار الموارد الطبيعية أساسًا من قِبلهنّ.
لقد أثبتت التجارب التي عُرضت في مؤتمرات الأطراف السابقة — مثل منصة "Gender Day" في COP27 بشرم الشيخ — أن إدماج النساء كقائدات يضاعف من فعالية الاستراتيجيات المناخية. هناك مبادرات ملموسة مثل مشروع "Solar Sister" في إفريقيا الشرقية، حيث تقود النساء شبكات توزيع الطاقة الشمسية في القرى، مما وفر آلاف الوظائف الخضراء وخفّض الانبعاثات.
كذلك، برنامج "Women for Results" ضمن مبادرة Momentum for Change التابعة للأمم المتحدة أبرز أكثر من 80 تجربة نسائية ناجحة في الطاقة والزراعة المستدامة. إدماج صوت النساء يتطلب أيضًا تخصيص حصص تمثيلية في وفود التفاوض الوطنية، وضمان مشاركتهنّ في اللجان التقنية، مع بناء قدرات حقيقية في مجالات مثل إدارة الكربون، الاقتصاد الأخضر، وتمويل المشاريع المناخية. بمعنى آخر، الحل ليس رمزيًا بل مؤسساتيًّا وهيكليًّا.
هل تَعتبرين أنّ التمويل المناخي القائم حاليًا عادل من منظور النوع الاجتماعي؟ وكيف يمكن ضمان أن تصل التمويلات إلى المشاريع التي تقودها النساء في المجتمعات المحلية؟
بصراحة، لا. التمويل المناخي القائم حاليًا غير عادل من منظور النوع الاجتماعي. التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وعن صندوق المناخ الأخضر (GCF) تؤكد أن أقل من 10% من التمويل المناخي العالمي يصل إلى المبادرات التي تقودها النساء. وغالبًا ما تُقصى الجمعيات النسائية الصغيرة بسبب التعقيدات الإدارية والمتطلبات التقنية الصارمة. الحل يكمن في تبسيط مسارات التمويل وإنشاء نوافذ تمويل جندرية (Gender-responsive funding windows) داخل الصناديق الوطنية والإقليمية.
هناك تجارب مشجعة مثل تحالف GAGGA (Global Alliance for Green and Gender Action)، الذي يموّل مشاريع نسائية محلية صغيرة من خلال منح مباشرة، وأثبت أن المشاريع المجتمعية الصغيرة تحقق أثرًا ملموسًا بتكاليف أقل. كذلك، في COP28 بدبي، تم إطلاق مبادرة “Women in Climate Entrepreneurship” لتمويل رائدات الأعمال في الطاقة المتجددة والزراعة الذكية.
هذا النموذج يمكن نسخه وتعميمه على المستوى العربي عبر صناديق وطنية مصغّرة، وبرامج دعم فني لمساعدة النساء على إعداد مقترحات مشاريع مطابقة لمعايير المانحين.
الدكتور أحمد الشهبوني: ضرورة انتقال المجتمع المدني من الحضور الرمزي إلى الفعل الاحترافي.
أستاذ جامعي والرئيس المؤسس لمركز التنمية لجهة تانسيفت، مراكش، المملكة المغربية.
كيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تجعل حضورها في مؤتمر بيليم أكثر تأثيرًا في صياغة القرارات المناخية، وليس مجرد حضور رمزي أو شكلي. لقد سبق لي أن حضرت عدة مؤتمرات للمناخ ولاحظت عن كتب أن هنالك فجوة كبيرة بين الخطاب والإجراءات العملية؛ ففي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع، سواء قادة البلدان المسؤولة عن ارتفاع درجة الحرارة أو مسؤولي البلدان ضحايا التحولات المناخية خصوصا في أفريقيا وفي الجزر، عن ضرورة التدخل السريع للحد من إنتاج ثاني أوكسيد الكاربون حفاظا على الحياة في الأرض خصوصا بالنسبة للأجيال القادمة. في نفس الوقت نجد أن وتيرة استعمال الوقود الأحفوري في تزايد وبعض مناجم الفحم يعاد فتحها من جديد، زيادة على عدم الالتزام المالي المتفق عليه في باريس وما بعدها لتعويض الأضرار والتكيف بالنسبة للبلدان ضحايا التحولات المناخية. وينبغي الإشارة أن بلدان العالم الغنية والملوثة لا تجد حرجا في تمويل الحروب وصرف الملايين في إنتاج أسلحة الدمار.
عودة للمجتمع المدني:
لاحظت سابقا أن العديد من جمعيات المجتمع المدني في بلدان العالم الثالث يكون حضورها رمزيا اللهم بعض الوقفات الإحتجاجية ورفع شعارات التنديد وأعتقد أنه إذا أرادت منظمات المجتمع المدني في وطننا أن يكون لها تأثيرا أكبر في صياغة القرارات المناخية عليها أن تعزز الخطوات التي اتخذتها في السنوات الأخيرة حيث شكلت عدة شبكات قارية وجهوية وأن تعمل بشكل احترافي ومؤسساتي باستقطاب خبراء مختصين يعملون ليس كمتطوعين، بل بشكل دائم ومتواصل حتى يتمكنوا من رصد كل الاختلالات ودراسة كل الوثائق وإعداد التقارير. وهذا يتطلب تعبئة موارد مالية كبيرة ومستقلة عن البلدان والمؤسسات الكبرى المسؤولة عن الثلوث. كما أن خبراء المجتمع المدني مطالبين بتحضير أوراقا دقيقة مبنية على دراسات ميدانية دقيقة وتتقدم باقتراحات واقعية ومحرجة للدول الملوثة.
هل يمتلك المجتمع المدني في المنطقة العربية ما يكفي من الأدوات والموارد للتأثير في مسار المفاوضات الدولية للمناخ؟ وما الذي ينقصه؟
مقارنة مع منظمات المجتمع المدني في الغرب المهتمة بقضايا المناخ أرى أن جمعياتنا في المنطقة العربية لا تتوفر على نفس الأطر العاملة ونفس الإمكانيات المادية، والسبب ليس هو غياب الكفاءات العربية، بل ضعف دعم جل الدول العربية للمجتمع المدني، بل أحيانا التضييق عليه الشيء الذي يعرقل وجود فرق عمل كفؤة ومختصة تتابع بشكل دائمً كل الإجراءات والتفاصيل المتعلقة بقرارات الهيآت المحلية والدولية المعنية بالمناخ.
الأستاذ الدكتور علي آل ابراهيم: ضرورة تحويل المسؤولية المجتمعية للشركات (CSR) من نشاط تطوعي إلى التزام عملي وقابل للقياس
نائب رئيس الشبكة الإقليمية للمسؤولية المجتمعية، دولة قطر
كيف يمكن للقطاعين العام والخاص في الدول العربية تحويل المسؤولية المجتمعية من مبادرات تطوعية إلى التزامات مناخية قابلة للقياس ومربوطة مباشرة بآليات الشفافية العالمية التي سيعتمدها مؤتمر بيليم؟
تحويل المسؤولية المجتمعية من نشاط تطوعي إلى التزامات قابلة للقياس: لتحقيق هذا التحوّل يجب أن تُقدّم الحكومات إطاراً تنظيمياً واضحاً يربط بين تقارير الاستدامة للشركات ومتطلبات الشفافية في المخرجات الدولية، بحيث لا تبقى مبادرات الشركات مجرد صور حميدة بل عناصر منضبطة ضمن منظومة وطنية. بمعنى عملي، يمكن للبلدان اعتماد "معايير وطنية للالتزام المناخي المؤسسي" تُلزِم الشركات الكبرى بالإفصاح الدوري عن انبعاثاتها المباشرة وغير المباشرة، وخططها للتخفيض، ومؤشرات أداء مرتبطة بالأهداف الوطنية، مع تدرّج تحفيزي يتضمن حوافز ضريبية أو تفضيلاً في العقود الحكومية للشركات الملتزمة. أما دور بيليم فيمكن أن يكون إطلاق إعلان دولي يدعو لربط CSR بمقاييس MRV المعتمدة دولياً، ما يعطي هذه الالتزامات صفة قبول دولي ويشجّع المستثمرين الدوليين على استخدام الامتثال للمسؤولية المجتمعية كمؤشر ائتماني واستثماري. هذا يغيّر المشهد: المسؤولية لا تُقاس بشعاراتٍ أو ساعات تطوع، بل بنتائج قابلة للقياس تُترجم إلى امتيازات تنظيمية وتمويلية للشركات الجادة.
مع تسارع تأثيرات المناخ على سلاسل الإمداد، هل ينبغي على الشركات أن تُدرج “بصمتها المناخية الخارجية” أي الانبعاثات الناتجة عن مورديها أو عملياتها في دول أخرى، ضمن مسؤوليتها المجتمعية، استنادًا إلى ما سيناقشه مؤتمر بيليم حول النزاهة المناخية؟
إدراج البصمة المناخية الخارجية للمورّدين ضمن مسؤولية الشركات: الشق الأخلاقي والبيئي لهذه الفكرة قوي، ولكن تحويلها إلى سياسة عملية يتطلب آليات محاسبية واضحة ومرنة. على الشركات أن تتبنّى منهجيات سلسلة القيمة الكربونية (supply-chain carbon accounting) وتدخل هذه التكاليف ضمن تقاريرها وموازناتها البيئية، مع توجيه سياسات الشراء لتعزيز مورّدين ذوي بصمة منخفضة. الحكومات يمكن أن تسرّع هذا التوجه عبر شروط في مناقصاتها وبتقديم حوافز للمشتريات الخضراء، كما يمكن لبيليم أن يروج لإطار دولي يضغط على المشتري الدولي ليسأل عن "البصمة المدمجة" لكل منتج، وبالتالي تشجيع الشركات العربية على إعادة تصميم سلاسل التوريد بصورة تقلل الانبعاثات في الدول الأخرى. عمليًا، هذا يتطلب قدرات تحقق ومراجعة طرف ثالث، وبرامج تمويل للموردين الصغار لتحديث ممارساتهم، وإلا ستؤدي المتطلبات إلى إقصاء الموردين الأضعف اقتصادياً — لذا يجب أن تُرفق السياسات برامج دعم وانتقال عادل.
الدكتور محمد يعقوبي خبيزة: لا حلول للتغيرات المناخية دون تقوية قدرات صمود الانظمة الهشة.
أستاذ باحث في علوم البيئة، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم السملالية مراكش، المغرب
كيف يمكن لمؤتمر بيليم، وهو المنعقد في بوابة الأمازون، أن يشكل نقطة تحول عالمية في حماية الغابات المطيرة باعتبارها “رئة الأرض”؟
يمكن لمؤتمر المناخ أن يشكل نقطة تحول عالمية في حماية الغابات عبر عدة آليات رئيسية، نذكر مها تعزيز الالتزامات الدولية لخفض الانبعاثات التي تسبب تدهور المساحات الغابوية، وتخصيص تمويل مستدام لحماية الغابات عبر مبادرات مثل صندوق حماية الغابات الاستوائية. كما يمكنه التركيز على رفع الوعي العالمي بأهمية الحفاظ على الغابات وربطها بأهداف المناخ وتضمين الحماية في استراتيجيات التنمية المستدامة على مستوى الأطراف الموقعة لإنفاقية المناخ، ووضع اتفاقيات ملزمة لإنهاء إزالة الغابات وزيادة المساحات الخضراء. وايضا الاستثمار في البحث العلمي والابتكار، فيمكن للمؤتمر أن يموّل الأبحاث التي تهدف إلى فهم النظم البيئية الغابوية بشكل أعمق، مما يسهم في تطوير استراتيجيات حماية أكثر فعالية.
هل ترون أن اتفاق باريس قد حقق تقدمًا حقيقيًا في الحد من إزالة الغابات؟ وما الذي يجب أن يتغير في بيليم لضمان التزامات أكثر صرامة؟
للأسف الشديد، لا، لم يحقق اتفاق باريس تقدمًا حقيقيًا وملموسًا في الحد من تدهور الغابات حتى الآن، بل تركز أهدافه الرئيسية على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل عام. يرى بعض الخبراء أن الاتفاق يفتقر إلى آليات فعالة لوقف إزالة الغابات، وأن مبادرات مثل "خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها" (REDD+) يمكن أن تشكل عامل قلق لأنها قد نعفي مسؤولية الشركات الكبرى المسببة للإزالة نحو المجتمعات المحلية وتُسهل استمرار بعض الممارسات غير المسرولة تجاه الغابات.
إذا كان مفاوضو المناخ المجتمعون في بيليم، البرازيل مهتمين حقا بوقف خسارة الغابات ووضع تغير المناخ تحت السيطرة فإنه ينبغي لهم أن يوقفوا العمل بمبادرة "خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها"، وأن يعكفوا على معالجة الأسباب الأساسية لهذه المشاكل.
كيف يمكن للدول النامية التي تمتلك ثروات غابية ضخمة أن توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التنوع البيولوجي؟
يمثل تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والتنوع البيولوجي تحديًا كبيرًا للدول النامية بسبب ارتباطهما الوثيق. بحيث يعتمد النمو الاقتصادي على الموارد الطبيعية ومكونات النظم البيئية، والإخلال بهذه الموارد وهذه النظم له انعكاسات سلبية على التنمية، بينما يمكن أن توفر حماية التنوع البيولوجي فرصًا للتنمية المستدامة، لا سيما في قطاعات مثل "الاقتصاد الأزرق" و"الاقتصاد الأخضر". ويتطلب هذا التوازن تحولًا نحو سياسات مبتكرة تعتمد على التقنيات النظيفة، وتخفيض استهلاك الموارد، ووضع تشريعات بيئية قوية، وتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق التنمية المستدامة التي تفك الارتباط بين النمو والضرر البيئي.