رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
جزر الهادي.. صراع النفوذ بين واشنطن وبكين
عندما يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بابوا غينيا الجديدة في المحيط الهادي في إطار سعي واشنطن لمواجهة تنامي نفوذ بكين، سيعبر موكبه طريقا سريعا شقّته الصين، وأمام محكمة شيّدت مبناها، ومتاجر تبيع بضائعها ومحطات للحافلات كتبت إشاراتها بلغة الماندراين.
يزور بلينكن الاثنين الجزيرة لحضور قمة مع قادة دول الهادي بدلا من جو بايدن الذي كان سيصبح أول رئيس أميركي يزور جزيرة-دولة في هذه المنطقة، ضمن اهتمام متزايد لواشنطن في ظل تنامي الحضور الإقليمي للصين. الا أن جولة الرئيس الأميركي ستقتصر على اليابان وأستراليا، قبل أن يعود الى واشنطن لمتابعة المباحثات مع الجمهوريين بشأن رفع سقف الدين.
وسيتاح لبلينكن أيضا رؤية ملصقات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في شوارع العاصمة بور موريسبي احتفاء بزيارة يقوم بها في الوقت ذاته.
تحوّل المحيط الهادئ، خصوصا جنوبه، الى أحد أبرز ميادين صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين. لكن هذا التنافس صبّ لمصلحة الجزر، خصوصا تلك الغنية بالموارد وذات الموقع الاستراتيجي مثل بابوا غينيا الجديدة.
وقال مصدر دبلوماسي غربي في بور موريسبي لوكالة فرانس برس “مودي وبايدن (في الأسبوع ذاته)... لم يكن تخيّل ذلك ممكنا، حتى قبل عام فقط”. وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه إن الجزر باتت “حاليا صديقة للجميع».
انعكس الاهتمام المتزايد بحكومات المحيط الهادئ تدفقا في المساعدات والقروض ومشاريع البناء، وضخّ عشرات ملايين الدولارات في خزائنها.
وعوضا عن الاصطفاف الى جانب واشنطن أو بكين، لجأت غالبية هذه الجزر الى الترحيب بكل ضيف مع ما يحمله من فوائد اقتصادية ودبلوماسية.
وقال الباحث المتخصص بجزر المحيط الهادئ في معهد السلام بالولايات المتحدة غوردون بيك إن الحكومات “تستمتع بحضورها تحت الأضواء».
وأشار الى أن الشعار غير الرسمي لسياساتها الخارجية هو “صداقة مع الجميع، لا عداوة مع أحد”، وأن غالبية حكومات المنطقة تعتمده وتستفيد منه.
الا أن جزر المحيط الهادئ لطالما بقيت قلقة من أن تتجاهلها واشنطن. والعام الماضي، قال رئيس وزراء فيجي بالإنابة أياز سايد خايوم لبلينكن إن الدول-الجزر تشعر بأنها “نقاط صغيرة” من منظار القادة الغربيين الذين يرونها من طائراتهم وهم في طريقهم لحضور اجتماعات “يتحدثون فيها عنا بدلا من التحدث إلينا».
الا أن الولايات المتحدة وحليفتيها في المحيط الهادئ أستراليا ونيوزيلندا عززت من اهتمامها بهذه الجزر في الآونة الأخيرة، خشية أن تستغل بكين الفراغ وتكرّر في هذه المنطقة أنشطة تقوم بها في بحر الصين الجنوبي، حيث حوّلت العديد من النتوءات الصخرية في عرض البحر الى نقاط عسكرية.
وعاد القلق الغربي بالفائدة على السياسيين من فيجي الى ميكرونيزيا.
ويقول الاستاذ في الجامعة الوطنية في أستراليا رونالد ماي إن سياسيي تلك البلاد سيقبَلون بلا شك “دفق الفوائد عليهم من الصين، وعلى وجه الخصوص من القوى الغربية، في محاولة (من الطرفين الخصمين) لضمان النفوذ».
وخلال العام الماضي، أعلنت واشنطن تدشين سفارات جديدة في تونغا وكيريباتي وإعادة فتح بعثتها الدبلوماسية في جزر سليمان، واستضافت قمة غير مسبوقة لدول المحيط الهادئ.
كما أبرمت اتفاقات جديدة مع ميكرونيزيا وبالاو وبابوا غينيا الجديدة، علما بأن التفاهم مع الأخيرة يتيح للقوات الأميركية حق استخدام موانئ جوية وبحرية في الجزيرة.
من جهتها، لم تبقَ الصين مكتوفة اليدين. فقد أبرمت صفقة مع جزر سليمان بقيت تفاصيلها قيد الكتمان، وتنفّذ فيها مشاريع بناء تشمل الملعب الذي سيستضيف دورة ألعاب المحيط الهادي في العاصمة هونيارا، إضافة الى مركز طبي ومهاجع للطلاب.
وسعت الصين العام الماضي الى إبرام اتفاق تجاري أمني واسع النطاق مع دول المحيط الهادئ، لكن الأخيرة رفضته، في ما بدا إشارة منها الى عدم رغبتها في الذهاب بعيدا في التعاون مع بكين.
الا أن ذلك لم يثنِ حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ عن تحقيق مبتغاها، اذ لجأت عوضا عن ذلك الى توقيع اتفاقات ثنائية مع كيريباتي وتونغا.
وتشدد بكين على أنها شريك في التنمية فقط، الا أن هذه الاتفاقات تعزز وضعها كقوة عظمى قادرة على مساعدة المنطقة.
وحذّرت واشنطن جزر الهادئ من أن الافراط في الافادة من قروض صينية قد يجعلها مدينة لبكين ماليا ومعنويا. ويعكس بعض سكان بور موريسبي هذا القلق، ومنهم جاموغا ستون (63 عاما). ويقول المتقاعد من العمل في القطاع العام إن “الاستثمارات جذابة بشكل لا يمكن تجاهلها لكنها تثير شكوكنا أيضا. اذا بتنا غير قادرين على السداد، قد يأتون لمصادرة أملاكنا».
وترى الحكومات أن الفوائد الاقتصادية التي تجنيها من صراع النفوذ على المدى القريب لن تضطرها لاختيار الوقوف بجانب طرف على حساب الآخر. واعتبر رئيس وزراء جزر سليمان ماناسيه سوغافاري أن القلق الأسترالي من الاتفاق بين بلاده والصين “مهين».
ويحذّر خبراء الدول الكبرى من أن سعيها الى اكتساب نفوذ في المنطقة يتطلّب منها العمل بحنكة ودراية.
وقال الأستاذ الجامعي ماي إن “الرأي الأميركي المضمَر بأن بابوا غينيا الجديدة هي دولة فاشلة، والمقاربة الدبلوماسية الصينية التي غالبا ما تكون صارمة، والمساعدات ذات الجودة المتدنية، قد تؤتي نتائج عكسية».
وتابع “العلاقة التاريخية الجيدة إجمالا والمساعدات السخية لا تضمن على الدوام كسب القلوب والعقول».