جمعية الاجتماعيين تستشرف تحولات العصر الرقمي في ندوة علمية عن علم الاجتماع الرقمي
نظّمت جمعية الاجتماعيين، في إطار برنامجها الثقافي المستمر وحرصها على استكشاف القضايا المعاصرة ذات الصلة بالتحولات المجتمعية، ندوة علمية افتراضية متخصصة حملت عنوان "علم الاجتماع الرقمي"، وقدّمتها الدكتورة إنعام يوسف، أستاذ مشارك في علم الاجتماع بكلية الإنسانيات والعلوم في جامعة عجمان وعضو جمعية الاجتماعيين.
أدار الندوة التي جرت مساء أمس الدكتور محمد حمدان بن جرش، عضو مجلس إدارة الجمعية ورئيس اللجنة الثقافية، الذي استهل اللقاء بكلمة افتتاحية تناول فيها أهمية مواكبة التطورات الرقمية المتسارعة وانعكاساتها على المجتمعات الإنسانية في حاضرها ومستقبلها.
وقد شهدت الندوة حضورًا نوعيًا لافتًا ضمّ عددًا من أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء جمعية الاجتماعيين إلى جانب مجموعة من الباحثين والمهتمين بعلم الاجتماع والفضاء الرقمي، ما أضفى على النقاشات طابعاً علمياً ثرياً تفاعل فيه الأكاديميون والمختصون مع المحاور المطروحة.
استعرضت الدكتورة إنعام يوسف خلال مداخلتها المفصلة المفهوم العلمي لعلم الاجتماع الرقمي، مؤكدة أنه يُعد فرعاً مستحدثاً من فروع علم الاجتماع التقليدي، يتناول بالدراسة والتحليل التفاعل الإنساني في ظل هيمنة التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال الرقمية، ويركز على التحولات التي طرأت على العلاقات الاجتماعية، والهوية الفردية والجماعية، والسلوكيات المجتمعية نتيجة هذا الحضور الرقمي الطاغي.
وأشارت إلى أن العالم الرقمي لم يعد مجرد أداة للتواصل، بل بات فضاءً اجتماعياً كاملاً يعاد فيه تشكيل البنى الاجتماعية، وتنبثق منه أنماط جديدة من التفاعل والتقارب، بل وحتى التنافر، بما يعكس عمق التغيير الذي أحدثته المنصات الرقمية في حياة الناس اليومية.
وتناولت الندوة الأبعاد التحليلية التي يوفرها علم الاجتماع الرقمي لفهم الظواهر الجديدة المرتبطة بالمنصات الرقمية، من مثل وسائل التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، حيث أوضحت الدكتورة إنعام أن هذه المنصات تسهم في صياغة ديناميكيات جديدة للمجتمعات، بدءًا من تكوين المجموعات الرقمية، ومرورًا بانتشار الأفكار والمفاهيم، وصولاً إلى إحداث التحولات الثقافية القيمية.
ولفتت إلى أن من مهام هذا الحقل العلمي المستحدث رصد التحديات التي تفرضها الرقمنة، وعلى رأسها قضايا الخصوصية، وإشكاليات الهوية الرقمية، والانقسامات الاجتماعية والثقافية التي قد تعززها الخوارزميات وآليات تصنيف المستخدمين.
وفي معرض تحليلها لجوهر هذا التخصص، وصفت الدكتورة إنعام علم الاجتماع الرقمي بأنه "جسر معرفي" يربط العلوم الاجتماعية بالتكنولوجيا، وأنه يوفر أدوات تحليل دقيقة لفهم التغيرات التي طرأت على طبيعة العلاقات الإنسانية، مشيرة إلى أن هذا العلم يمثل مدخلاً لفهم تأثير العالم الرقمي على تصورات الأفراد لأنفسهم وللآخرين، وعلى أنماط الاتصال والتفاعل في المجتمع، بل ويمكن من خلاله تصميم استراتيجيات تواكب التغير وتُسخّر التكنولوجيا بما يخدم التنمية الاجتماعية ويعزز من التماسك المجتمعي، ويواجه في ذات الوقت تحديات العولمة الرقمية.
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد بن جرش في كلمته الافتتاحية للندوة أن موضوع علم الاجتماع الرقمي يحظى بأهمية متزايدة في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل التغيرات العميقة والمتسارعة التي يشهدها الفضاء الرقمي، وما لها من تأثير مباشر على الهوية الفردية والمجتمعية، مشدداً على أن العالم الرقمي لم يعد عالماً موازياً، بل أصبح واقعاً أصيلاً يعيد تشكيل مفاهيم المجتمع والتواصل والمعرفة.
وأضاف أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة جهود جمعية الاجتماعيين لتفعيل دورها كمؤسسة علمية ومجتمعية تهدف إلى إثراء النقاشات المعرفية حول القضايا المستجدة، وتعمل على فتح آفاق البحث العلمي بما يسهم في مواكبة المتغيرات وابتكار حلول تستجيب لحاجات المجتمع المتطورة.
وفي ختام الفعالية، جددت جمعية الاجتماعيين التزامها بمواصلة تنظيم مثل هذه اللقاءات العلمية الافتراضية التي تُعزّز من الوعي المجتمعي بالقضايا الراهنة، وتُكرّس لثقافة معرفية تُسهم في بناء مجتمع مستعد لمواجهة التحديات الرقمية، ومُهيأ للتفاعل الإيجابي مع الأدوات الجديدة التي ترسم ملامح العالم المعاصر.