محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
على طول مشوارها المهني.. تميزت شخصيتها بالنشاط والحيوية
جنيفر لوبيز.. نرجسية فنيّة تزخر بالطموح وتتفجّر بالعزيمة لبلوغ القمم
تمثّل الممثلة والمغنية الأميركية جنيفر لوبيز نموذجاً لفرط الحيوية والنشاط، في عالم الترفيه. ناهيك بالحُسن والجاذبية. لم ينقصها أي من الإمكانات المؤهلة لتحقيق الحلم الهوليووديّ؛ الغناء والرقص والتمثيل.
بمقتضى أصولها البورتوريكية، ولأجل بلوغها نجومية امتدّ سطوعها بين منتصفي عقدي التسعينيات والألفيّة الثالثة، أبدت بطلة فيلم Maid in Manhattan، عزيمة فائقة على الإفلات من قيد "الكوتا" التمثيلية التي تمنحها مؤسسة الصناعة الترفيهية الأميركية للمجموعة العرقية الهسبانية، لتغدو بحكم ذلك علماً فنيّاً، ولكي تحظى بختم إسمنتي يحمل اسمها وبصمةً ليديها، مطبوعين على ممشى المشاهير في شارع هوليوود الكبير بولاية كاليفورنيا الأميركية.
ما زالت قوة العزيمة تدفع بلوبيز، وقد شارفت على سن 55؛ إذ أطلقت منتصف الشهر الماضي، ألبومها التاسع المُسجّل في استوديو، اسمه مأخوذٌ عن عنوان أغنيته الأولى "هذه أنا الآن" (This is Me Now)، ويتألّف من 13 تراكاً، وهو الأوّل للفنانة منذ عشر سنوات.
كعادتها بفيض طموحها الذي لا يعرف منتهى، لم تقف عند الألبوم، وإنما توأمته بإنتاج ضخمٍ لدراما سينمائية موسيقية (Musical) تُقدَّر كلفتها الإجمالية بـ20 مليون دولار، وتحمل الاسم ذاته، مُضافةً إليه عبارة A Love Story، تستند إلى مادته الموسيقية، تضم كوكبة من مشاهير الممثلين والفنانين الاستعراضيين أمثال تريفير نوا، مُقدّم البرنامج الحواريّ الشهير "العرض اليومي" (The Daily Show)، ويعرض حالياً على شاشة أمازون الرقمية.
ظاهر السردية التي انطلق منها كلّ من الألبوم والفيلم، يتعلق بصدى رجعيٍّ لأول ألبوم مُنفردٍ للفنانة الاستعراضية مضى على صدوره عشر سنوات، بعنوان "هذه أنا، آنذاك" (This is Me, Then) وتعتبر إيراداته بين ثلاثة من أنجح مبيعات ألبوماتها. أرادت له جنيفر لوبيز حينذاك أن يكون بمثابة شهادتها الشخصية على علاقة عاطفية جمعتها بالممثل الأميركي النجم بن آفلك. إذ سبق للاثنين أن ارتبطا لفترة وجيزة أوّل الألفيّة ثم انفصلا وافترقا، ثم عادا منذ ثلاثة أعوام إلى الظهور معاً، لتسري الإشاعات حولهما، إلى أن أُعلن رسمياً عن استئنافهما الغرام في سنة 2022.
أما الباطن، فبوح لذات أنثوية مُشبعة بنرجسية فنيّة، تُطل من على عتبة الكهولة إلى حياتها السابقة والسيرورة التي قادتها إلى اللحظة الراهنة. لأجل ذلك البوح، اختارت جنيفر لوبيز عنوان الحب، والبحث عنه. تقول كلمات المقطع الثالث من أغنية الألبوم الأولى: "حين كنت صغيرة، كان الناس يسألونني، ماذا أرغب أن أكون، امرأة عاشقة، هذا ما كبرت وأنا أريد أن أكونه". كما أن الكوبليه يحمل مضموناً محدداً للحب، موجهاً نحو الذات. تقول كلماته مبتدئة بعنوان الأغنية: "هذه أنا الآن، وقد استغرقني الأمر صيوفاً وشتاءات، لزمني أن تشفى نفسي، لكنّي بتّ أخيراً، أحب من أنا، هذا أنا الآن".
وحب الذات، لجهة شيوعه في الحياة المعاصرة، مفهومٌ حديثٌ نسبياً، ارتبط بالأدبيّات الأكثر جدّة لعلم النفس العلاجي، وبات يشكّل ركناً أساسياً من أركان ثقافة "مساعدة الذات" وتحقيقها أو توكيدها. من جهة أخرى، تستجيب دعوة كتلك، حينما تصدر عن امرأة، لتصاعد وتيرة الخطاب النسوي في العقدين الأخيرين، على الأخص في الغرب. إذ لم يعد الحب مضمار بذلٍ وتضحية من أجل آخر، هو ذكرٌ في حال كانت العلاقة العاطفية غيرية، أي غير مثلية، وإنما يصبح مضمار حثٍّ وتمكين، يتوجه من المرأة إلى المرأة، ولا يعود الآخر، إن كان رجلاً أو كان له من أثرٍ أصلاً، سوى وسيط دراميّ من أجل رواية قصة موضوعية تُبنى حولها الأغنية لتتمركز عبرتها حول الذات.
فنيّاً على العموم، لم يأت الألبوم بجديد موسيقيّ، ولم يكن ينتظر منه ذلك؛ إذ لم يُسجَّل لألبومات جنيفر لوبيز إتيانها باختراقات فنيّة على مستوى الكتابة والإنتاج الموسيقيين. فلابنة حيّ برونكس النيويوركي، وظيفة واضحة ضمن ميدان الغناء الأميركي، ألا وهي تأمين مادة سمعية بصرية ترفيهية تجمع عناصر تبدو متناقضة؛ فمن جهة ثمة الخفة والرقة الرومانسية، ومن جهة هناك السخونة الشهوانية التي ظلت تنمّط الموسيقى الجماهيرية الأفرولاتينية. كل ذلك، بغية استمالة أوسع طيف من أذواق المستمعين، تُمكن المُنتج من بلوغ أعلى نسبة في الإيرادات، تؤمن لصنّاعه الربح وتغطّي تكاليف الإنتاج.
لذا، يحرص الألبوم على توفير كل الألوان الموسيقية الرائجة، من دون أن يتوخّى وحدة أسلوبية وشخصية فنية موحّدة لـ"تراكاته". بحكم اقترانه بسردية عاطفية وبدراما موسيقية تدور حول الحب، تكاد الرومانسية المبالغة في تصنّعها، (Kitsch) أن تكون السمة الوحيدة العامة والموحّدة للأغاني. فتظهر في "التراك" الأول، من خلال الافتتاحية الموسيقية بسلاسل نغمات على آلة صناعية تُشبه القيثارة السيلتية القديمة.
أما في "التراك" الثاني، فتُوظّف جوقة إلكترونية جرى تركيبها من أصوات أطفال صغار. لأجل مصاحبة غناء قريب من الهيب هوب، تُستدعى الآلات النفخية والوترية الكلاسيكية إلى "التراك" الثالث، من فلوت وكمانات، بعد أن تُعدّل صوتياً لتكتسب شخصية صوتية أكثر شبابية، اقتراباً من أسماع الجيل الجديد.
أما في الرابع المعنون Rebound؛ فتلتقط الأذن انسجامات نغمية تُذكّر بحقبة الباروك الموسيقية، لأوروبا القرنين السادس عشر والسابع عشر، والتي عادة ما تساهم، حين يتم تقزيمها واختزالها، في تكوين المفهوم المعاصر عن رومانسية "الكيتش".
بهذا، يبدو الألبوم بإطلالة عامة خلطة خفيفة تجمع الآر أند بي والهيب هوب الراقص برومانسية الكيتش. على تلك الخلطة، ستُصمّم اللوحات الراقصة للميوزيكال التوأم، الذي يحمل سمات بوليوودية بادية، أي أفلام الدراما الموسيقية الراقصة الهندية، حيث الهرج والمرج المتّسقان والمُنظّمان، والإشباع الحسّي سواء في الحركة أو المشهدية.
يعبّر ذلك، من دون قصد بالضرورة، عن فرط النشاط والحيوية الذي ميّز شخصية جنيفر لوبيز على طول مشوارها المهني؛ نرجسية فنيّة تزخر بالطموح وتتفجّر بالعزيمة لبلوغ القمم، تنتهي إلى اعتناق حب الذات والانعتاق من حب الآخر، كرؤية للعالم وكيفية الوجود فيه، على الموضة.