انسحاب أمريكي قد يشبه الهروب:

جو بايدن «استعد» لـ «مأساة» في أفغانستان...!

جو بايدن «استعد» لـ «مأساة» في أفغانستان...!

- العديد من الخبراء في الإعلام الأمريكي، يثيرون شبح «رواندا جو بايدن»
- تؤكد تسريبات مختلفة أن الحكومة الأمريكية استسلمت لاحتمال استيلاء طالبان على السلطة
-  تعزز هذه القسوة، صورة الرئيس جو بايدن على اليمين، هو الذي تم تصويره على أنه يساري وإنساني رخو
- فشل الرسالة المتفائلة التي بشّرت بنهاية محترمة ومنظمة لأطول حرب في التاريخ الأمريكي


  رغم التقدم السريع لطالبان، قال الرئيس الأمريكي إنه لن يندم على قراره بسحب قواته بحلول 31 أغسطس... انسحاب قد يشبه الهروب.  «لست نادما على قراري”، أكد جو بايدن هذا الثلاثاء، 10 أغسطس، بينما تهاجمه الصحافة وتحاصره بأسئلة حول التقدم المذهل لحركة طالبان، التي تجاوز زحفها قندهار، ثاني مدينة في البلاد، بعد شهر واحد فقط من إعلان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بنهاية شهر أغسطس. الرئيس لا يتحسر عن أي شيء، لكن صمته منذئذ، طيلة عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، في معقله بولاية ديلاوير ومقر إقامة كامب ديفيد، يشير إلى ندم اتصالي، وهو عدم التطابق المحرج للرسالة المتفائلة الموجهة إلى الرأي العام في الثامن من يوليو، والتي بشّرت بنهاية محترمة ومنظمة لأطول حرب في التاريخ الأمريكي.
 
بينما تخشى وكالة المخابرات المركزية الآن من احتمال سقوط كابول في غضون شهرين، يؤكد البيت الأبيض شكوكه حول صمود قوات الحكومة الأفغانية، التي تهزمها فرق طالبان، رغم تفوقها في السلاح، ورغم 80 مليار دولار سنويًا خصصتها واشنطن لـ ميزانية الدولة.

   جو بايدن، الذي كان حتى يوليو، يعتبر سقوط العاصمة الأفغانية “بعيد الاحتمال”، ويدحض أي مقارنة مع الاستسلام الأمريكي في فيتنام، يرى دون شك الآن، وفي جميع الصحف، عودة صورة عام 1975 الشهيرة، التي تظهر اندفاع الهاربين من سايغون نحو آخر مروحية تغادر السفارة الأمريكية. وقد أعلن العودة المؤقتة لـ 5000 من مشاة البحرية إلى كابول بهدف ضمان إعادة الغالبية العظمى من دبلوماسييه. وإذا كان رحيل القوات غير قابل للنقض، فإن تزامنه مع حرب طالبان الخاطفة يعطي، بالتأكيد، “الانسحاب” الأمريكي مظهر الهروب الجماعي.

   لكن الى حدود هذا الأسبوع، كان الرئيس الامريكي قد كسب رهانا: أعطى عودة قواته إلى الوطن مظهر انتصار العقل بعد عشرين عامًا من المغامرات العسكرية والمسيانية المزعومة الموالية للغرب، مما يترك المجال مفتوحًا لأولوياته الحقيقية: إعادة الإعمار “نحو الأفضل” لأمريكا التي تجمّدت طيلة أربع سنوات من الترامبية، وسنة من الإهمال الصحي، والمهددة اليوم من قبل متغيّر دلتا، بسبب اضمحلال بنيتها التحتية، مقابل ازدهار المنافس الصيني.
«رواندا جو بايدن”؟

    وتؤكد تسريبات مختلفة، أن الحكومة الأمريكية استسلمت لاحتمال استيلاء طالبان على السلطة. وكان أملها فقط، أن تصمد القوات الحكومية لفترة كافية حتى تتوفر لجو بايدن “فجوة لائقة” (وهو مصطلح استخدمه نيكسون خلال الحقبة الفيتنامية) بما يكفي لتخفيف مسؤولياته المباشرة عن سقوط كابول، وليترك للأمريكيين متعة الاعجاب بسياساته الاجتماعية والاقتصادية. إن تسارع الصراع خرّب هذه الفسحة الزمنية المطلوبة، وقد تركز الأخبار قريبًا على الأعمال الانتقامية والفظائع وتدمير المدارس التي أمر بها الاسياد الجدد لأفغانستان.

   لقد راهن بايدن منذ حملته الانتخابية على التناقض بين انعدام الاحساس البشع عند دونالد ترامب، وصورته كرئيس عطوف وإنساني. لكن الخطاب الرسمي، الذي يكرّر المتحدثون الرسميون طرحه طيلة أشهر، والذي يدعو القادة الأفغان الى تحمّل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، يظهر الآن، مع اقتراب كارثة إنسانية محتملة، قاس وغير مبال بمعاناة السكان.

   إن اندفاع وزارة الخارجية غير الكافي لتقديم التأشيرات لعشرات الآلاف من اللاجئين المهددة حياتهم، يهدف إلى تخفيف الخط قليلاً، غير ان العديد من “الخبراء” الذين استشهدت بهم مجلة نيويوركر، يثيرون شبح “رواندا جو بايدن».
   مع أية عواقب للبيت الأبيض؟ ربما لا شيء. يمكن أن تعزز هذه القسوة، على اليمين، صورة الرئيس الذي صوّرته وسائل الإعلام المحافظة على أنه يساري وإنساني رخو. وتبقى حاشية الرئيس مناصرة بالإجماع لانسحاب القوات. ريتشارد فونتين، عضو سابق في فريق جون ماكين، ومدير جمهوري لمركز التحليل، لأمن أمريكي جديد، يوافق على دوكسا الحكومة الديمقراطية: “إنه أمر مأساوي، يعترف، لكنها ليست مأساتنا».

الجهاد المناهض لأمريكا
   قد يتدخل ترامب، على غرار بعض المسؤولين المنتخبين الجمهوريين، من مقر إقامته في مار أ لاغو، مدعياً أنه “كان سيحقق أداءً أفضل”، ولا تزال استطلاعات الرأي الوطنية، في الوقت الحالي، مؤيدة في أغلبها لقرار بايدن.
   بالتأكيد، بينما تتظاهر المفاوضات مع طالبان بالاستمرار، فإن الأمريكيين مصممون، أكثر من أي وقت مضى، وعبثًا، على إقناع الحركة بأنها تخاطر بأن تصبح منبوذة من المجتمع الدولي إذا أعادت اضطهاد المرأة وعدالتها التي تعود الى العصور الوسطى، وأنها ستثير غضب واشنطن إذا نكثت بوعدها بعدم استضافة الجماعات الإرهابية المكرسة للجهاد ضد أمريكا.
   على هامش هذا الإزعاج الدبلوماسي، لا يبدو أن العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة قد تأثرت بالانسحاب الأمريكي.

من المعروف أنه في أماكن أخرى، في العراق،تبقى القوات الأمريكية فقط لوقف الخطر الإيراني... ان أفغانستان شيء آخر... قضية فاشلة.
   في يونيو، أثناء زيارة جو بايدن لبروكسل، مقر الناتو والاتحاد الأوروبي، أصيب موظفو الرئيس، الذين كانوا يستعدون للدفاع عن قرار الانسحاب العسكري بأنيابهم وأظافرهم، بالذهول من استقالة وغياب أسئلة السياسيين المدعوين للاجتماع مع بايدن.  لقد حدد هذا الأخير اختياره واتخذ قراره... ويبدو أنه مستعد لتحمّل مسؤولية هذه المأساة.