معالجة نقاط الضعف الوسيلة الفضلى لتفاديها

حرب أمريكا مع الصين لن تكون كأي حرب

حرب أمريكا مع الصين لن تكون كأي حرب


توقع الزميل البارز غير المقيم في مركز التقييمات الموازنية والاستراتيجية روس بابادج أن يكون احتمال اندلاع حرب كبيرة في المحيطين الهندي والهادي الآن أعلى من أي وقت آخر منذ الحرب العالمية الثانية.
ورجح في صحيفة “نيويورك تايمز” أن يكون تحرك الصين العسكري لضم تايوان الشرارة لتلك الحرب. للولايات المتحدة مصالح استراتيجية حيوية على المحك وكرر الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سيدافع عن تايوان.
مع ذلك، على القادة في واشنطن تفادي الانزلاق بتهور إلى حرب مع الصين لأنها ستكون مختلفة عن أي شيء واجهه الأمريكيون. لقد اعتاد المواطنون الأمريكيون على إرسال جيشهم للقتال في مناطق بعيدة عن الديار. لكن الصين نوع مختلف من الأعداء، فهي قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية قادرة على جعل الأمريكيين يشعرون بالحرب داخل وطنهم. أمضى بابادج مسيرته المهنية كمحلل استراتيجي ومخطط دفاعي بما في ذلك ضمن وزارة الدفاع الأسترالية وقد درس لعقود كيف يمكن للحرب أن تنشب وتدور والعمليات العسكرية وغير العسكرية التي تبدو الصين مستعدة لإطلاقها. ويشير إلى قناعته بأن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة خطيرة وبأن على مواطنيها أن يصبحوا مطلعين عليها بشكل أفضل. والسيناريو العسكري وحده مروع.

هجوم خاطف
من المرجح أن تشن الصين هجوماً جوياً وبحرياً وسيبيرانياً خاطفاً للسيطرة على أهداف استراتيجية أساسية في تايوان خلال ساعات، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها التدخل. تايوان أكبر بقليل من ولاية مريلاند. لو تذكر القراء سرعة سقوط أفغانستان بيد طالبان سنة 2021 لبدأوا بإدراك أن السيطرة على تايوان قد تحصل بشكل سريع نسبياً.
ولدى الصين أكثر من 1350 صاروخاً بالستياً وصواريخ كروز مصممة لاستهداف الولايات المتحدة وحلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين والأراضي الأمريكية في غرب الهادئ. بعدها، هنالك الصعوبة الهائلة التي ستواجهها الولايات المتحدة على بعد آلاف الأميال ضد عدو يتمتع بأكبر بحرية في العالم وأكبر قوة جوية في آسيا. بالرغم من ذلك، سيفضل المخططون العسكريون الأمريكيون خوض حرب تقليدية. لكن الصينيين مستعدون لشن حرب تصل إلى عمق المجتمع الأمريكي.

نقل المعركة إلى الداخل الأمريكي
خلال العقد الماضي، نظرت الصين بشكل متزايد إلى الولايات المتحدة كدولة غارقة في أزمات سياسية واجتماعية. يشعر الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي يحب قول إن “الشرق صاعد والغرب آفل” بأن أكبر ضعف أمريكي هو في الداخل وهو مستعد لاستغلال ذلك بحملة متعددة الأبعاد لتقسيم الأمريكيين وتقويض إرادتهم في الانخراط بنزاع مطول، وهو ما يدعوه الجيش الصيني بتفكك العدو. خلال العقدين الماضيين، بنت الصين إمكانات حربية سيبيرانية هائلة مصممة على اختراق وتعطيل الحكومات والإعلام والأعمال والمنظمات والمجتمع المدني في الولايات المتحدة وحلفائها. إذا اندلعت الحرب فمن المتوقع أن تستخدم الصين هذه الإمكانات لتعطيل الاتصالات ونشر أخبار مزيفة ومعلومات مضللة أخرى. سيكون الهدف إثارة الضبابية والانقسام وغياب الثقة وعرقلة صناعة القرار.

«سلاح سحري»
حسب الكاتب، قد تضيف الصين إلى ذلك هجمات إلكترونية وربما بعض الهجمات المادية على الأقمار الاصطناعية والبنى التحتية المرتبطة بها. من المرجح أن تترافق هذه العمليات مع الهجمات السيبيرانية لتعطيل خدمات الكهرباء والغاز والماء والنقل والرعاية الصحية وخدمات عامة أخرى. لقد برهنت الصين إمكاناتها فعلاً ومن ضمن الأمثلة على ذلك تايوان نفسها حيث شنت حملات تضليل، وعبر حوادث قرصنة خطيرة في الولايات المتحدة. لقد ناصر شي هذه الحيلة باعتبارها “سلاحاً سحرياً”. وبإمكان الصين أن تحول سيطرتها على سلاسل التوريد والشحن إلى سلاح. سيكون التأثير عميقاً على الأمريكيين.

هذا ما سيصيب
 الاقتصاد الأمريكي
أضاف الكاتب أن الاقتصاد الأمريكي معتمد بشدة على الموارد والسلع المصنعة في الصين من بينها العديد من التطبيقات العسكرية، بينما يعتمد المستهلكون الأمريكيون على واردات صينية معتدلة الثمن من الإلكترونيات مروراً بالأثاث وصولاً إلى الأحذية. تنقل غالبية هذه السلع على متن سفن تجتاز ممرات بحرية تسيطر عليها بشكل متزايد المصالح الصينية التجارية. ستعلّق الحرب هذه التجارة كما الشحنات الأمريكية والحليفة إلى الصين.
يمكن أن تنخفض الإمدادات الأمريكية للعديد من المنتجات فتصيب نطاقاً واسعاً من الأعمال بالشلل. قد يستغرق الأمر أشهراً لاستعادة التجارة وستكون هناك حاجة لتقنين طارئ لبعض المواد. سوف يرتفع التضخم والبطالة خصوصاً في الفترة التي يعاد خلالها توجيه الاقتصاد لتغذية جهد الحرب وقد يشمل ذلك تحويل بعض مصنعي السيارات إلى تصنيع المقاتلات أو شركات معالجة الطعام إلى تصنيع الأدوية. وقد تتوقف البورصة مؤقتاً في الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب انعدام اليقين الهائل.

معرفة صادمة... عن العضلات الصناعية
حسب بابادج، قد تضطر الولايات المتحدة إلى مواجهة المعرفة الصادمة بأنّ العضلات الصناعية الحيوية في انتصارات الحرب العالمية الثانية قد ضعفت وتخطتها الصين. الصين هي القوة الصناعية العالمية المهيمنة في مقاييس عدة. في 2004، كان إنتاج الولايات المتحدة الصناعي أكثر من ضعف إنتاج الصين. في 2021، كان إنتاج الصين الصناعي ضعف الإنتاج الأمريكي. تنتج الصين سفناً وصلباً وهواتف ذكية أكثر من أي دولة أخرى، كما أنها دولة رائدة في إنتاج المواد الكيميائية والمعادن والمعدات الصناعية الثقيلة والإلكترونيات، وهي اللبنات الأساسية للاقتصاد العسكري-الصناعي.
ولم تعد الولايات المتحدة تستطيع التفوق على الصين في صناعة الأسلحة المتقدمة وإمدادات أخرى حيوية للحرب. أدى تزويد كييف بالمعدات العسكرية إلى استنفاد المخزونات الأمريكية من بعض الأنظمة العسكرية. قد تستغرق إعادة بنائها أعواماً. مع ذلك، إن الحرب في أوكرانيا ضيقة النطاق نسبياً بالمقارنة مع ما ستتطلبه حرب كبيرة في المحيطين الهندي والهادئ.

المنطاد أثار بلبلة؟...
قد يبدو لعبة أطفال
يقترح الكاتب تسريع الولايات المتحدة البرامج الجارية لتعزيز وتفريق القوات الأمريكية في غرب الهادئ لجعلها أقل عرضة لهجمات الصين. في الداخل، يجب إطلاق جهد منسق للعثور على وسائل لحماية الإعلام التقليدي والاجتماعي بشكل أفضل من التضليل الصيني. ويجب إعادة تشكيل سلاسل توريد بعض السلع والخدمات الأساسية لنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة أو الدول الحليفة، كما على الولايات المتحدة اتباع توجه طويل المدى لاستعادة هيمنتها على التصنيع العالمي.
ويرى بابادج أن بناء ردع أقوى عبر معالجة نقاط الضعف هذه هي الوسيلة الفضلى لتفادي الحرب. لكن ذلك سيستغرق وقتاً. حتى ذلك الحين، من المهم أن تتفادى واشنطن الاستفزازات والحفاظ على خطاب مدني مع بكين. نظر أمريكيون كثر إلى المنطاد الصيني على أنه انتهاك صادم للسيادة الأمريكية. قد يبدو ذلك لعبة أطفال بالمقارنة مع الفوضى التي يمكن أن تنشرها الصين في الولايات المتحدة خلال حرب.