حرب روسيا الخفية... هجمات الظل تتكثف في أوروبا وتقترب من العلن
قال الكاتب هايني ساندفيك بريكِه، الصحفي والباحث النرويجي المتخصص في الأمن الأوروبي، إن حرب الظل التي تشنّها روسيا على الديمقراطيات الأوروبية، لم تعد مجرد حوادث معزولة، بل باتت حملة متصاعدة تُدار من وراء ستار،لإرباك الحلفاء وإضعاف الدعم العسكري لأوكرانيا. وأكد الكاتب في تحليل نشره مركز التحليل الأوروبي للسياسات في دوريته «Europe’s Edge»، أن هذه الحرب لن تبقى في الظل إلى الأبد، وأن أوروبا تدخل مرحلة ما قبل الحرب وفق توصيف قادتها العسكريين.
وقال الكاتب إن آخر حلقات التصعيد تمثلت في مخطط تخريب واسع استهدف خطاً حديدياً بين وارسو ومدينة لوبلين، في 15 نوفمبر -تشرين الثاني. وأضاف الكاتب أن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك وصف العملية بتخريب غير مسبوق، واتهم روسيا صراحة بالوقوف وراءه. وأوضح الكاتب أن العملية استخدمت متفجرات عسكرية عالية القدرة، وانفجرت تحت قطار شحن، فيما تمكن قطار ركاب كان خلفه من التوقف قبل الوصول إلى السكة المدمرة، الأمر الذي منع كارثة بشرية واسعة. وتابع الكاتب أن بولندا رفعت مستوى التهديد إلى الدرجة الثالثة من أصل أربع، ونشرت 400 جندي لحماية خطوط النقل الحيوية.
اتهام موسكو
وأشار الكاتب إلى أن سلطات بولندا أعلنت أن منفذي الهجوم أوكرانيان يعملان لصالح الاستخبارات الروسية، وأنهما فرا إلى بيلاروسيا بعد العملية. وأضاف الكاتب أن أحد المشتبهين سبق أن أدين بتهم تخريب في أوكرانيا، ما يعزز فرضية تورط شبكة استخباراتية ذات امتدادات إقليمية. وأوضح الكاتب أن محاولة استهداف خطوط السكك الحديدية ليست جديدة، فمنذ عامين اعتقلت السلطات البولندية مجموعة كانت تزرع كاميرات سرية قرب خطوط القطار. وتابع الكاتب أن بولندا أعلنت هذا العام اعتقال 55 مرتبطاً بعمليات تجسس أو تعاون مع موسكو، إضافة إلى اعتقال ثمانية مخربين في عملية مشتركة مع رومانيا.
وأضاف الكاتب أن رئيس هيئة الأركان البولندية وصف الوضع الراهن بحالة ما قبل الحرب، وذلك بعد سلسلة حرائق وهجمات غامضة، بينها حريق ضخم في مركز تجاري في 2024 اتهمت وارسو روسيا بتدبيره.
حرب الظل تمتد إلى أوروبا الغربية
وقال الكاتب إن نمط الهجمات لم يعد محصوراً في بولندا، بل ظهر في دول عدة من بينها ألمانيا، والدنمارك، وبلجيكا، ورومانيا. وأشار الكاتب إلى أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، قال في تصريح لافت: “لسنا في حالة حرب مع روسيا… لكننا لم نعد في حالة سلام”. وتابع الكاتب أن الهدف الروسي هو زرع الانقسام والتشويش في المجتمعات الأوروبية، خاصة تلك التي تدعم أوكرانيا عسكرياً.
وأشار الكاتب إلى أن تقرير مركز التحليل الأوروبي للسياسات في 19 نوفمبر-تشرين الثاني، من إعداد الخبيرين إيرينا بوروجان، وأندري سولداتوف، خلص إلى أن موسكو تستخدم عمليات الاستخبارات، والوكلاء لتحقيق أهداف متعددة، الضغط على الرأي العام الأوروبي، وإبطاء تدفق الدعم العسكري لأوكرانيا، وإنهاك أجهزة الأمن الغربية، وخلق شعور دائم بالخطر والتهديد، وتوسيع آثار الحرب دون إعلان حرب مباشرة وأضاف الكاتب أن روسيا لا تمانع في فشل بعض العمليات، فمجرد كشفها يحقق هدف إرباك العدو. وأوضح أن الأجهزة الغربية تواجه صراعاً مفتوحاً مع الاستخبارات الروسية لاستعادة عملاء اعتقلوا، مثل المتهم بمحاولة تفجير شحنة شحن لـ دي إتش إل في 2024 والمحتجز حالياً في أذربيجان.
أوروبا وحيدة وردها محدود
وقال الكاتب إن الرد الأوروبي يقتصر على الحرب المضادة التي تقودها أجهزة ناتو الأمنية، إذ تدرك الحكومات أنه من غير الممكن الرد عسكرياً على هجمات، لا ترقى إلى مستوى الحرب الشاملة. وأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة لم تُصدر سوى تصريحات محدودة، ما دفع أحد التقارير الأوروبية إلى استخدام عبارة “وحيدون نقف” في توصيف وضع أوروبا أمام هذه الهجمات. وأوضح الكاتب أن السيناريو الأخطر يتمثل في هجوم يطال المطارات الأوروبية الكبرى، مثل كوبنهاغن، وميونيخ، وبروكسل، أو عملية تؤدي إلى انقلاب قطار ركاب، وما يرافقه من قتل جماعي، ما قد يؤدي إلى رد فعل شعبي ضاغط يربك الحكومات. وتابع الكاتب أن مؤرخاً عسكرياً ألمانياً قال إن السنوات الثلاث المقبلة هي الأخطر، وأن التحول نحو مواجهة مفتوحة لم يعد مستبعداً.واختم الكاتب مقاله بالتأكيد أن الحرب التي تُخاض في الظل لن تبقى كذلك إلى الأبد، وأن أوروبا يجب أن تُصارح شعوبها بأن خياراتها محدودة، وأن التهديد يتصاعد يوماً بعد يوم. فروسيا، وفق الكاتب، تخوض مواجهة عالمية مفتوحة عبر التخريب، والتجسس، والهجمات السرية، ما يجعل القارة الأوروبية أمام اختبار تاريخي قد يحدد شكل أمنها لعقود مقبلة.