تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
قناة السويس عام 1869:
حكاية ألف ليلة وليلة للإمبراطورة أوجيني...!
-- في افتتاح المشروع الجنوني للفرنسي فرديناند دي ليسبس، قناة السويس، نظمت مصر احتفالية كبرى
-- تم تقديم عشاء فخم، أعده 500 طاهٍ عربي وأوروبي وتتالى ثلاثة وعشرون طبقًا
-- ضيفة الشرف في تلك الاحتفالات، زوجة نابليون الثالث التي تخاف البحر ولكنها فتنت بالفخامة المعروضة
-- عند عودتها كانت تنتظرها مصائب كثيرة: الهزيمة ضد بروسيا، سقوط نابليون الثالث، المنفى، موت زوجها
مثل سلسلة من التلال عالقة عبر المضيق ... جنحت سفينة “إيفر جيفن”، التي يبلغ ارتفاعها 400 متر وأكثر من 220 ألف طن، والتي كانت متجهة إلى روتردام من ميناء يانتيان الصيني، مساء الثلاثاء الماضي، في قناة السويس، ضحية هبوب عاصفة من الرياح. توقفت حركة المرور على الفور. حجم سفينة الحاويات الضخمة عقّد عمليات التخليص، مما ادى هذا إلى إبطاء التجارة البحرية (8 بالمائة من حركة المرور العالمية) لأيام، على الطريق التجاري الشهير الذي يربط أوروبا بآسيا، وتم افتتاحه في نوفمبر 1869.
الأربعاء، 17 نوفمبر 1869، لم يتقدم تشارلز جول دي سيرفيل بسرعة. يقف القبطان في قمرة قيادة “النسر”، ويحدّق يقظًا ومنتبها. لقد تمكن بطريقة ما من الالتفاف على المنحنيات، ومراوغة العمق الضعيف لقناة السويس الجديدة، لتجنب جنوح بائس. لكن ما هي مخاوفه! التقرير الذي أرسله إلى وزير البحرية يقول محنته: “إن المرور في القناة يتطلب دقة رياضية حقيقية. وأدنى انحراف، والحتمي تقريبًا بسبب ارتداد المياه التي يسببها التلاطم، يكفي لإعلان الجنوح. «
على متنه، بالكاد تشعر الإمبراطورة أوجيني بالاطمئنان. أمضت يومها تتفحص الدواليب وهي تضرب المياه الرملية، ولتخيّل الأسوأ... مناورة خاطئة من قبل سيرفيل يوم افتتاح هذه القناة التي هي عرّابتها الرسمية؟ سيصبح زوجها، نابليون الثالث، أضحوكة العالم بأسره. عندما وصلت السفينة، البالغ طولها أكثر من 100 متر، أخيرًا الى الضفاف الأقل ضيقًا لبحيرة التمساح في الساعة 5 مساءً، كان ارتياحها باديا الى درجة أنها لم تستطع كبح نوبة من الدموع.
عشر سنوات من العمل الجاد تحت أشعة شمس حارقة
بعد ان استعادت هدوءها، لوحت بمنديلها من أعلى سطح السفينة. على مرتفعات الإسماعيلية، قرية الصيادين التي حوّلها نائب الملك في مصر إلى مدينة أوروبية لتلبية احتياجات القناة، ردّ على تحيتها 100 ألف شخص بحماس، حماس طيّر القبعات. متأثرة جدا بحفاوة الاستقبال، توجهت لابن عمها، فرديناند دي ليسبس، الذي ظل وراء الامبراطورة، لتمسك بيده وترفعها أمام الحشد.
قبل أن يكون الحدث دليلاً ساطعًا على النفوذ الفرنسي، فهو قبل كل شيء انتصاره. انها فكرة رجل أعمال صاحب رؤية، تصوّر مشروعًا مجنونًا لشريط مائي بطول 193 كيلومترًا في وسط الصحراء.
عند غروب الشمس، تقاطعت ثلاث سفن قادمة من السويس جنوبي القناة مع “النسر” الذي غادر في نفس الصباح من بورسعيد شمالا. بعد عشر سنوات من العمل الجاد تحت شمس سيناء التي لا ترحم، أصبحت الملاحة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ممكنة في كلا الاتجاهين. وأهدى الكوكب لنفسه اختصارًا رائعًا: لن تضطر السفن الأوروبية بعد الآن إلى الالتفاف على إفريقيا للوصول إلى آسيا.
يومان من الاحتفالات انطلقا في نفس الأمسية في روعة وبذخ لا يصدق ارادها نائب الملك في مصر، إسماعيل باشا. ولاستقبال رؤساء أوروبا المتوجين -منهم إمبراطور النمسا، فرانز جوزيف، وأمير بروسيا، وأميرة هولندا ... -أقام قصرًا في غضون أشهر قليلة على كثبان الإسماعيلية. وتم نصب المئات من الخيام حوله. يجب إطعام وترفيه آلاف الضيوف، نزلوا من 77 سفينة سارت وراء “النسر” الفرنسي في الممر البحري الجديد. للحفل الراقص الذي تم تنظيمه على شرفها، ارتدت أوجيني دي مونتيجو، فستانًا من الساتان الكرزي المغطى بالدانتيل، ودبابيس الماس تمسك ذيل ثوبها. الصحافة، التي دعاها الخديوي المصري بتكلفة كبيرة، تاهت في همس ووشوشة حول الملكة “المبهرة والمشعة”، البالغة من العمر 43 عامًا. لقد لاحظ جميع المراقبين: استعادت الإمبراطورة ابتهاجها، الذي فقدته في المؤامرات الباريسية. بعد عشرين عامًا من الحكم، اقتحم ظل الزوال قصر الإليزيه، وكان نابليون الثالث مريضًا جدًا ومنشغلًا بما لم يتح له بان يكون في الرحلة، وسمح لزوجته بالذهاب بمفردها، واثقًا من أنها ستعرف كيف تعطي وجهًا أكثر صحة وجمالا من وجهه.
روائع وبؤس الليالي الشرقية
مساء يوم 18 نوفمبر، احتفل ما بين 5 الاف إلى 6 الاف ضيف بالأعراس البحرية في الشرق والغرب. تحت تألق أضواء البنغال الملونة، اختلطت العباءات والبرانيس والقفاطين بالقبعات العلوية والمعاطف والفساتين المنفوخة... أهل الصحراء وأهل نادى الجوكي. من بعيد، يكمل قرع الطبول انتشاء الضيوف، ويتأرجح الرسام أوجين فرومنتين، الذي كان من بين ركاب السفينة مع فنانين آخرين، يتأرجح بين الافتتان والضيق. “نحن في قلب رواية ألف ليلة وليلة، ترف وفخامة غير مسبوقة، وكل هذا وسط الرمال ... مزيج رائع من الكماليات الزائدة عن الحاجة والخارقة للعادة، مع بؤس كبير. «
أليس هذا كثيرا؟ كاتب عمود، لاذعا أكثر من الآخرين، توقّف عند اثنين من زعماء البدو الطاعنين في السنّ تركت الشمس اثارها على بشرتهما: “يبدو أنهما يتساءلان ان لم يكن المشهد المذهل الذي يشاهدانه في صحرائهم، التي كانت صامتة ذات يوم، حلم حشيش».
السراب الاخير للإمبراطورية الفرنسية
كل ما ينقص هذه اللوحة هو موسيقى “عايدة”، لكن جوزيبي فيردي لم يتمكن من إنهاء الأوبرا التي أمر بها نائب الملك في الوقت المناسب. في الساعة الواحدة صباحًا، تم تقديم عشاء فخم، أعده 500 طاهٍ عربي وأوروبي. ثلاثة وعشرون طبقًا تتالى، منها “سمك من لقاء البحرين” أو “قريدس السويس مع الجرجير».
بعد التجول في الكثبان الرملية على ظهر جمل، ركبت أوجيني السفينة عائدة إلى خليج السويس، حيث رست في 20 نوفمبر. مأدبة أخيرة قبل العودة إلى بورسعيد، ثم إلى فرنسا، حيث تنتظرها مصائب كثيرة: الهزيمة ضد بروسيا، سقوط نابليون الثالث، المنفى، موت زوجها ... بالنسبة للإمبراطورية، كانت هذه الرحلة إلى أرض الفراعنة هي السراب الأخير.
للقراءة: “يوجيني، الإمبراطورة الأخيرة”، بقلم جان دي كارز، منشورات بيرين ، سلسلة تيمبوس.
-- تم تقديم عشاء فخم، أعده 500 طاهٍ عربي وأوروبي وتتالى ثلاثة وعشرون طبقًا
-- ضيفة الشرف في تلك الاحتفالات، زوجة نابليون الثالث التي تخاف البحر ولكنها فتنت بالفخامة المعروضة
-- عند عودتها كانت تنتظرها مصائب كثيرة: الهزيمة ضد بروسيا، سقوط نابليون الثالث، المنفى، موت زوجها
مثل سلسلة من التلال عالقة عبر المضيق ... جنحت سفينة “إيفر جيفن”، التي يبلغ ارتفاعها 400 متر وأكثر من 220 ألف طن، والتي كانت متجهة إلى روتردام من ميناء يانتيان الصيني، مساء الثلاثاء الماضي، في قناة السويس، ضحية هبوب عاصفة من الرياح. توقفت حركة المرور على الفور. حجم سفينة الحاويات الضخمة عقّد عمليات التخليص، مما ادى هذا إلى إبطاء التجارة البحرية (8 بالمائة من حركة المرور العالمية) لأيام، على الطريق التجاري الشهير الذي يربط أوروبا بآسيا، وتم افتتاحه في نوفمبر 1869.
الأربعاء، 17 نوفمبر 1869، لم يتقدم تشارلز جول دي سيرفيل بسرعة. يقف القبطان في قمرة قيادة “النسر”، ويحدّق يقظًا ومنتبها. لقد تمكن بطريقة ما من الالتفاف على المنحنيات، ومراوغة العمق الضعيف لقناة السويس الجديدة، لتجنب جنوح بائس. لكن ما هي مخاوفه! التقرير الذي أرسله إلى وزير البحرية يقول محنته: “إن المرور في القناة يتطلب دقة رياضية حقيقية. وأدنى انحراف، والحتمي تقريبًا بسبب ارتداد المياه التي يسببها التلاطم، يكفي لإعلان الجنوح. «
على متنه، بالكاد تشعر الإمبراطورة أوجيني بالاطمئنان. أمضت يومها تتفحص الدواليب وهي تضرب المياه الرملية، ولتخيّل الأسوأ... مناورة خاطئة من قبل سيرفيل يوم افتتاح هذه القناة التي هي عرّابتها الرسمية؟ سيصبح زوجها، نابليون الثالث، أضحوكة العالم بأسره. عندما وصلت السفينة، البالغ طولها أكثر من 100 متر، أخيرًا الى الضفاف الأقل ضيقًا لبحيرة التمساح في الساعة 5 مساءً، كان ارتياحها باديا الى درجة أنها لم تستطع كبح نوبة من الدموع.
عشر سنوات من العمل الجاد تحت أشعة شمس حارقة
بعد ان استعادت هدوءها، لوحت بمنديلها من أعلى سطح السفينة. على مرتفعات الإسماعيلية، قرية الصيادين التي حوّلها نائب الملك في مصر إلى مدينة أوروبية لتلبية احتياجات القناة، ردّ على تحيتها 100 ألف شخص بحماس، حماس طيّر القبعات. متأثرة جدا بحفاوة الاستقبال، توجهت لابن عمها، فرديناند دي ليسبس، الذي ظل وراء الامبراطورة، لتمسك بيده وترفعها أمام الحشد.
قبل أن يكون الحدث دليلاً ساطعًا على النفوذ الفرنسي، فهو قبل كل شيء انتصاره. انها فكرة رجل أعمال صاحب رؤية، تصوّر مشروعًا مجنونًا لشريط مائي بطول 193 كيلومترًا في وسط الصحراء.
عند غروب الشمس، تقاطعت ثلاث سفن قادمة من السويس جنوبي القناة مع “النسر” الذي غادر في نفس الصباح من بورسعيد شمالا. بعد عشر سنوات من العمل الجاد تحت شمس سيناء التي لا ترحم، أصبحت الملاحة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ممكنة في كلا الاتجاهين. وأهدى الكوكب لنفسه اختصارًا رائعًا: لن تضطر السفن الأوروبية بعد الآن إلى الالتفاف على إفريقيا للوصول إلى آسيا.
يومان من الاحتفالات انطلقا في نفس الأمسية في روعة وبذخ لا يصدق ارادها نائب الملك في مصر، إسماعيل باشا. ولاستقبال رؤساء أوروبا المتوجين -منهم إمبراطور النمسا، فرانز جوزيف، وأمير بروسيا، وأميرة هولندا ... -أقام قصرًا في غضون أشهر قليلة على كثبان الإسماعيلية. وتم نصب المئات من الخيام حوله. يجب إطعام وترفيه آلاف الضيوف، نزلوا من 77 سفينة سارت وراء “النسر” الفرنسي في الممر البحري الجديد. للحفل الراقص الذي تم تنظيمه على شرفها، ارتدت أوجيني دي مونتيجو، فستانًا من الساتان الكرزي المغطى بالدانتيل، ودبابيس الماس تمسك ذيل ثوبها. الصحافة، التي دعاها الخديوي المصري بتكلفة كبيرة، تاهت في همس ووشوشة حول الملكة “المبهرة والمشعة”، البالغة من العمر 43 عامًا. لقد لاحظ جميع المراقبين: استعادت الإمبراطورة ابتهاجها، الذي فقدته في المؤامرات الباريسية. بعد عشرين عامًا من الحكم، اقتحم ظل الزوال قصر الإليزيه، وكان نابليون الثالث مريضًا جدًا ومنشغلًا بما لم يتح له بان يكون في الرحلة، وسمح لزوجته بالذهاب بمفردها، واثقًا من أنها ستعرف كيف تعطي وجهًا أكثر صحة وجمالا من وجهه.
روائع وبؤس الليالي الشرقية
مساء يوم 18 نوفمبر، احتفل ما بين 5 الاف إلى 6 الاف ضيف بالأعراس البحرية في الشرق والغرب. تحت تألق أضواء البنغال الملونة، اختلطت العباءات والبرانيس والقفاطين بالقبعات العلوية والمعاطف والفساتين المنفوخة... أهل الصحراء وأهل نادى الجوكي. من بعيد، يكمل قرع الطبول انتشاء الضيوف، ويتأرجح الرسام أوجين فرومنتين، الذي كان من بين ركاب السفينة مع فنانين آخرين، يتأرجح بين الافتتان والضيق. “نحن في قلب رواية ألف ليلة وليلة، ترف وفخامة غير مسبوقة، وكل هذا وسط الرمال ... مزيج رائع من الكماليات الزائدة عن الحاجة والخارقة للعادة، مع بؤس كبير. «
أليس هذا كثيرا؟ كاتب عمود، لاذعا أكثر من الآخرين، توقّف عند اثنين من زعماء البدو الطاعنين في السنّ تركت الشمس اثارها على بشرتهما: “يبدو أنهما يتساءلان ان لم يكن المشهد المذهل الذي يشاهدانه في صحرائهم، التي كانت صامتة ذات يوم، حلم حشيش».
السراب الاخير للإمبراطورية الفرنسية
كل ما ينقص هذه اللوحة هو موسيقى “عايدة”، لكن جوزيبي فيردي لم يتمكن من إنهاء الأوبرا التي أمر بها نائب الملك في الوقت المناسب. في الساعة الواحدة صباحًا، تم تقديم عشاء فخم، أعده 500 طاهٍ عربي وأوروبي. ثلاثة وعشرون طبقًا تتالى، منها “سمك من لقاء البحرين” أو “قريدس السويس مع الجرجير».
بعد التجول في الكثبان الرملية على ظهر جمل، ركبت أوجيني السفينة عائدة إلى خليج السويس، حيث رست في 20 نوفمبر. مأدبة أخيرة قبل العودة إلى بورسعيد، ثم إلى فرنسا، حيث تنتظرها مصائب كثيرة: الهزيمة ضد بروسيا، سقوط نابليون الثالث، المنفى، موت زوجها ... بالنسبة للإمبراطورية، كانت هذه الرحلة إلى أرض الفراعنة هي السراب الأخير.
للقراءة: “يوجيني، الإمبراطورة الأخيرة”، بقلم جان دي كارز، منشورات بيرين ، سلسلة تيمبوس.