رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
حوار «معقَّد» بين موسكو وواشنطن.. تقدم بطيء وسط تعارض المصالح في أوكرانيا
تحولت الحرب في أوكرانيا إلى اختبار طويل النفس لإرادات سياسية متعارضة، تُدار خلف الأبواب المغلقة بقدر ما تُحسم على أرض الميدان، خاصة في شهر ديسمبر-كانون الثاني الحالي.
وبدا المشهد الدبلوماسي أكثر نشاطًا من أي وقت مضى، وفي الوقت ذاته أكثر تعقيدًا وهشاشة، مع قنوات اتصال لا تنقطع بين واشنطن وموسكو، دون أن تُترجم بعد إلى اختراق حاسم يطوي صفحة الحرب المستمرة منذ قرابة 4 أعوام.
وشهد الشهر الأخير من العام سلسلة لقاءات وُصفت بالتاريخية، كان أبرزها الاجتماع المطول بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موسكو، حيث ناقش الطرفان الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب.
ووصف بوتين المهمة التي يتولاها ترامب بأنها معقدة وصعبة، معتبرًا أن تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس أمرًا يسيرًا، مع إبداء استعداد للتعاون مع المساعي الأمريكية، مقابل تحفظات واضحة على بعض بنود الخطة المقترحة.
في المقابل، قدم ترامب صورة مزدوجة للمشهد: تفاؤل حذر يقابله إحباط معلن من مواقف موسكو وكييف على حد سواء، وتحدث عن اقتراب غير مسبوق من التوصل إلى اتفاق، لكنه أقر في الوقت نفسه بأن الطرفين يتراجعان، مرارًا، بعد إبداء الاستعداد للتفاهم.
وشددت المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية على أن الرئيس لم يعد مهتمًا باجتماعات شكلية بلا نتائج، وأنه بات يطالب بخطوات عملية.
وعزز هذا الموقف وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أقر بإحراز تقدم، لكنه وصف المرحلة الحالية بأنها الأصعب، حيث تتقاطع القضايا الأمنية مع حسابات السيادة والنفوذ.
وذهب المندوب الأمريكي لدى حلف الناتو أبعد من ذلك، معتبرًا أن معظم القضايا العالقة جرى حلها بالفعل، وأن جوهر الخلاف المتبقي يتمحور حول طبيعة الأرض وترتيباتها، سواء عبر مناطق منزوعة السلاح أو صيغ اقتصادية خاصة، في إشارة واضحة إلى أن ملف الحدود بات العقدة المركزية أمام أي تسوية.
أما الكرملين فحرص على إظهار مرونة مدروسة، إذ أعلن بوتين استعداد بلاده لوقف النزاع فورًا مقابل ضمانات أمنية واضحة، مؤكدًا أن الكرة باتت في ملعب الغرب وأوكرانيا، وأن موسكو لا ترى استعدادًا أوكرانيًا حقيقيًا للتسوية، متهمًا كييف بعدم الرغبة في إنهاء النزاع بالوسائل السلمية.
وأكد الكرملين استمرار الاتصالات مع واشنطن لفهم مدى التغير في الأطروحات الأمريكية، واصفًا الموقف الأمريكي بالحاسم والواقعي، مع تركيز واضح على الولايات المتحدة باعتبارها الطرف القادر على الحسم، مقابل انتقادات أوروبية وُصفت بالساعية إلى إطالة أمد الحرب.
وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الروسي إلى تفاهمات مبدئية مع واشنطن حول حياد أوكرانيا وعدم امتلاكها أسلحة نووية، بينما تحدث نائب وزير الخارجية عن تقدم بطيء لكنه قائم، في إقرار ضمني بصعوبة المرحلة.
وتبقى مسألة الأراضي العقبة الأثقل وزنًا، خاصة أن موسكو تعتبر دونباس وزاباروجيا وخيرسون أراضي روسية غير قابلة للتفاوض، وترفض كييف أي انسحاب من المناطق التي لا تزال تسيطر عليها.
إلى جانب ذلك، يبرز ملف انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وحجم قواتها المسلحة، ومستقبل محطة زاباروجيا النووية، والأصول الروسية المجمدة، وحتى مسألة اللغة الروسية، كعناصر خلافية تعكس عمق الصراع، وليس مجرد تفاصيل تفاوضية.
وفي السياق ذاته، يتصاعد القلق الأوروبي مع مخاوف من صفقة أمريكية روسية لا تراعي المصالح الأوروبية أو الأوكرانية بالكامل.
عرض وطلب
وقال مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات إبراهيم كابان، إن «ما يجري حاليًا في ملف المفاوضات الأوكرانية يعكس في جوهره معادلة عرض وطلب بين واشنطن وموسكو، وإن الولايات المتحدة كانت تعتقد أن التحرك ضمن مسار ينسجم مع مصالح إدارة ترامب سيدفع أوروبا إلى القبول بهذه التوجهات».
وأشار كابان، في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز»، إلى أن «أوروبا فاجأت ترامب، وكانت الطرف الذي تحمل الكلفة سياسيًا بعدما رفعت في وجهه البطاقة الحمراء وطالبت موسكو بتنفيذ شروط محددة».
وأضاف أن «تبني واشنطن لهذه الشروط وطرحها، رسميًا، قوبل بتراجع روسي، لأن موسكو كانت تسعى إلى خداع الولايات المتحدة بهدف تثبيت أقدامها داخل الأراضي الأوكرانية».
ولفت كابان، إلى أن الموقف الأوروبي شكّل نقطة تحول لافتة، لا سيما في الشرق الأوكراني، حيث برز خلاف حول النقاط التي كان يطرحها ترامب، مؤكدًا أن أوروبا رفضت بشكل قاطع السماح لروسيا بالاستحواذ على مساحات واسعة داخل أوكرانيا.
وأوضح أن هذا الرفض دفع الولايات المتحدة إلى مطالبة موسكو بالتراجع عن مطالبها، ما أدى إلى بدء تعديل في الخطة الأمريكية التي كان يروج لها ترامب، في مقابل لجوء روسيا إلى قصف مواقع أوكرانية إستراتيجية، في خطوة اعتُبرت خروجًا عن إطار الشروط المتفق عليها، وكشفًا لما وُصف بالخديعة الروسية، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إعادة تقييم موقفها والتراجع عن التعاطي السابق مع الطرح الروسي.
أفضل المكاسب
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور توفيق حميد، إن فرص التراجع في القنوات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو لم تنحسر، موضحًا أن ما تشهده الساحة الأوكرانية يعكس حالة شد وجذب سياسي ودبلوماسي في كل مرحلة.
واعتبر حميد لـ»إرم نيوز»، أن «كل طرف يسعى إلى تحقيق أفضل مكاسب ممكنة ضمن إطار الصراع القائم، وأن هذا المسار، رغم حدته، يتجه في النهاية نحو توازن سياسي يقود إلى إنهاء الحرب».
وأضاف أن هذا «التوجه سيجبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تقديم تنازلات».
ورأى حميد، أن «توافق المواقف بين الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا سيجعل من الصعب على زيلينسكي، وحتى على الدول الأوروبية، الاستمرار في دعم أوكرانيا منفردين». وأوضح أن «كييف ستُضطر في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات تتعلق بإقليم دونباس مقابل الحصول على ضمانات أمنية، في وقت باتت فيه روسيا منهكة من حرب تقترب من نهاية عامها الرابع تحت وطأة العقوبات الغربية».
ولفت إلى أن المفاوضات لا تزال قائمة، مستشهدًا بالمباحثات التي جرت بين الوفود الروسية والأمريكية في ميامي بولاية فلوريدا.
واعتبر حميد، أن «المسار يتجه نحو حل سياسي قد يستغرق وقتًا».