اعتبروا الرياضة أداة داعمة لاستراتيجية القوة الناعمة

خبراء دوليون يؤكدون في ندوة تريندز أن الدبلوماسية الرياضية وسيلة لتقوية العلاقات الدولية وإرساء السلام والاستقرار

خبراء دوليون يؤكدون في ندوة تريندز أن الدبلوماسية الرياضية وسيلة لتقوية العلاقات الدولية وإرساء السلام والاستقرار


أكد خبراء وباحثون دوليون مشاركون في ندوة «الدبلوماسية الرياضية كأداة من أدوات القوة الناعمة: الفرص والتحديات»، التي نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات - «مكتب دبي»، أن الرياضة أداة فعالة في تقوية العلاقات الدولية، ووسيلة ناجعة لإرساء دعائم السلام والاستقرار، والإسهام في تحقيق التنمية البشرية، ونشر ثقافة التسامح والتعايش وتقبل الآخر.
وأشار المشاركون في الندوة عن بُعد، والتي تأتي ضمن سلسلة من الجلسات الحوارية والندوات والمحاضرات العلمية والبحثية التي ينظمها «تريندز - مكتب دبي»، وأدار محاورها ومناقشاتها الدكتور محمد فريد عِزّي مستشار قطاع الباروميتر العالمي في «تريندز»، إلى أن الرياضة ركيزة أساسية في تشكيل الهويات الوطنية للدول، حيث تعزز روح الولاء والانتماء والوحدة، وتقوي التلاحم المجتمعي.

تعزيز الهوية
واستهل الندوة، علي آل علي، اختصاصي أول شَراكات في «تريندز»، بإلقاء الكلمة الترحيبية نيابة عن الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، قال فيها: إنه يُنظر إلى الرياضة على نطاق واسع على أنها عنصر من عناصر القوة الناعمة، مما يسمح للدول بإبراز صورتها الدولية وإظهار مزاياها للجمهور العالمي، كما ازداد استخدام مفهوم الدبلوماسية الرياضية خلال العقدين الماضيين، وأرسى هذا المفهوم أسس علاقات طويلة الأمد بين الشعوب.
وأشار إلى أنه على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، تعتبر الرياضة أداة مهمة يمكن من خلالها بناء علاقات جديدة بين دول المجلس وتعزيز هويتها الخليجية المشتركة، كما يمكن استخدامها على نطاق دولي لتحسين العلاقات الخارجية لدول الخليج، نظرًا إلى أن الرياضة أصبحت أداة شائعة للقوة الناعمة، وتُستخدم كوسيلة للدول لتقوية روابطها الدولية وبناء جسور سياسية وثقافية واقتصادية جديدة بين البلدان، مؤكداً أن الدبلوماسية الرياضية أصبحت مكون أصيل للقوة الناعمة، التي تستخدمها الدول لتعزيز جاذبيتها.

روح الانتماء والولاء
وقال يعقوب السعدي، رئيس قنوات أبوظبي الرياضية، أن الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية يمكن حلها والتغلب عليها عبر الرياضة، ولكن تظل ممارسة الأنشطة الرياضية في الوطن العربي ضعيفة، ومع ذلك يوجد في العالم العربي أغلبية كاسحة تتابع الأحداث الرياضية العربية على مختلف وسائل الإعلام، وهذه المتابعة تؤكد على روح الانتماء والولاء.
وأشار السعدي إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أولت الرياضة الكثير من الاهتمام والعناية، من حيث تنظيم البطولات العالمية والأحداث الرياضية الكبرى، إلى جانب الاهتمام بالبنية التحتية الرياضية القوية والجاهزة لاستضافة مختلف الأنشطة العالمية، فضلاً عن تعزيز نمط حياة صحي عبر ممارسة الرياضة وجعلها أسلوب حياة وفعلًا يوميًا.
 مؤكداً أن تنظيم بطولة كأس العالم في دولة قطر سيكون له آثار إيجابية كبرى، قد لا تظهر في الوقت الراهن، بل ستبدأ في الظهور في المستقبل القريب، ومع جملة المكاسب اللوجيستية التي حظيت بها قطر عبر تنظيمها كأس العالم، سيصبح من السهل على قطر ودول المنطقة العربية استضافة الأحداث الرياضية العالمية الكبرى، لما تتمتع به المنطقة من بنية تحتية رياضية قوية وجاهزة.

اقتصاد جيوسياسي
بدوره، أوضح الدكتور سيمون تشادويك أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي، ومدير برنامج الماجستير في إدارة الأعمال الرياضية بكلية سكيما، في محور «الاقتصاد الجيوسياسي لاستضافة قطر لكأس العالم»، أن الفكر النفعي الأوروبي سيطر على الرياضة في القرن التاسع عشر، حيث صورها على أنها منفعة عامة، ولاتزال أسس الرياضة الحديثة تعتمد على هذا التصور، مضيفًا أنه بعد سلسلة من التغييرات الهائلة في العالم، أصبحت وجهات النظر النفعية والكلاسيكية قديمة وعفا عليها الزمن، وقد أبرزت هذه التحولات الحاجة إلى رؤية جديدة للرياضة لتصبح «اقتصادًا جيوسياسيًا»، إذ تعد استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022 مثالًا واضحًا على تطبيق الاقتصاد الجيوسياسي الذي تقوده قطر.
وذكر أن بطولة كأس العالم قدمت منصة للحكومة القطرية لمتابعة مجموعة من نتائج بناء الدولة والعلاقات الدولية، مثل الدبلوماسية الدولية المعززة، مبينًا أنه عند النظر إلى كأس العالم باعتباره اقتصادًا جيوسياسيًا، هناك دروس مهمة تتعلق بالدول التي تستثمر في الرياضة، ويتضمن ذلك كيفية تكوين عناصر الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بصياغة الرؤية والاستراتيجية وتنفيذها.
 قوة المونديال الناعمة
من جانبها، تحدثت الدكتورة دينا جاليفا الباحثة الزائرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، في محور «مونديال قطر 2022: قوة ناعمة أم مستأجَرة؟»، عن استضافة دولة قطر للنسخة الثانية والعشرين من كأس العالم في الفترة ما بين 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر 2022، موضحة أن الأكاديميين أَولَوا الكثير من الاهتمام لهذا الحدث الاستثنائي، حيث قدموا تفسيرات نظرية واسعة النطاق من قبل علماء دول مجلس التعاون الخليجي، في حين اعتبرت معظم التحليلات عرض قطر مثالًا على القوة الناعمة الناجحة، أو استراتيجية العلامة التجارية الوطنية.
وأشارت إلى أن الأكاديمي توماس بوني جيمس من جامعة قطر، شكك في تأثير الاعتماد المفرط على القوة الناعمة في تأثير الدولة على المدى الطويل. وفي المقابل، يرى بول براناغان، وريتشارد جوليانوتي أن جهود قطر لإبراز القوة الناعمة من خلال استضافة كأس العالم 2022 أدت بدلًا من ذلك إلى «إضعاف ناعم»؛ بسبب الانتقادات التي وجهت إليها. كما أن القوة المستأجَرة هي القوة التي تستخدمها دولة تتمتع بموارد جيدة لدعم جهة فاعلة من غير الدول مقابل الوصول إلى التأثير الانتقالي للأخيرة.

الدبلوماسية الرياضية
إلى جانب ذلك، سلطت آمنة موصلي، الباحثة في مركز الخليج للأبحاث، في مداخلتها الضوء على «الدبلوماسية الرياضية في دول مجلس التعاون الخليجي: كأس العالم في قطر»، مؤكدة أن كرة القدم لطالما كانت أكثر من مجرد رياضة في دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت أحد أهم المساهمين في تشكيل الهويات الوطنية وتعزيز الوحدة والتلاحم المجتمعي، حيث كان يُنظر إلى كرة القدم بانتظام على أنها وسيلة للتضامن الوطني وتقوية الروابط الثقافية داخل المجتمعات.
وذكرت أن قطر الآن هي أول دولة في المنطقة تستضيف فعاليات كأس العالم لكرة القدم، ومن المتوقع أن يعزز الحدث الوحدة واللُّحمة وتقوية العلاقات بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تشهد آثارًا إيجابية غير مباشرة من البطولة، من حيث زيادة الإيرادات في شركات الطيران المحلية والفنادق وأماكن الضيافة ووكالات السفر.

تعزيز صورة الدول
أما الدكتور ميشال كوبيريكي الأستاذ المساعد، وممثل العميد للدراسات الدولية والسياسية في كلية الدراسات الدولية والسياسية بجامعة لودز، فتناول «الدبلوماسية الرياضية كأداة لتعزيز الصورة الدولية للدول»، موضحًا أنه يُنظر إلى الرياضة على نطاق واسع على أنها عنصر من عناصر القوة الناعمة، مما يسمح للدول بزيادة صورتها الدولية وإبراز مزاياها للجمهور الدولي.
وقال إن هناك العديد من الأساليب الرئيسية لاستخدام الرياضة كأداة للترويج للدولة على الصعيد الدولي، وهي تشمل استضافة الأحداث الرياضية، والأداء الرياضي للنخبة، والمشاركة في المسابقات والفعاليات الرياضة الدولية، والاستثمارات الرياضية، والاستفادة من الرياضيين والبطولات المعروفة عالميًا، وتقديم مساعدات للتنمية الرياضية، والتبادلات الرياضية، فجميع هذه الأدوات تسهم في تحسين صورة الدول أمام المجتمع الدولي.