ترى أنها تساعد على استيعاب الأحداث نادرة الحدوث

دراسة لـ «تريندز » تستعرض مفاهيم حروب البجع الأسود ودلالاتها

دراسة لـ «تريندز » تستعرض مفاهيم حروب البجع الأسود ودلالاتها


تستعرض دراسة حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، مهنة غير متداولة في الكتابات العربية رغم أنها تعتبر من أهم المهن في الجيوش والمؤسسات الأمنية بل وفي الجامعات ومراكز البحوث الغربية، وهي ما يمكن أن يُطلق عليه «صائد البجع الأسود»، بمعنى الباحث القادر على استشراف ما لا يمكن توقعه عادة، وذلك من خلال تحليل ما يتفرد به عن بقية الباحثين، كما تشرح الدراسة كيف تحولت مهمة صائد البجع الأسود، في بعض الأحيان، إلى صانع للبجع الأسود، بمعنى أن يوجِد أحداثاً يصعب، وفي بعض الأحيان يستحيل، على الآخر توقعها، وذلك لتحفيز البيئة المناسبة لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية وعسكرية، فيما يمكن أن يعرف بـ «حروب البجع الأسود».
وذكرت الدراسة، التي تحمل عنوان: «حروب البجع الأسود»، وأعدها الدكتور وائل صالح، الباحث الرئيسي في برنامج دراسات الإسلام السياسي، أن مفهوم البجع الأسود يساعد على فهم الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية شديدة التعقيد ونادرة الحدوث واستيعابها، حيث تكون غير واردة في قاموس التوقعات، ويستخدم المفهوم للتدليل على أحداث تتسم بأنها تقع خارج حدود التوقعات الطبيعية، وفي حال وقوعها يكون لها الأثر الشديد، ورغم عدم توقعها للمرة الأولى، فإن الطبيعة البشرية تجعل تقبُّل فكرة تكرارها بعد وقوعها، وأنها قابلة للتنبؤ ويمكن تفسيرها.

استشراف المستقبل
وأشارت الدراسة إلى أن صائد البجع الأسود يتجنب أن يكون أولاً مجرد «جامع للإحصاءات» التي يخدع بها نفسه والآخرين، أو أن يكون «الباحث الأفلاطوني» الذي يلجأ إلى نظريات ليرى الواقع من خلالها، وذلك على الرغم من كونها، كانت من الأساس أو باتت بمرور الزمن، منفصلة تماماً عن واقع الظاهرة محل البحث، وذلك ليخدع نفسه والآخرين أيضاً، وكلاهما (جامع الإحصاءات والباحث الأفلاطوني) بالنسبة إلى صائد البجع الأسود لا يبذل أي جهد لتسليط الضوء على واقع الظاهرة محل البحث، ويفتقر إلى الخيال اللازم لاستشراف مستقبل الظاهرة.
وبيّـنت الدراسة كذلك أن إعداد صائدي البجع الأسود أكاديمياً في الكثير من الدول الغربية يتم بشكل مستدام غير منقطع، فصائد البجع الأسود هو متعلم دائم، وهو في الوقت ذاته معلم لآخرين، في دائرة من التعلم المستدام والتشاركي، وهناك كُتب تتناول بشكل مباشر أو غير مباشر أسس تكوين صائدي البجع الأسود وإعدادهم.
صانعو البجع الأسود
وأكدت الدراسة أن هناك من الباحثين من يسمي الظواهر محل البحث وفقاً لرؤيته لها، وهناك من يسميها كما هي، وهناك من لا تكون الظاهرة موجودة حتى يسميها، وفصيل كبير من هذا الصنف الأخير يُعتبر من صانعي البجع الأسود، ولا أدل على وجود ما يمكن تسميته بصانعي البجع الأسود من تواتر الأحداث التي يُطلق عليها البجعات السوداء ومنها: معركة واترلو، والحرب العالمية الثانية، واكتشاف شبكة الإنترنت، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وفيروس كورونا المستجد، وتلك الأحداث الأخرى كلها التي تتشارك السمات التالية: «كانت أحداثاً خارج نطاق التوقّعات المألوفة، ولها تأثيرات بالغة الشدة والعمق، وعادة ما يؤرخ لما قبلها بشكل منفصل عما بعدها، وبعد حدوثها تظهر كأنها كانت قابلة للإدراك والتوقع»، وآخر ما وصف ببجعة سوداء كان الصراع الروسي -الأوكراني.
مصالح سياسية
وأوضحت الدراسة أن صانع البجع الأسود يعتقد في نهاية الأمر بأن المستقبل لا يُستشرف ولكنه يُصنع، ومن أجل ذلك فهو يعمل على صناعة البجع الأسود لمنافسيه؛ لتحفيز البيئة المناسبة لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية وعسكرية تتماشى مع مصالح الجهة التي يعمل فيها، وبما أن المؤسسات والدول والجهات متعارضة المصالح تسعى إلى ترجيح كفة مصالحها وفرض إرادتها فإنها عادة ما تلجأ لما يمكن تسميته بـ «حروب البجع الأسود»، التي هي نوع من ممارسة السياسة بوسائل أخرى.