في مواجهة التصعيد الصيني

دعم تايوان محور استراتيجي للسياسة الأوروبية...!

دعم تايوان محور استراتيجي للسياسة الأوروبية...!

-- انقلاب ميزان القوى بين واشنطن وبكين سيؤدي إلى اضطراب الاقتصاد العام للتجارة البحرية
-- لم تعد الصين تتحمّل أي مقاومة وتحدّ لهيمنتها في منطقتها، التي يتوسع إطارها الجغرافي باستمرار
-- طالما أن بكين قادرة على ثني تايبيه عن اتخاذ خطوة الاســتقلال، فسـيتم تأجيل أي عمل عسـكري رسـمي
-- على الأوروبيين زيادة مستوى الرد من خلال تبني استراتيجية حقيقية مستقلة بين المحيطين الهندي والهادئ


   يقوم القادة الصينيون بتصعيد المناورات التي تهدف إلى تأمين هيمنتهم في حديقتهم الخلفية الآسيوية، ويستهدف التهديد بشكل خاص تايوان. بالنسبة لبكين، سيكون اندماجها في جمهورية الصين الشعبية أكثر من مجرد رمز للنجاح النهائي للحزب الشيوعي الصيني، أو تذكيرًا عاطفيًا بالصور التاريخية للصين الكبرى المتخيلة:

إنها ضرورة حيوية مدفوعة بالاعتبارات الجيواستراتيجية بقدر ما يدفعها التنافر المتزايد في العلاقات مع واشنطن. وفي مواجهة هذا الاحتمال، يجب على الأوروبيين زيادة مستوى ردهم من خلال تبني استراتيجية حقيقية مستقلة بين المحيطين الهندي والهادئ.
   غداة تنصيب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة، في 21 يناير 2021، احتفال حضرته لأول مرة منذ عام 1979، ممثلة البعثة الدبلوماسية التايوانية في واشنطن، السيدة هسيا بيهين، صعّدت بكين لهجتها، ووضعت إطارًا لعلاقاتها مع القوة الأمريكية: لقد عزز وباء كوفيد-19 الاتجاه نحو تحول في ميزان القوى بين الأمريكيين والصينيين لصالح الأخيرين؛ ولم يعد هؤلاء يتحمّلون أي مقاومة وأي تحد لهيمنتهم في منطقتهم، التي يتوسع إطارها الجغرافي باستمرار.

   وتؤكد المناورات التي قامت بها جمهورية الصين الشعبية منذ ذلك التاريخ هذه الأطروحة، ومن المتوقع أن تستمر طوال عام 2021، عام مئوية الحزب الشيوعي الصيني.
   وهكذا، في 23 و24 يناير 2021، نفذت طائرات سلاح الجو الصيني عمليتي توغل جماعي بترتيب متقطع في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، بين جنوب جزيرة فورموزا وجزيرة باتراس؛ الأولى ضمّت مجموعة قاذفات قادرة على حمل أسلحة نووية وسربها. وعشيّة تلك العملية، على جانبها الغربي، في جبال الهيمالايا، التي تعتبر سيطرة عليها قضية استراتيجية لبكين، وكان هناك صدام جديد بين الوحدات الهندية والصينية عند ممر ناكو لا، الذي يربط سيكيم بالتبت.

   في الوقت نفسه  ، كانت القوات الجوية الهندية تجري تمرينا مع نظيرتها الفرنسية، واكتشفت دلهي، عبر صور الأقمار الصناعية، وجود قرية صينية على جانبها من خط مكماهون، لم تعترف بها بكين.
   بعد ثلاثة أيام، من 27 يناير، على جانبها الجنوبي، في الوقت الذي أكملت فيه البارجة يو إس إس ثيودور روزفلت عملية في بحر الصين الجنوبي (عمليات حرية الملاحة من 23 إلى 26 يناير 2021)، أعلنت بكين إغلاق المدخل من خليج تونكين حتى 30 يناير. السبب: تنظيم مناورة بحرية بالقرب من الساحل الفيتنامي حيث يجتمع القادة المحليون، الذين تراودهم واشنطن، في المؤتمر الوطني الثالث عشر (25 يناير -2 فبراير).

   ومن بين هذه العمليات التي قامت بها بكين، تعدّ تلك الموجهة لتايوان هي الأهم، اذ تشكل جزيرة فورموزا النقطة المحورية لسياسة الصين الشعبية في المنطقة.
   بالنسبة للقادة الصينيين، فإن دمج تايوان في جمهورية الصين الشعبية هو أكثر من مجرد رمز للنجاح النهائي للحزب الشيوعي الصيني، أو تذكير عاطفي بالصور التاريخية للصين الكبرى المتخيلة: إنه امر حيوي مدفوع باعتبارات جيواستراتيجية أكثر من النمو المتزايد للتوتر في العلاقات مع واشنطن.

   في الواقع، تقع حاملة الطائرات غير القابلة للإغراق هذه قبالة الساحل الصيني وعند التقاطع بين جنوب اليابان وجزر الفلبين والأرخبيل الإندونيسي. لذلك تتخذ فورموزا موقعًا حاسمًا لأي سياسة احتواء للصين القارية وأمنها. وبالتالي، فإن كسر القفل التايواني سيمنح الصين الشيوعية وصولاً حرًا وآمنًا إلى المحيط الهادئ مع قطع خط التحالفات الذي أقامته الولايات المتحدة على جانبها الشرقي. إن إجراء مناورات متكررة في البيئات الجوية والبحرية في مضيق فورموزا، يجعل من الممكن اختبار مستوى وسرعة ومصداقية ردّ تايوان وحلفائها مع إبقاء جهاز دفاع فورموزا تحت الضغط.

حان وقت التخويف
   لطالما اعتبرت بكين توحيد تايوان رهانا بعيدا، لذلك كانت القوى المؤيدة للاستقلال ضعيفة. تغير الوضع منذ تشن شوى بيان ثم تساي إنغ ون. إن رفض “إجماع عام 1992”، وظهور المشاعر المناهضة لبكين، والإدارة الفعالة لوباء كوفيد -19، وحتى نجاحات سياسة الجنوب (التي تهدف إلى تقريب تايبيه من ثمانية عشر دولة آسيوية) وتسريع التقارب مع الولايات المتحدة، مكنت جميعها تايوان من حضور متزايد على الساحة الدولية وهامش أقوى للمناورة، وهو ما لا تستطيع بكين تحمّله والسماح به.

   أيضا، لئن طالما فضلت جمهورية الصين الشعبية التحريض، فقد حان الوقت الآن للاضطراب والتخويف والإكراه –تبقى القوة هي الملاذ الأخير. وإذا كان الخيار الأخير مفتوحًا، فستكون آثاره الاقتصادية والجيوسياسية كبيرة، وستظل هناك شكوك حول قدرة بكين على تأكيد سلطتها على سكان تايوان وتسخير الإمكانات الاقتصادية للجزيرة.
   وطالما أن بكين قادرة على ثني تايبيه عن اتخاذ خطوة الاستقلال، فسيتم تأجيل أي عمل عسكري رسمي. وهذا لن يمنعها من مواصلة مناوراتها المضايقة قصد إخضاعها.

   إن انقلاب ميزان القوى بين واشنطن وبكين الذي سينتج عن ذلك، سيؤدي إلى اضطراب الاقتصاد العام للتجارة البحرية، وبالنسبة للأوروبيين فإن الطريق الشمالي، كبديل لطريق أوروبا -آسيا التقليدي عبر المحيط الهندي، يمكن أن يثبت هشاشته بقدر ما يتعزّز التعاون بين الروس والصينيين.

   وفي مواجهة هذا الاحتمال، يجب على الأوروبيين زيادة مستوى ردهم من خلال تبني استراتيجية حقيقية مستقلة بين المحيطين الهندي والهادئ، مبنية على قيمهم ومصالحهم، من خلال إعادة التأكيد على دعمهم لاستراتيجية المحيط الهندي الحرة والمفتوحة، مثلما صاغتها اليابان، ان لم يكن من خلال تسهيل البناء، وفقًا لصيغة متجددة، لقوس الحرية والازدهار، الذي تم تصوره بين دلهي وطوكيو خلال النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
   يجب جعل تايوان تحتل مكانًا بارزًا في هذه الاستراتيجية الأوروبية المتجددة. ولفرنسا، من منطلق مصالحها في المنطقة، دور رئيسي تلعبه، بالتعاون مع ألمانيا وبريطانيا، على وجه الخصوص، للمشاركة في بناء النظام الإقليمي الليبرالي الجديد الذي في فترة الحمل.

*باحث في معهد توماس مور