دورة باريس 1900.. المنافسات التي غابت في زحام المعرض العالمي

دورة باريس 1900..  المنافسات التي غابت في زحام المعرض العالمي

أرادت فرنسا أن تظهر فخرها بما آلت إليه "إمبراطورية توسّعها" في العالم ولا سيما في إفريقيا. فرأت السلطات العليا أن لا ضير البتة في أن تقام الألعاب الأولمبية الثانية المقرّرة في باريس في إطار المعرض العالمي.
كانت أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها.

وإذا كانت البادرة وقتذاك بريئة، ما غلف الرياضة في السنوات التالية لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الوعي الهادف إلى استغلال الفرص وانتهاز المناسبات متجذّر في التكوين الإنساني على مرّ العصور.

بعد النجاح الذي تميّزت به الألعاب الأولى، اعتقد كثيرون أن أثينا وأولمبيا ستكونان مركزاً دائماً للمنافسات المنبعثة من التاريخ العريق. لكن اللجنة الأولمبية وتكريماً لمؤسس الألعاب الحديثة البارون بيار دو كوبرتان، ارتأت أن تقام الألعاب التالية عام 1900 في فرنسا وتحديداً في العاصمة باريس.

انطلقت المنافسات في 20 أيار/مايو واستمرت حتى 28 تشرين الأول/أكتوبر، كونها ذابت في المعرض العالمي. وشارك فيها 997 رياضياً بينهم 22 امرأة من 24 بلداً. والبلدان الجديدة في عائلة المسابقات هي: بلجيكا وبوهيميا وهايتي وإسبانيا وإيطاليا وكندا وهولندا والنروج، والهند أوّل بلد آسيوي في الألعاب التي شهدت مسابقات في الدراجات والجمباز والغولف والتجذيف والفروسية والكريكيت والسلاح وألعاب القوى واليخوت والسباحة والركبي والرماية وكرة المضرب وكرة القدم. وتبارت السيدات في كرة المضرب والغولف. ويسجل التاريخ أن البطلة الأولمبية الأولى هي إنكليزية وتدعى تشارلوت كوبر، التي حصدت ذهبية الفردي في التنس والفضية في الزوجي المختلط مع رجينالد دورثي.

وفي حين حلت فرنسا أولى في ترتيب الميداليات برصيد 26 ذهبية. لم تحصل اليونان وهايتي وإسبانيا على أي ميدالية.
حجب المعرض المتعدّد الأهداف والذي دشّن به الرئيس إميل لوبيه عهده، الألعاب، لا سيما أن مناسبات جانبية كثيرة اخترقت الاهتمام وفيها زيارة قيصر روسيا ألكسندر الثالث الذي حضر ليجسّد التحالف بين الدولتين ويدشن الجسر فوق نهر السين الذي حمل اسمه.

استقطبت عاصمة النور نحو 50 مليون زائر، ما سجّل نجاحاً منقطع النظير للمعرض في مقابل ثلاثة آلاف تابعوا الألعاب التي "بخل" عليها حتى بيافطات إعلانية، فغابت في الزحام حتى أن بعض المسابقات أقيمت في أماكن غير معهودة بها ولا تدخل في أنظمتها وتجهيزاتها، وفيها بعض المصانع الخاصة بإنتاج السكاكين وأدوات المائدة التي استضافت مسابقات ألمبارزه.

واستخدمت قوارب الإنقاذ والنجاة لسباقات التجذيف. وأضيفت العاب ترفيهية موازية مثل الصيد في نهر السين، والتزحلق على الجليد.
لم تشهد الدورة كلمات بروتوكولية أو حفل افتتاح، ووحدها ألعاب القوى حافظت على مثلها ومثالياتها من خلال إقامتها في نادي "راسينغ كلوب دو فرانس"، حيث تبارى نحو 600 رياضي.

دورة همّش خلالها ما نادى به دو كوبرتان وسعى لاحيائه. لكن لحظاتها حفظت سينمائياً للمرة الأولى من خلال الاختراع الجديد.
ويصف المؤرخ لويز فان لي، أحد الذين عاصروا تلك الألعاب، بأنها كانت "استثنائية وأشبه بكرمس وحفلات، بعض فقراتها حفل بالمنافسة والبعض الآخر بالترفيه والتسلية والأشياء الغريبة".

ونظراً لبدائية الأدوات المستخدمة والأماكن التي حضنت المنافسات، "والخلط" الذي كان قائماً بين المعرض الدولي والمباريات، بقيت نتائج كثيرة مسجلة غير دقيقة أو واضحة إن من ناحية الأوقات أو المسافات أو الأشخاص الذين حققوها.

ومثلاً كانت مزاولة ألعاب القوى محصورة بالتلامذة في فرنسا على خلاف ما كان متعارف عليه في الدول الاسكندينافية السويد والنروج وفنلندا والولايات المتحدة، فلا عجب إن جاءت النتائج حينها وكأنها لأبطال من فئة الفتيان ما عدا بعض الأرقام الأميركية. ويسجّل أيضاً أن المقويات لم تكن معهودة ورائجة والتي ضخّمت لاحقاً أجسام أبطال الرمي فتحسّنت الرميات... والأبعاد.

وحضر الأميركيون المميزون وغالبيتهم من جامعتي هارفرد ويال و"خطفوا" 17 من الميداليات الـ23، وأبرزهم "الرجل المطاطي" راي أيوري الذي كان مشلولاً حتى سن الـ12 عاماً، وحصد في "باريس 1900" ذهب الوثب العالي والطويل والثلاثي من دون تحفز، مفتتحاً مسلسل انتصارات تابعه في دورة 1904 ودورة 1906 "غير الرسمية". وبلغ رصيده 10 ذهبيات.

ولم يكن مزاولو الرياضة وقتذاك كثيرون ليرتادوا الملاعب والساحات التي احتضنت المباريات، غير أن الفضول حمس على الحضور والمتابعة.
وعلى الصعيد التقني، كانت مزاولة الألعاب على جانب بسيط من الهواية مع اجتهادات شخصية، فالعداؤون يتدربون على الأرصفة والطرقات العامة ويستحمون بعدها بمياه الدلو، فلا عجب أولاً أن أوروبيين كثيرين، ولا سيما الفرنسيين منهم، تعرّضوا لمواقف محرجة خلال المسابقات، أو للتزحلق والوقوع بعيد الانطلاق في السباقات، باعتبار أن أسلوب المتحفز والاستعداد كان بدائياً والأرضية غير ملائمة.

ومن عدائي تلك الحقبة الذين "عملوا واجتهدوا على أنفسهم" الفرنسي غاستون راغولو الذي كان يهوى جري المسافات الطويلة، وعزم على التصدي للجري ضد الساعة، فواكبه الصحافي بول شامب بصفة ميقاتي يضبط وقته. وبعد نحو نصف ساعة من إذن الانطلاق، أوقفه بطلقة مسدس. وأوضح له حين استفسر راغولو عن السبب بأنه أوقف ساعة التوقيت من طريق الخطأ، وقال له "لا بأس تستطيع معاودة المحاولة لاحقاً"!

وإلى تواضع الإمكانات وعدم دقة الأدوات والتجهيزات، سجّلت ظاهرة اللباس غير الموحد. وبسببه، أحدث العداء الأميركي ماكسيم لونغ من جامعة كولومبيا لغطاً بين الحضور الذين تابعوا سباق 400 م، إذ كان يرتدي قميصاً مخططاً بالأبيض والسماوي هما لونا نادي "راسينغ كلوب دو فرانس "فهلّل الجمهور فرحاً قبل أن تظهر "الحقيقة". واختيرت مساحة رمي القرص في وسطها شجرة، ما أعاق مخطط الأميركي شيلدرن الذي لم يقو على رمي الثقل أكثر من 36.04 م كونه أعسر، والشجرة من الجهة اليسرى. واستفاد المجري رودولف بور من هذه الثغرة الإستراتيجية ليحقق 38 م، ويفوز بالذهب.

وبرز الأميركي آلفن كراينزلاين واعتبر نجم الدورة من خلال إحرازه المركز الأول في سباقي 60 و110 أمتار حواجز والوثب الطويل.
أما ماير برنشتاين من جامعة سيراكيوز، فتغلب على مواطنه جيمس كونولي أول حاصدي الذهبية في أثينا 1896 في الوثبة الثلاثية.
ومرة جديدة، كانت لسباق الماراثون حصة، وبطلها في باريس كان ابن المدينة والخبير في شوارعها وأزقتها ميشال ثياتو.

ويعود تفوقه إلى معرفته الضليعة بأماكن المسار المحدد للسباق كونه عمل في إيصال الخبز إلى المحلات والمنازل قبل أن يعمل في الحديقة العامة، وبعض النصب والأشجار الباسقة الصامدة حتى الآن زرعتها يداه.

ويغمز البعض من قناته ويتهمونه باعتماد أقصر الطرق لبلوغ خط النهاية وحصد التتويج (2:59:45 س). وغرقت السباحة في مياه السين الموحلة، وبعض سباقاتها جاءت فريدة من نوعها مثل 60 م تحت الماء، و200 م حواجز، والمرور عبر البراميل. اللجنة التي حضرت للألعاب ضمت نخبة من علية القوم برئاسة لاروش فوكو. إضافة إلى دو كوبرتان الذي يدرك أن فكرة الألعاب "لا تزال هجينة وعلينا مراعاة الأوضاع".

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot