محمد بن زايد وسام موستين يؤكدان أهمية استقرار المنطقة وحل النزاعات في العالم بالحوار
دور بدني يتطلب اليقظة المستمرة
رجال الرئيس: تحقيق حول الخدمة السرية الأمريكية
-- لا يمثل المال مشكلة عندما يتعلق الأمر بضمان سلامة الرئيس أو بالأحرى الرؤساء، لأن حمايتهم مضمونة مدى الحياة
-- الطائرة عبارة عن بيت أبيض صغير متنقل حقيقي: 370 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة طوابق
-- على متنها جناح رئاسي، ومكاتب، وقاعة مؤتمرات تستوعب 70 شخصًا، واحتياطي طعام لعدة أشهر، وغرفة جراحة
-- يفترض أن تكون سيارة «الوحش» غير قابلة للتدميـر، وقـادرة على تحمل لغم أو صاروخ
-- خطر وقوع هجوم من قبل المتعصبين للبيض أصبح اليـوم أكثر واقعيـة من أي وقت مضى
تتمثل مهمتهم الرئيسية في حماية رئيس الولايات المتحدة. دور بدني يتطلب اليقظة المستمرة، ولكن أيضًا روح استراتيجي، لأن التهديد حقيقي جدا. واشنطن العاصمة، 20 يناير 2021، الساعة 3 مساءً، كرر ديفيد تشو هذا الموعد مائة مرة في رأسه، وتقريباً عدة مرات على المكان عينه . القول بأنه في حالة استنفار وتأهب لا تفي بالغرض. في تلك اللحظة بالتحديد، يراهن بحياته المهنية وسمعته وحياته. إنه رهان يتجدد ومستمر، لكن هذه اللحظة فريدة من نوعها من حيث أنها أخطر، وفي يوم حساس أصلا. استمرارًا لتقليد افتتحه جيمي كارتر عام 1977، نزل جو بايدن لتوه من كاديلاك الرئاسية وبدأ السير على طول شارع بنسلفانيا للوصول إلى مقر إقامته ومكتبه خلال السنوات الأربع المقبلة: البيت الأبيض. وراءه، عائلته بأكملها... على الجانبين، خلف الحواجز، قلة مختارة من المسؤولين والصحفيين، ذهب لتحيتهم بقفزة. من حوله، حوالي خمسة عشر حارسًا شخصيًا، بقيادة ديفيد تشو، تم تعيينه قبل أسابيع قليلة رئيسًا للحرس الرئاسي، وهو أحد أعلى المناصب في الخدمة السرية. وجه مربع، شعر محلوق، هذا الأمريكي من أصل كوري يبقى بشكل دائم في ظل الشخصية التي يحميها. ببدلتهم وربطة عنقهم، وشارتهم التي تشبه نجمة الشريف، ونظّاراتهم الشمسية المشدودة الى أنوفهم -من أجل فحص المشتبه بهم دون لفت الانتباه -وإصبعهم على السماعة، يشكل هو ورجاله فريق النخبة المسؤولة عن أمن الرئيس الأمريكي.
«صفر فشل”، لا مجال للخطأ
التوتر متأصل في مهنتهم، وأقل خطأ يمكن أن يكون قاتلاً. بعد أسبوعين من الهجوم على الكابيتول هيل من قبل أنصار دونالد ترامب، يُعدّ حفل التنصيب هذا الأقوى ضغطا عرفته البلاد في السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية. في المجموع، تم نشر 25000 من رجال الحرس الوطني، وسدت المركبات المدرعة الشوارع، وتجوب السماء طائرات دون طيار وطائرات هليكوبتر، وقناصة في مواقعهم على جميع أسطح المنازل المحيطة، وتم إخراج ما لا يقل عن سبع سيارات كاديلاك مدرعة من المرآب لنقل الرئيس 46 ونائبه كامالا هاريس وثلاثة من أسلافه (الا دونالد ترامب، الذي قاطع الحفل من قصره في مارالاغو، فلوريدا).
من الصعب تخيّل تأمينًا أكثر من هذا. ولذا، لم يتم تسجيل أي حادث، مما يدل على فعالية هؤلاء الحراس الشخصيين الاستثنائيين، الذين شعارهم غير الرسمي هو “صفر فشل”، “صفر خطأ”. وهذا شرط يومي لا يعاني من أي ثغرة، وعلى وجه الخصوص، خلال “المناسبات الخاصة التي تهم الأمن القومي”. وهذه المناسبات ضخمة تصبح خلالها الخدمة السرية أقوى وكالة في البلاد. ساعتها يمكن لأعوانها الوصول إلى جميع المعلومات التي تنقلها الوكالات المختلفة (سي أي ايه، اف بي اي، وكالة الأمن القومي)، وتنسيق القوات المشاركة، وإظهار عضلاتهم. “يجب أن تظل بعض الوسائل الموضوعة غير مرئية، ولكن من الضروري أن يكون البعض الآخر مرئيًا ليكون له تأثير رادع”، يوضح جوناثان واكرو، عضو في الخدمة السرية من 2001 إلى 2014، وهو الآن مستشار أمني.
لم يكن الأمر دائمًا على هذا النحو. عندما انتقل أبراهام لينكولن إلى اللوج الخاص به في مسرح فورد بواشنطن في 14 أبريل 1865 لحضور مسرحية “ابن عمنا الأمريكي”، لم يهتم كثيرًا بسلامته. وعلى الرغم من التهديدات المستمرة بالقتل التي تلقاها منذ أن ألغى العبودية قبل خمس سنوات، ورغم نصيحة جنرالاته، فإنه يرفض أن يحيط نفسه بحراسه الشخصيين. إنه يعتقد أن الرئيس يجب أن يظل قريبًا من شعبه، ويمكن الوصول إليه. ومن المفارقات أن الخدمة السرية، التي أنشأها لتوه، لها مهمة واحدة تتمثل في مكافحة التداول المستشري للأموال المزيفة. لذلك في تلك الليلة، لم يواجه جون ويلكس بوث، وهو من أنصار تفوق العرق الابيض، أي مشكلة في اقتحام المسرح وإطلاق النار على رأس لينكولن باستخدام ديرينجر عيار 44. عاشت البلاد حالة صدمة، لكن هذا لم يكفي لإقناع خلفائه بالحاجة الى حماية لصيقة.
بعد ستة عشر عامًا، في محطة بالتيمور، تعرض الرئيس جيمس أ. غارفيلد لهجوم من قبل رجل مجنون ومات بعد فترة وجيزة متأثرًا بجروح ناجمة عن طلقات نارية تم علاجها بشكل سيء. وكان لا بد من الانتظار حتى عام 1901، عندما قُتل ويليام ماكينلي، الرئيس الأمريكي الخامس والعشرون، على يد فوضوي من أصل بولندي –ومرة أخرى في منتصف الشارع في بوفالو، ومرة أخرى بطلق ناري -ليقرر الكونجرس أخيرًا تكليف الخدمة السرية بالمهمة التي يتولاها اليوم، رغم أن مكافحة الاحتيال المالي والأموال المزيفة لا تزال في نطاق اختصاصها.
عمل بطولي ينقذ
حياة رونالد ريغان
خلال أول موكب تنصيب أمنته الخدمة السرية، عام 1905، قام اثنا عشر عونا فقط بحماية ثيودور روزفلت. اليوم، هناك 3200، منهم 1300 ضابط بالزي الرسمي (أو الفرقة النظامية، شرطة البيت الأبيض). وينقسم الباقون بين المحللين (الذين يجمعون المعلومات ويعالجونها، غالبًا خلف المكاتب) والأعوان الميدانيين، الذين يكون جزء صغير منهم فقط، على أساس التناوب، بجانب الرئيس -وعددهم الدقيق غير معروف علنًا. كل ذلك بميزانية سنوية ضخمة تبلغ 2.2 مليار دولار. على سبيل المقارنة، فإن الجهاز الأمني لرئاسة الجمهورية، الذي يحمي الرئيس الفرنسي، يتألف من 70 رجلاً ويكلف دافعي الضرائب 8 ملايين يورو سنويًا. لكن في الولايات المتحدة، الدولة التي جعلت حمل السلاح حقًا دستوريًا، يمكن أن ينشأ العنف في أي مكان وفي أي وقت.
قليلة هي الديمقراطيات التي اغتيل فيها هذا العدد من رؤساء الدول (أربعة، آخرهم جون فيتزجيرالد كينيدي، عام 1963)، أو أصيبوا بجروح خطيرة، هذا دون ذكر عدد لا يحصى من المحاولات الفاشلة أو المجهضة. في 30 مارس 1981، غادر الرئيس رونالد ريغان فندق هيلتون في واشنطن العاصمة حيث ألقى لتوه خطابًا أمام المنظمات العمالية. كان يلوح للجمهور قبل ركوب سيارته المدرعة لينكولن كونتيننتال. فجأة، ظهر رجل مسلح بمسدس، جون هينكلي جونيور، وأفرغ ما عنده على الوفد. ومن بين الرصاصات الست التي تم إطلاقها، أصابت واحدة فقط رونالد ريغان، مما تسبب في ثقب رئته اليسرى، حيث دفعه أحد حراسه الشخصيين إلى السيارة، وتلقى عون آخر، هو تيموثي مكارثي، رصاصة نيابة عن رئيسه، مما أنقذه من موت محقق. أصيب رجل شرطة والمتحدث باسم البيت الأبيض جيمس برادي أيضًا فيما كان يمكن أن يكون كارثة مطلقة، لكن الحادث يظل مثالًا رمزيًا على بطولة الاعوان السريين حتى يومنا هذا.
الانضمام... للنخبة فقط
في مثل هذا السياق الخطير، لا يمكن إلا للنخبة أن تطمح للانضمام إلى هذه الوحدة. في كل عام، يتقدم أكثر من 15000 بمتوسط 200 فرصة عمل مطروحة. وعندما سلمت ماري بيث ويلكاس جانكي ملفها عام 1989، كانت تبلغ من العمر 23 عامًا، ولم يكن لديها أطفال أو زوج، وكانت في حالة بدنية مثالية، ودرجة الماجستير في القانون الجنائي. ومنذ الطفولة، كانت تحلم باحتضان مهنة في الشرطة الفيدرالية، وبالتالي قدمت نفسها في مختلف الوكالات... العملية طويلة، اذ يتم فحص كل ملف بدقة متناهية.
فشلت الشابة أول مرة على أبواب مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن عام 1991، بعد عامين من التحقيق في ملفها، أعلن لها وكيل تجنيد في الخدمة السرية بشرى سارة: لقد تم قبولها في التدريب، مع وظيفة مضمونة إذا أكملته بأمان. كما أسر لها محاورها، ان ملفها الشخصي مثالي، خاصة أنها تتحدث الإسبانية بطلاقة، وهو مورد نادر في ذلك الوقت. أما بالنسبة للجنس، فهو لم يعد تمييزيًا منذ عشرين عامًا، حتى لو ظلت الذكورية شائعة في هذه الخدمة، والتي لا تزال تضم 10 بالمائة فقط من النساء اليوم.
في مركز تدريب الوكلاء الفيدراليين في جلينكو، جورجيا، تدربت لأكثر من ثمانية أشهر على القتال اليدوي -مارست السيستما، وهو فن قتالي ابتكره كي جي بي! - ، والتعامل مع الأسلحة ، وتقنيات الاستجواب، والبحث عن المعلومات، والإسعافات الأولية، والقانون ... باختصار ، كل ما سيجعلها عميلة معصومة عن الخطأ. “عون حماية وليس حارسة شخصية، تحرص على التوضيح، لأنه لا يكفي السير وراء الشخص المحمي والردع بالحضور الجسدي فقط، هناك الكثير من العمل البحثي والتنظيمي، والتكيّف مع السيناريوهات المتغيرة، إنها أيضًا وظيفة فكرية”، كما أوضحت عند صدور كتابها “الحامي”، حيث سردت سيرتها المهنية.
تعقب كل ثغرة
مثل جميع العملاء المستقبليين، تخضع ماري بيث ويلكاس يانك لأحدث أجهزة كشف الكذب في العالم، وهي مكلفة بتتبع أصغر ثغرة. يحدث أن ينهار البعض قبل نهاية التدريب، وقاسية مثل تلك اللحظة. وحتى الذين يصلون إلى النهاية يعرفون أنه، وبانتظام، خلال حياتهم المهنية، سيتعين عليهم المرور من خلال مربع التدريب المكثف هذا. أسبوعين كل شهرين للوكلاء الميدانيين. كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة إلى ويلكاس، كما يسميها زملاؤها.
حتى ذاك اليوم من عام 1992، عندما كانت في مهمة لحماية أحفاد جورج بوش الأب، تلقت مكالمة هاتفية من رئيسها. ابلغها هذا الأخير أنه يجب عليها العودة فورًا إلى واشنطن لإجراء مقابلة “لتوضيح بعض عناصر ماضيها”. هي التي تبدأ حياتها المهنية ببراعة لا تستطيع تخيل ما ينتظرها.
لاحظ أحد المحققين في الخدمة المسؤول عن تمشيط كل ملف تعريف، أن ماري بيث اعترفت، أثناء ترشحها، بتدخين الحشيش عندما كانت تعيش في إسبانيا. كما تتهمها الخدمة السرية أيضًا، بسرقة بيض عيد الفصح من أحد المتاجر، عندما كانت مراهقة، وعدم ذكرها الحادثة في ملفها. بررت العميلة، لكن لا شيء يساعدها، تم إخطارها بفصلها بعد بضعة أسابيع. “صفر تسامح” عبارة يجب أن تؤخذ على محمل الجد في الخدمة السرية.
عمل مرهق، تضحية
كاملة بالنفس
حتى أولئك الذين لا يعانون من مثل هذه الحوادث نادراً ما يعمّرون. مع العمل الإضافي، والتوتر، والصعوبات العائلية، نادراً ما تستمر الوظيفة -المرهقة جسديًا ومعنويًا -لأكثر من اثني عشر عامًا. أحيانًا عشرين عامًا، بشكل استثنائي. مكث دان إيميت طيلة واحد وعشرين عامًا، قام خلالها بحماية جورج بوش الاب والابن، وكذلك بيل كلينتون.
مهمة تتطلب تفان
وشعور بالتضحية.
«عدم النوم طيلة أربع وعشرين ساعة، وعدم تناول الغداء والعشاء، وحراسة باب المنزل طوال الليل تحت المطر، وركوب الطائرة، وتدارك ساعة أو ساعتين من النوم هناك، وتأمين المبنى عند الوصول. ... وتكرار ذلك عدة أيام متتالية، يقول في كتابه “أنا عميل خدمة سرية”. ولإكمال الصورة، من المحتمل جدًا أن يحدث هذا في ذكرى زواجك! «
ينتقل معظم الوكلاء لاحقا بالقطاع الخاص، ويستخدمون مهاراتهم في خدمة كبار الشخصيات أو الشركات. بعد فترة عملها الخاطفة في الخدمة العامة، عملت ماري بيث ويلكاس جانكي مع رئيس هايتي جان برتراند أريستيد (في ذروة الحرب الأهلية، في التسعينات) ولعائلة فيرساتشي (بعد اغتيال مؤسس العلامة التجارية، جياني). لم تكشف عن راتبها في ذلك الوقت، لكنه كان بلا شك أعلى من 140 ألف دولار في السنة التي يكسبها عميل في الخدمة السرية، في المتوسط.
للأمن، ميزانيات “غير محدودة»
لا يمثل المال بأي حال مشكلة عندما يتعلق الأمر بضمان سلامة رئيس الولايات المتحدة -أو بالأحرى الرؤساء، لأن حمايتهم مضمونة مدى الحياة، والامكانات المرصودة كبيرة. وهكذا سيُضاف للبيت الأبيض مخبأ ثانٍ تحت الأرض، بين 2010 و2012، بتحريض من باراك أوباما، بمبلغ متواضع قدره 375 مليون دولار. الأول، الذي بناه فرانكلين روزفلت في بداية الحرب العالمية الثانية، لم يكن، على ما يبدو، عميقًا بما يكفي لتحمّل هجوم نووي حديث.
تظل هذه المعلومات افتراضية، لأن القليل من العناصر تسربت. نحن نعلم ببساطة أنه في يونيو 2020، في قلب احتجاجات حركة حياة السود مهمة، تفاخر دونالد ترامب بأنه لجأ إلى هناك لبضع ساعات. ووفقًا لرونالد كيسلر، الصحفي ومؤلف كتاب “في الخدمة السرية للرئيس”، فإن هذا الملجأ الواقع تحت العشب الشمالي مدفون على ما يزيد عن 15 مترًا ويُلبي أفضل المعايير الحالية.
عندما يتنقل رئيس الولايات المتحدة، يمكنه الاعتماد على واحدة من طائرتين من طراز “اير فورس وان”، من طراز بوينغ 747 تم تجديدها بالكامل، ومجهزة بأجهزة أمنية فائقة التطور، مثل جهاز التشويش على الرادار أو خدع تهدف إلى صدّ صواريخ توجيهية محتملة. كل طائرة عبارة عن بيت أبيض صغير متنقل حقيقي: 370 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة طوابق، مع جناح رئاسي، ومكاتب، وقاعة مؤتمرات قادرة على استيعاب 70 شخصًا، واحتياطي طعام لعدة أشهر، وحتى غرفة عمليات جراحية مع جراح وممرضة دائما على متن الطائرة.
كما يمكن تزويد الطائرة بالوقود والبقاء في السماء لأطول فترة ممكنة. ورغم حجمها الضخم، ودرعها القادر على مقاومة الإشعاعات، فإن طائرة الرئاسة قادرة على الاقتراب من حاجز الصوت. لم يُسمح لجو بايدن، الذي ركبها لأول مرة في 5 فبراير المنقضي، بالصعود على متنها عندما كان نائبا للرئيس، التزاما بالقاعدة التي تحظر على رئيسي الدولة مشاركة نفس الرحلة لأسباب امنية.
«الوحش»سيارة
تليق بجيمس بوند
على الطرق، يمتلك الرئيس أيضًا حصنًا متحركًا: “الوحش”. هذا هو اللقب الذي يطلق على سيارات الليموزين المصفحة التي صنعتها كاديلاك خصيصًا. تكلف كل واحدة 1.5 مليون دولار، والأسطول به اثني عشر. من المفترض أن تكون سيارة “الوحش” غير قابلة للتدمير، وقادرة على تحمل لغم أو صاروخ، كما أنها محاطة بحجاب من الظل، وتصنف خصائصها الدقيقة على أنها “دفاع سري”. يتم تحديثها بانتظام، ومع ذلك تم الكشف عن بعض أسرارها على مر السنين.
تصفها مجلة أوتوموبيل “ذا درايف”، بأنها “سيارة جيمس بوند الحقيقية” المزودة بشاشات دخانية ونفاثات زيت وغاز مسيل للدموع وصدمات كهربائية وحتى (حسب الإشاعة) مدفع رشاش أوتوماتيكي موضوع في صندوق السيارة، من أجل ردع مهاجمين محتملين. ويتم حفظ أكياس الدم من نفس نوع دم الرئيس في الثلاجة.
لم يكن أحد بحاجة إلى مثل هذه الميزات حتى الآن، ولكن دور الخدمة السرية هو توفير كل شيء، بما في ذلك، لما لا، نهاية العالم الزومبي! فقد تم النظر في مثل هذا السيناريو من قبل البنتاغون، تحت الاسم الرمزي CONOP 8888. فرضية بعيدة المنال، لكنها درست، من يدري...
الخوف من التسلل
منذ الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير، وهي سابقة في التاريخ الأمريكي، تصاعد التوتر بدرجة كبيرة في أروقة شارع 950 إتش بمقر الخدمة. “هناك بشكل دائم جميع أنواع التهديدات الإرهابية، الخارجية والداخلية، من اليمين واليسار”، يقول جيه جيه هينسلي، الوكيل السابق المتخصص في التجنيد. قبل الاعتراف بأن “خطر وقوع هجوم من قبل المتعصبين للبيض أصبح اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى».
دون اعتبار حتى أكثر الافتراضات تطرفاً، تتساءل الخدمة السرية: كيف يمكن للرئيس أن يتحرك بشكل طبيعي في بلد يعتبر فيه ثلث الناخبين أن جو بايدن غاصب بعد أن سرق انتصاره؟ ما يقلق قادتها بشكل خاص هو احتمال انعدام الولاء من جانب عملاء معينين، أو حتى من التسلل.
بعد انتفاضة 6 يناير، فُتح تحقيق بشأن ضابط شجع، على فيسبوك، “الوطنيين على التحرك” رغم أن جميع العملاء يخضعون بانتظام لجهاز كشف الكذب، ويخضعون “لفحص الخلفية” (تحقيق شامل) كل خمس إلى سبع سنوات، إلا أنه من الممكن تمامًا، كما يؤكد هينسلي، “انه تطرّف في وقت أقل من هذا «.
ولتفادي هذا الاحتمال، شرع جو بايدن، حتى قبل التنصيب، في تطهير شامل لحرسه الشخصي، ودعوة أولئك الذين قاموا بحمايته خلال فترتي ولايته كنائب للرئيس. وسيتعين على رئيس الخدمة الحالي، جيمس موراي، أن يترك مكانه قريبًا إلى رجل يتمتع بالثقة، ليونزا نيوسوم، الذي قاد فرقة حماية أوباما.
ديفيد تشو، المعروف من قبل مواطنيه باسم “جو الثاني” (يُنطق «ch» باللغة الكورية “جي”)، قد نجا من التطهير. وأكثر من ذلك تمت ترقيته إلى منصب رئيس الحرس الرئاسي. ان صرامته الشديدة وإحساسه بالتفاصيل جعلته أساسيًا. وقد أظهر الرجل فعاليته من خلال تنظيمه ببراعة للاجتماع التاريخي بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون، عام 2019. وهي مهمة أكسبته الميدالية الذهبية لوزارة الأمن الداخلي (ما يعادل وزارة الداخلية)، في 2019.
يمكن للرئيس جو بايدن أن يطمئن، ديفيد تشو ورجاله يسهرون ويراقبون.
-- الطائرة عبارة عن بيت أبيض صغير متنقل حقيقي: 370 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة طوابق
-- على متنها جناح رئاسي، ومكاتب، وقاعة مؤتمرات تستوعب 70 شخصًا، واحتياطي طعام لعدة أشهر، وغرفة جراحة
-- يفترض أن تكون سيارة «الوحش» غير قابلة للتدميـر، وقـادرة على تحمل لغم أو صاروخ
-- خطر وقوع هجوم من قبل المتعصبين للبيض أصبح اليـوم أكثر واقعيـة من أي وقت مضى
تتمثل مهمتهم الرئيسية في حماية رئيس الولايات المتحدة. دور بدني يتطلب اليقظة المستمرة، ولكن أيضًا روح استراتيجي، لأن التهديد حقيقي جدا. واشنطن العاصمة، 20 يناير 2021، الساعة 3 مساءً، كرر ديفيد تشو هذا الموعد مائة مرة في رأسه، وتقريباً عدة مرات على المكان عينه . القول بأنه في حالة استنفار وتأهب لا تفي بالغرض. في تلك اللحظة بالتحديد، يراهن بحياته المهنية وسمعته وحياته. إنه رهان يتجدد ومستمر، لكن هذه اللحظة فريدة من نوعها من حيث أنها أخطر، وفي يوم حساس أصلا. استمرارًا لتقليد افتتحه جيمي كارتر عام 1977، نزل جو بايدن لتوه من كاديلاك الرئاسية وبدأ السير على طول شارع بنسلفانيا للوصول إلى مقر إقامته ومكتبه خلال السنوات الأربع المقبلة: البيت الأبيض. وراءه، عائلته بأكملها... على الجانبين، خلف الحواجز، قلة مختارة من المسؤولين والصحفيين، ذهب لتحيتهم بقفزة. من حوله، حوالي خمسة عشر حارسًا شخصيًا، بقيادة ديفيد تشو، تم تعيينه قبل أسابيع قليلة رئيسًا للحرس الرئاسي، وهو أحد أعلى المناصب في الخدمة السرية. وجه مربع، شعر محلوق، هذا الأمريكي من أصل كوري يبقى بشكل دائم في ظل الشخصية التي يحميها. ببدلتهم وربطة عنقهم، وشارتهم التي تشبه نجمة الشريف، ونظّاراتهم الشمسية المشدودة الى أنوفهم -من أجل فحص المشتبه بهم دون لفت الانتباه -وإصبعهم على السماعة، يشكل هو ورجاله فريق النخبة المسؤولة عن أمن الرئيس الأمريكي.
«صفر فشل”، لا مجال للخطأ
التوتر متأصل في مهنتهم، وأقل خطأ يمكن أن يكون قاتلاً. بعد أسبوعين من الهجوم على الكابيتول هيل من قبل أنصار دونالد ترامب، يُعدّ حفل التنصيب هذا الأقوى ضغطا عرفته البلاد في السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية. في المجموع، تم نشر 25000 من رجال الحرس الوطني، وسدت المركبات المدرعة الشوارع، وتجوب السماء طائرات دون طيار وطائرات هليكوبتر، وقناصة في مواقعهم على جميع أسطح المنازل المحيطة، وتم إخراج ما لا يقل عن سبع سيارات كاديلاك مدرعة من المرآب لنقل الرئيس 46 ونائبه كامالا هاريس وثلاثة من أسلافه (الا دونالد ترامب، الذي قاطع الحفل من قصره في مارالاغو، فلوريدا).
من الصعب تخيّل تأمينًا أكثر من هذا. ولذا، لم يتم تسجيل أي حادث، مما يدل على فعالية هؤلاء الحراس الشخصيين الاستثنائيين، الذين شعارهم غير الرسمي هو “صفر فشل”، “صفر خطأ”. وهذا شرط يومي لا يعاني من أي ثغرة، وعلى وجه الخصوص، خلال “المناسبات الخاصة التي تهم الأمن القومي”. وهذه المناسبات ضخمة تصبح خلالها الخدمة السرية أقوى وكالة في البلاد. ساعتها يمكن لأعوانها الوصول إلى جميع المعلومات التي تنقلها الوكالات المختلفة (سي أي ايه، اف بي اي، وكالة الأمن القومي)، وتنسيق القوات المشاركة، وإظهار عضلاتهم. “يجب أن تظل بعض الوسائل الموضوعة غير مرئية، ولكن من الضروري أن يكون البعض الآخر مرئيًا ليكون له تأثير رادع”، يوضح جوناثان واكرو، عضو في الخدمة السرية من 2001 إلى 2014، وهو الآن مستشار أمني.
لم يكن الأمر دائمًا على هذا النحو. عندما انتقل أبراهام لينكولن إلى اللوج الخاص به في مسرح فورد بواشنطن في 14 أبريل 1865 لحضور مسرحية “ابن عمنا الأمريكي”، لم يهتم كثيرًا بسلامته. وعلى الرغم من التهديدات المستمرة بالقتل التي تلقاها منذ أن ألغى العبودية قبل خمس سنوات، ورغم نصيحة جنرالاته، فإنه يرفض أن يحيط نفسه بحراسه الشخصيين. إنه يعتقد أن الرئيس يجب أن يظل قريبًا من شعبه، ويمكن الوصول إليه. ومن المفارقات أن الخدمة السرية، التي أنشأها لتوه، لها مهمة واحدة تتمثل في مكافحة التداول المستشري للأموال المزيفة. لذلك في تلك الليلة، لم يواجه جون ويلكس بوث، وهو من أنصار تفوق العرق الابيض، أي مشكلة في اقتحام المسرح وإطلاق النار على رأس لينكولن باستخدام ديرينجر عيار 44. عاشت البلاد حالة صدمة، لكن هذا لم يكفي لإقناع خلفائه بالحاجة الى حماية لصيقة.
بعد ستة عشر عامًا، في محطة بالتيمور، تعرض الرئيس جيمس أ. غارفيلد لهجوم من قبل رجل مجنون ومات بعد فترة وجيزة متأثرًا بجروح ناجمة عن طلقات نارية تم علاجها بشكل سيء. وكان لا بد من الانتظار حتى عام 1901، عندما قُتل ويليام ماكينلي، الرئيس الأمريكي الخامس والعشرون، على يد فوضوي من أصل بولندي –ومرة أخرى في منتصف الشارع في بوفالو، ومرة أخرى بطلق ناري -ليقرر الكونجرس أخيرًا تكليف الخدمة السرية بالمهمة التي يتولاها اليوم، رغم أن مكافحة الاحتيال المالي والأموال المزيفة لا تزال في نطاق اختصاصها.
عمل بطولي ينقذ
حياة رونالد ريغان
خلال أول موكب تنصيب أمنته الخدمة السرية، عام 1905، قام اثنا عشر عونا فقط بحماية ثيودور روزفلت. اليوم، هناك 3200، منهم 1300 ضابط بالزي الرسمي (أو الفرقة النظامية، شرطة البيت الأبيض). وينقسم الباقون بين المحللين (الذين يجمعون المعلومات ويعالجونها، غالبًا خلف المكاتب) والأعوان الميدانيين، الذين يكون جزء صغير منهم فقط، على أساس التناوب، بجانب الرئيس -وعددهم الدقيق غير معروف علنًا. كل ذلك بميزانية سنوية ضخمة تبلغ 2.2 مليار دولار. على سبيل المقارنة، فإن الجهاز الأمني لرئاسة الجمهورية، الذي يحمي الرئيس الفرنسي، يتألف من 70 رجلاً ويكلف دافعي الضرائب 8 ملايين يورو سنويًا. لكن في الولايات المتحدة، الدولة التي جعلت حمل السلاح حقًا دستوريًا، يمكن أن ينشأ العنف في أي مكان وفي أي وقت.
قليلة هي الديمقراطيات التي اغتيل فيها هذا العدد من رؤساء الدول (أربعة، آخرهم جون فيتزجيرالد كينيدي، عام 1963)، أو أصيبوا بجروح خطيرة، هذا دون ذكر عدد لا يحصى من المحاولات الفاشلة أو المجهضة. في 30 مارس 1981، غادر الرئيس رونالد ريغان فندق هيلتون في واشنطن العاصمة حيث ألقى لتوه خطابًا أمام المنظمات العمالية. كان يلوح للجمهور قبل ركوب سيارته المدرعة لينكولن كونتيننتال. فجأة، ظهر رجل مسلح بمسدس، جون هينكلي جونيور، وأفرغ ما عنده على الوفد. ومن بين الرصاصات الست التي تم إطلاقها، أصابت واحدة فقط رونالد ريغان، مما تسبب في ثقب رئته اليسرى، حيث دفعه أحد حراسه الشخصيين إلى السيارة، وتلقى عون آخر، هو تيموثي مكارثي، رصاصة نيابة عن رئيسه، مما أنقذه من موت محقق. أصيب رجل شرطة والمتحدث باسم البيت الأبيض جيمس برادي أيضًا فيما كان يمكن أن يكون كارثة مطلقة، لكن الحادث يظل مثالًا رمزيًا على بطولة الاعوان السريين حتى يومنا هذا.
الانضمام... للنخبة فقط
في مثل هذا السياق الخطير، لا يمكن إلا للنخبة أن تطمح للانضمام إلى هذه الوحدة. في كل عام، يتقدم أكثر من 15000 بمتوسط 200 فرصة عمل مطروحة. وعندما سلمت ماري بيث ويلكاس جانكي ملفها عام 1989، كانت تبلغ من العمر 23 عامًا، ولم يكن لديها أطفال أو زوج، وكانت في حالة بدنية مثالية، ودرجة الماجستير في القانون الجنائي. ومنذ الطفولة، كانت تحلم باحتضان مهنة في الشرطة الفيدرالية، وبالتالي قدمت نفسها في مختلف الوكالات... العملية طويلة، اذ يتم فحص كل ملف بدقة متناهية.
فشلت الشابة أول مرة على أبواب مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن عام 1991، بعد عامين من التحقيق في ملفها، أعلن لها وكيل تجنيد في الخدمة السرية بشرى سارة: لقد تم قبولها في التدريب، مع وظيفة مضمونة إذا أكملته بأمان. كما أسر لها محاورها، ان ملفها الشخصي مثالي، خاصة أنها تتحدث الإسبانية بطلاقة، وهو مورد نادر في ذلك الوقت. أما بالنسبة للجنس، فهو لم يعد تمييزيًا منذ عشرين عامًا، حتى لو ظلت الذكورية شائعة في هذه الخدمة، والتي لا تزال تضم 10 بالمائة فقط من النساء اليوم.
في مركز تدريب الوكلاء الفيدراليين في جلينكو، جورجيا، تدربت لأكثر من ثمانية أشهر على القتال اليدوي -مارست السيستما، وهو فن قتالي ابتكره كي جي بي! - ، والتعامل مع الأسلحة ، وتقنيات الاستجواب، والبحث عن المعلومات، والإسعافات الأولية، والقانون ... باختصار ، كل ما سيجعلها عميلة معصومة عن الخطأ. “عون حماية وليس حارسة شخصية، تحرص على التوضيح، لأنه لا يكفي السير وراء الشخص المحمي والردع بالحضور الجسدي فقط، هناك الكثير من العمل البحثي والتنظيمي، والتكيّف مع السيناريوهات المتغيرة، إنها أيضًا وظيفة فكرية”، كما أوضحت عند صدور كتابها “الحامي”، حيث سردت سيرتها المهنية.
تعقب كل ثغرة
مثل جميع العملاء المستقبليين، تخضع ماري بيث ويلكاس يانك لأحدث أجهزة كشف الكذب في العالم، وهي مكلفة بتتبع أصغر ثغرة. يحدث أن ينهار البعض قبل نهاية التدريب، وقاسية مثل تلك اللحظة. وحتى الذين يصلون إلى النهاية يعرفون أنه، وبانتظام، خلال حياتهم المهنية، سيتعين عليهم المرور من خلال مربع التدريب المكثف هذا. أسبوعين كل شهرين للوكلاء الميدانيين. كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة إلى ويلكاس، كما يسميها زملاؤها.
حتى ذاك اليوم من عام 1992، عندما كانت في مهمة لحماية أحفاد جورج بوش الأب، تلقت مكالمة هاتفية من رئيسها. ابلغها هذا الأخير أنه يجب عليها العودة فورًا إلى واشنطن لإجراء مقابلة “لتوضيح بعض عناصر ماضيها”. هي التي تبدأ حياتها المهنية ببراعة لا تستطيع تخيل ما ينتظرها.
لاحظ أحد المحققين في الخدمة المسؤول عن تمشيط كل ملف تعريف، أن ماري بيث اعترفت، أثناء ترشحها، بتدخين الحشيش عندما كانت تعيش في إسبانيا. كما تتهمها الخدمة السرية أيضًا، بسرقة بيض عيد الفصح من أحد المتاجر، عندما كانت مراهقة، وعدم ذكرها الحادثة في ملفها. بررت العميلة، لكن لا شيء يساعدها، تم إخطارها بفصلها بعد بضعة أسابيع. “صفر تسامح” عبارة يجب أن تؤخذ على محمل الجد في الخدمة السرية.
عمل مرهق، تضحية
كاملة بالنفس
حتى أولئك الذين لا يعانون من مثل هذه الحوادث نادراً ما يعمّرون. مع العمل الإضافي، والتوتر، والصعوبات العائلية، نادراً ما تستمر الوظيفة -المرهقة جسديًا ومعنويًا -لأكثر من اثني عشر عامًا. أحيانًا عشرين عامًا، بشكل استثنائي. مكث دان إيميت طيلة واحد وعشرين عامًا، قام خلالها بحماية جورج بوش الاب والابن، وكذلك بيل كلينتون.
مهمة تتطلب تفان
وشعور بالتضحية.
«عدم النوم طيلة أربع وعشرين ساعة، وعدم تناول الغداء والعشاء، وحراسة باب المنزل طوال الليل تحت المطر، وركوب الطائرة، وتدارك ساعة أو ساعتين من النوم هناك، وتأمين المبنى عند الوصول. ... وتكرار ذلك عدة أيام متتالية، يقول في كتابه “أنا عميل خدمة سرية”. ولإكمال الصورة، من المحتمل جدًا أن يحدث هذا في ذكرى زواجك! «
ينتقل معظم الوكلاء لاحقا بالقطاع الخاص، ويستخدمون مهاراتهم في خدمة كبار الشخصيات أو الشركات. بعد فترة عملها الخاطفة في الخدمة العامة، عملت ماري بيث ويلكاس جانكي مع رئيس هايتي جان برتراند أريستيد (في ذروة الحرب الأهلية، في التسعينات) ولعائلة فيرساتشي (بعد اغتيال مؤسس العلامة التجارية، جياني). لم تكشف عن راتبها في ذلك الوقت، لكنه كان بلا شك أعلى من 140 ألف دولار في السنة التي يكسبها عميل في الخدمة السرية، في المتوسط.
للأمن، ميزانيات “غير محدودة»
لا يمثل المال بأي حال مشكلة عندما يتعلق الأمر بضمان سلامة رئيس الولايات المتحدة -أو بالأحرى الرؤساء، لأن حمايتهم مضمونة مدى الحياة، والامكانات المرصودة كبيرة. وهكذا سيُضاف للبيت الأبيض مخبأ ثانٍ تحت الأرض، بين 2010 و2012، بتحريض من باراك أوباما، بمبلغ متواضع قدره 375 مليون دولار. الأول، الذي بناه فرانكلين روزفلت في بداية الحرب العالمية الثانية، لم يكن، على ما يبدو، عميقًا بما يكفي لتحمّل هجوم نووي حديث.
تظل هذه المعلومات افتراضية، لأن القليل من العناصر تسربت. نحن نعلم ببساطة أنه في يونيو 2020، في قلب احتجاجات حركة حياة السود مهمة، تفاخر دونالد ترامب بأنه لجأ إلى هناك لبضع ساعات. ووفقًا لرونالد كيسلر، الصحفي ومؤلف كتاب “في الخدمة السرية للرئيس”، فإن هذا الملجأ الواقع تحت العشب الشمالي مدفون على ما يزيد عن 15 مترًا ويُلبي أفضل المعايير الحالية.
عندما يتنقل رئيس الولايات المتحدة، يمكنه الاعتماد على واحدة من طائرتين من طراز “اير فورس وان”، من طراز بوينغ 747 تم تجديدها بالكامل، ومجهزة بأجهزة أمنية فائقة التطور، مثل جهاز التشويش على الرادار أو خدع تهدف إلى صدّ صواريخ توجيهية محتملة. كل طائرة عبارة عن بيت أبيض صغير متنقل حقيقي: 370 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة طوابق، مع جناح رئاسي، ومكاتب، وقاعة مؤتمرات قادرة على استيعاب 70 شخصًا، واحتياطي طعام لعدة أشهر، وحتى غرفة عمليات جراحية مع جراح وممرضة دائما على متن الطائرة.
كما يمكن تزويد الطائرة بالوقود والبقاء في السماء لأطول فترة ممكنة. ورغم حجمها الضخم، ودرعها القادر على مقاومة الإشعاعات، فإن طائرة الرئاسة قادرة على الاقتراب من حاجز الصوت. لم يُسمح لجو بايدن، الذي ركبها لأول مرة في 5 فبراير المنقضي، بالصعود على متنها عندما كان نائبا للرئيس، التزاما بالقاعدة التي تحظر على رئيسي الدولة مشاركة نفس الرحلة لأسباب امنية.
«الوحش»سيارة
تليق بجيمس بوند
على الطرق، يمتلك الرئيس أيضًا حصنًا متحركًا: “الوحش”. هذا هو اللقب الذي يطلق على سيارات الليموزين المصفحة التي صنعتها كاديلاك خصيصًا. تكلف كل واحدة 1.5 مليون دولار، والأسطول به اثني عشر. من المفترض أن تكون سيارة “الوحش” غير قابلة للتدمير، وقادرة على تحمل لغم أو صاروخ، كما أنها محاطة بحجاب من الظل، وتصنف خصائصها الدقيقة على أنها “دفاع سري”. يتم تحديثها بانتظام، ومع ذلك تم الكشف عن بعض أسرارها على مر السنين.
تصفها مجلة أوتوموبيل “ذا درايف”، بأنها “سيارة جيمس بوند الحقيقية” المزودة بشاشات دخانية ونفاثات زيت وغاز مسيل للدموع وصدمات كهربائية وحتى (حسب الإشاعة) مدفع رشاش أوتوماتيكي موضوع في صندوق السيارة، من أجل ردع مهاجمين محتملين. ويتم حفظ أكياس الدم من نفس نوع دم الرئيس في الثلاجة.
لم يكن أحد بحاجة إلى مثل هذه الميزات حتى الآن، ولكن دور الخدمة السرية هو توفير كل شيء، بما في ذلك، لما لا، نهاية العالم الزومبي! فقد تم النظر في مثل هذا السيناريو من قبل البنتاغون، تحت الاسم الرمزي CONOP 8888. فرضية بعيدة المنال، لكنها درست، من يدري...
الخوف من التسلل
منذ الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير، وهي سابقة في التاريخ الأمريكي، تصاعد التوتر بدرجة كبيرة في أروقة شارع 950 إتش بمقر الخدمة. “هناك بشكل دائم جميع أنواع التهديدات الإرهابية، الخارجية والداخلية، من اليمين واليسار”، يقول جيه جيه هينسلي، الوكيل السابق المتخصص في التجنيد. قبل الاعتراف بأن “خطر وقوع هجوم من قبل المتعصبين للبيض أصبح اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى».
دون اعتبار حتى أكثر الافتراضات تطرفاً، تتساءل الخدمة السرية: كيف يمكن للرئيس أن يتحرك بشكل طبيعي في بلد يعتبر فيه ثلث الناخبين أن جو بايدن غاصب بعد أن سرق انتصاره؟ ما يقلق قادتها بشكل خاص هو احتمال انعدام الولاء من جانب عملاء معينين، أو حتى من التسلل.
بعد انتفاضة 6 يناير، فُتح تحقيق بشأن ضابط شجع، على فيسبوك، “الوطنيين على التحرك” رغم أن جميع العملاء يخضعون بانتظام لجهاز كشف الكذب، ويخضعون “لفحص الخلفية” (تحقيق شامل) كل خمس إلى سبع سنوات، إلا أنه من الممكن تمامًا، كما يؤكد هينسلي، “انه تطرّف في وقت أقل من هذا «.
ولتفادي هذا الاحتمال، شرع جو بايدن، حتى قبل التنصيب، في تطهير شامل لحرسه الشخصي، ودعوة أولئك الذين قاموا بحمايته خلال فترتي ولايته كنائب للرئيس. وسيتعين على رئيس الخدمة الحالي، جيمس موراي، أن يترك مكانه قريبًا إلى رجل يتمتع بالثقة، ليونزا نيوسوم، الذي قاد فرقة حماية أوباما.
ديفيد تشو، المعروف من قبل مواطنيه باسم “جو الثاني” (يُنطق «ch» باللغة الكورية “جي”)، قد نجا من التطهير. وأكثر من ذلك تمت ترقيته إلى منصب رئيس الحرس الرئاسي. ان صرامته الشديدة وإحساسه بالتفاصيل جعلته أساسيًا. وقد أظهر الرجل فعاليته من خلال تنظيمه ببراعة للاجتماع التاريخي بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون، عام 2019. وهي مهمة أكسبته الميدالية الذهبية لوزارة الأمن الداخلي (ما يعادل وزارة الداخلية)، في 2019.
يمكن للرئيس جو بايدن أن يطمئن، ديفيد تشو ورجاله يسهرون ويراقبون.