يطلّ الممثل الكبير رشيد عساف في الموسم الرمضاني الحالي من خلال مسلسل «كسر عضم – السراديب» الذي حقّق الجزء الأول منه نجاحاً لافتاً العام الماضي، وهو يركّز في جزئه الجديد على الفساد في سورية «والذي نتج من حصارٍ معيّن تعيشه سورية وعدد من الدول العربية».

• هل صحيح أنك اعتذرتَ عن عدم المشاركة في الجزء الأول من «كسر عضم» بسبب ارتباطات فنية أخرى؟
- نعم، واسمي كان مطروحاً للمشاركة في الجزء الأول، ولكن تَضارُبَ مواعيد التصوير حال دون ذلك لأن رمضان يحلّ في كل عام قبل 10 أيام من السنة التي سبقتْه، عدا عن أن تقلبات الطقس والأمطار يمكن أن ترجئ التصوير، ما يؤدي إلى حصول تغييرات في جدول مواعيد التصوير الذي رسمتْه الجهة الإنتاجية، وهذا الأمر أَوْقَعَني في مشكلةٍ مع الجهة الإنتاجية الثانية لأنه يوجد عقد وشروط معها. صحيح أن مُنْتِج المسلسل انزعج العام الماضي، ولكنه فرح بمشاركتي في الجزء الثاني هذه السنة لأن دوري هو رافعة له وسيساهم مع بقية الزملاء الفنانين في حمْله وتقديمه بأفضل شكل.
• ما أكثر ما لفتك في هذا الدور، خصوصاً أنك تحرص على تقديم الأدوار الهادفة والمشاركة في الأعمال التي تحمل رسالة؟
- عندما يُعرض دور على أي ممثل، فإنه يعرف ما وظيفته وما هدفه وما الرسالة التي يريد إيصالها ضمن فريق العمل ككل ما دام جزءاً من تفاصيله. ولكنني أحببتُ دوري في الجزء الثاني أكثر من الأول، وسواء كان ينحو هذا الدور ناحية الشر أو الخير، فكلاهما يحمل دلالةً معينة كرسالة إنسانية وفكرية للجمهور ولتكريس حالة معينة.
ودوري في هذا العمل يركّز على حجم الفساد المستشري الذي نتج عن حصارٍ معيّن تعيشه سورية وعدد من الدول العربية لتنفيذ مخطط معيّن يحضّر للمنطقة، ونحن ركّزنا كثيراً على أن هذا الفساد هو نتيجة للخلل الاقتصادي وغياب الطبقة الوسطى التي هي الركيزة الأساسية في أي مجتمع.
نحن نعيش منذ أيام جورج بوش في صعود لأرقام محدودة من المليارديرات والملتيمليارديرات مقابل تراجع كبير في الطبقة الوسطى وزيادة عدد الفقراء الذين أفقدهم الفقر القدرة على التفكير بعدما أصبحت لقمة العيش هي الهاجس الأول والوحيد لرب الأسرة الذي خسر القدرة على الاهتمام سواء بالقضايا الفكرية أو السياسية.
والمعروف أن الطبقة الوسطى أساس المجتمع وتربط بين الطبقتين الغنية والفقيرة، ولكنها لم تعد موجودة اليوم. والمسلسل يركّز على هذا الموضوع وأننا نعيش حالة فساد معين وما الذي يفترض بنا أن نفعله كي نتخلص منه، ولكن من دون مهاجمة سلطة محدَّدة بل رموز معينة، وأن ندلّ السلطة على مَن هم الفاسدون ليعود إليها كيفية معالجة الموضوع.
وظيفة الفنان هي وضع الإصبع على الجرح ولكن ليس مداواته لأنه ليس خبيراً اقتصادياً أو فكرياً كي ينهض بالمجتمع ويصلح الخلل فيه. وقد أعجبني دور الضابط كنعان لأن كل الأحداث ترتبط عنده وهو سيكون في نهاية المسلسل تفعيل لحدَث كبير جداً.
• وهل كل الممثلين يحملون هَمّ إيصال رسائل من خلال الدراما أم أن همّهم الوحيد الكسب المادي نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة؟
- بين ممثلي الجيل القديم والجيل الوسط يوجد مَن يهتم بتقديم فكر معيّن من خلال الدراما، وآخَرون همُّهم مادي فقط ومستعدّون للتنازل وتقديم أي شيء من أجل المال. الممثّلون الذين يسعون والقادرون على الثبات موجودون ولا يزالون مؤثرين، ولا بد من تَجاوُز الخلل الذي نمر به.
الفنّ موضة وفي فترة من الفترات سادتْ موضةُ الأعمال التي تقوم على الثنائيات التي تحب وتُغرم ببعضها من دون الالتفات للقضايا الانسانية والاجتماعية والتربوية. وبعض العائلات منعت أولادها من متابعة التلفزيون لعدم مشاهدة الحالة غير الأخلاقية في تلك الأعمال، ما يؤكد وجود خلل فكري وإنساني وأخلاقي غير عادي.
وظيفتُنا ركوب السكة الصحيحة وتحديد البوصلة التي يمكن من خلالها تقديم الخير والأخلاق الرفيعة للناس، عبر أعمال تعيد الإنسان أخلاقياً إلى الفطرة. وهناك مجموعة من الفنانين يحافظون على هذا الإرث ويعملون من أجل تكريسه. ولكنني لا ألوم أحداً من ممثلي الجيل الجديد ولا حتى ممثلي الجيل القديم الذين يلهث بعضهم وراء المال. وحتى بعض الممثلين الجدد شعروا بأنهم تورطوا في تلك الأعمال وقرروا الابتعاد عنها لتقديم الأفضل. وأنا سئلتُ عن إمكان مشاركتي في الأعمال المعرَّبة فقلت لا مانع لديّ في حال تمت إعادة صياغتها كي تصبح بطابع محلي وأن تكون من الناحية الأخلاقية ملائمة للمجتمع الشرقي المُحافِظ نوعاً ما.
• ولكن عدداً كبيراً من كبار النجوم كانوا يرفضون المشاركة في الدراما التركية المعرَّبة ثم ما لبثوا أن قبلوا بها؟
- لا مشكلة في هذا الموضوع، وربما وجد البعض نفسه مجبراً مادياً على المشاركة فيها بينما جرّب آخرون ثم اكتشفوا أنها لا تُناسِبهم. هناك محاولة من خلال تلك الأعمال للتأثير على فكر المنطقة للقبول بأي شيء والتنازل عن أخلاقيات معينة ثم عن الأرض ومن ثم الهجرة كي يقيموا مكان أهلها.
• هل تلمس هذه السنة تَراجُعاً في الأعمال السورية - اللبنانية المشتركة؟
- هذه السنة تراجعت هذه الأعمال وخفّ تأثيرُها، ومشكلتُها أن أفراد العائلة الواحدة يكونون من جنسيات مختلفة ويتكلّم كل منهم بجنسية بلده. وهذه التركيبة غير صالحة، بل يمكن تقديم عمل مشترك يجمع مجموعة ممثلين من جنسيات مختلفة يعيشون في مبنى واحد أو حارة واحدة كما يحصل في الدول التي يكون فيها هجرة للعمل، وخصوصاً في دول الخليج. وعندها يمكن تقديم مسلسل مشوّق وجميل يكون كل ممثل فيه من موقعه الإنساني وانتمائه الاجتماعي والديني. وأنا لستُ ضد هذه الأعمال، بل ضدّ الأعمال التي اخترعوها واشتروا «السوشيال ميديا» من أجل الترويج لها، ولكن الجمهور كشف هذا الأمر. واليوم لم يعد بالإمكان من خلال «السوشيال ميديا» التأثير على الجمهور عند شتمهم للأعمال الجيدة والناجحة، لأن الجمهور يعترض ويدافع عنها ويُقْبِل عليها ويقول إنها جيدة.
• ما سر نجاح الدراما السورية في بلدها وخارجها؟
- هي مواسم، ويمكن أن نكون في حالة ضعف في موسم ما وتكون الحالة المصرية أو اللبنانية أقوى درامياً. كل شيء يرتبط بدعم المحطات للإنتاج فضلاً عن أن الناس يهتمون للدراما التي تتطرق إلى مواضيع تهمّهم. ولا شك أن المناخ سيصبح السنة المقبلة أكثر إيجابية. وأنا مع العمل الجيد مهما كانت جنسيته.
• هل توافق على أن الدراما السورية هي الأكثر جرأة على مستوى المضمون والمشهدية؟
- منذ بداية التلفزيون في الستينات وحتى اليوم، والدراما السورية تُعنى بقضايا الناس ولا تقدم أعمالاً مجانية، بما فيها الكوميدية. ولكن أحياناً يمكن أن يفلت عمل من هنا أو هناك ولكن مُنْتِجه يكون غير سوري ولا يهمّه من العمل سوى كمية الضحك والتهريج، وهذا الأمر يبدو واضحاً هذه السنة في بعض الأعمال، لكن الجمهور وضع لها حداً وتوقّف عن متابعتها، لأنه سبق للدراما السورية أن قدّمت حالات مماثلة قبل 20 عاماً، وبعض المحطات تريد هذه الأعمال وتدفع المال من أجل تشويه صورة المجتمع السوري وأنه مهرّج وبعيد عن اهتمامات الناس اليومية.