إحياء العلاقات الروسية-الإفريقية

روسيا تغلغلت في أفريقيا من دون روبل واحد

روسيا تغلغلت في أفريقيا من دون روبل واحد


ليس جديداً أنّ الصين حققت إنجازات دبلوماسية وتجارية واستراتيجية كبيرة في قارة أفريقيا. أما الذي لا يعرفه كثيرون فهو أن روسيا توغَّلَت في القارة السمراء دون أن تدفع روبل واحداً.
على مدار العقد الماضي، وبوتيرة مُتسارِعة، خلقت موسكو لنفسها حضوراً واسعاً في العديد من دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة، وكان أثرها خبيثاً إلى حدٍ بعيد، على حد وصف صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.

وشنَّت روسيا حملتها الخفية منذ أكثر من عقد عندما استغلت علاقاتها التي أقامتها إبان الحقبة السوفيتية لإعادة إحياء العلاقات مع إفريقيا.
فالاتحاد السوفيتي له ذكريات مُحببة على الصعيد الدولي لدى دول مثل أنغولا وموزمبيق وجنوب أفريقيا إذ ساندها في لحظات تاريخية فارِقة في الوقت الذي كان السّاسة في الغرب يدينون قادة التحرير الأفارقة، بمن فيهم نيلسون مانديلا، ويصفونهم بالإرهابيين.

والعرض الروسي الجديد بسيط وبدائي. فسياستها الدبلوماسية الراهنة تقضي بخفض الأسعار وبشكلٍ غير مُتـناسب، بحيث تُسفر عن إنجازات سريعة ذات قيمة محدودة أو رأس مال سياسي كبير. فهي تُقدِّم الأسلحة وأجهزة المراقبة لأنظمة حاكمة عادِلة وأخرى مُستبدة على حدٍ سواء، وتسمح بالدخول لشركات على دراية كبيرة بكيفية استخراج الذهب أو الأحجار الكريمة دون أن تفرض عليها رقابة مُبَالَغ فيها. فبين 2017 و2021، كان 44% من الأسلحة التي عُرِضَت على الدول الإفريقية روسيَّة الصنع.

والأدهى أن تصرفات روسيا في فترة ليست بالبعيدة ازدادت غموضاً، بحسب التقرير. ففي جمهورية أفريقيا الوسطى المُعْدَمَة، أبرم مُرتزقة من مجموعة فاغنر التي تربطها روابط قوية بشركة مخابراتية تابعة لمديرية المخابرات الرئيسية الروسية صفقة عام 2018 بهدف حماية الرئيس في مواجهة المليشيات التي تُهدِّد العاصمة.

واتهمت جماعات حقوق الإنسان شركة فاغنر بضرب المدنيين وإقامة عمليات إعدام صورية وتعذيب الناس. وأنكرت موسكو أي علاقات لها بشركة فاغنر. ورغم ذلك، فقد فازت شركات روسية بحقوق إدارة مناجم ذهب وألماس في تلك الدولة.

وإذ كانت جمهورية إفريقيا الوسطى دولة خاضعة لسيطرة أجنبية، فدولة مالي تتجه إلى المسار ذاته. ففي أغسطس (آب) 2020، عندما أطاح الجنرالات بالإدارة المدنية العقيمة، خرج المُتظاهرون وهم يلوحون في شوارع العاصمة بأعلام روسيا وصورٍ لفلاديمير بوتين. وفي الشهر الماضي، استُدعي الفرنسيون غير المُحببين الذين أرسلوا قواتهم عام 2013 نزولاً عند رغبة العاصمة الماليّة باماكو لمحاربة تمرد جهاديّ في بلدٍ آخر. فقد تم التعاقد مع شركة فاغنر لحماية المجلس العسكري والحفاظ على النظام. وشاعت تقارير من منظمات حقوق الإنسان عن وقوع انتهاكات.

تتكرر هذه الصورة، بأشكال مختلفة، في مواقع دولية تتعلق بليبيا والسودان. وحتى الحلفاء الغربيين الصوريين اكتشفوا ثِقلاً موازناً مفيداً في موسكو. والواقع أن الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني الذي سيطر على مصادر الطاقة لمدة 36 عاماً تقاربَ من روسيا بقدر تقاربها منه. فخلال زيارة حالية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال موسيفيني إن روسيا كانت “معنا على مدار المائة عام الماضية».

ويبدي الحكام المُستبدون سعادة بالمساعدات التي يتلقونها من روسيا حفاظاً على فرض رقابة على المجتمعات المدنية وقمع المظاهرات. غير أن موسكو لا تُقدِّم شيئاً يحقق تحسّناً ملموساً حقاً، وفق الصحيفة. أما تدخلات الصين، فقد كانت بنَّاءَة بقدرٍ أكبر بكثير على الرغم من كل الانتقادات. ورغم ذلك، ثمة خطر يتمثل في أن ترى بكين أن مساعيها تنسجم مع مساعي موسكو، وخاصَّة في حالة الدعاية المناوئة للغرب.
وأكد تقرير الصحيفة البريطانية أنه يتعين على أوروبا والولايات المتحدة أن يقدما شيئاً أفضل في المقابل. وهذا يعني أن عليهما دعم المجتمعات المُنْفَتِحَة. ويعني أيضاً تشجيع التحوّل في القارة السمراء بإقناع الدول الإفريقية بفكرة الثورة الصناعية، والفرار من الاعتماد على السلع غير المُعالَجَة التي تُعدُّ إرثاً مُفقِراً ورثته قارة إفريقيا من حقبة الاستعمار.

واختتمت “فاينانشال تايمز” تقريرها بالقول: “عادةً ما يتراجع الغرب سريعاً. فتورط جيوشه في ليبيا ساعدَ على إطاحة ديكتاتور، غير أنه أثارَ ذوبعة عارمة داخل منطقة الساحل. إن أوروبا المُتَعطِّشَة لليد العامِلة بحاجة إلى هجرةٍ منتظمة.
 والشركات الغربية، وخاصّة التي تعمل في الصناعات الاستخراجيّة، كثيراً ما تُقدم رشاوى أو تنهب المناطق المحيطة بنطاق عملها. على الغرب أن يرفع من مستوى جهوده لإحياء القارة السمراء. وينبغي له أن يستميت في الاهتمام بقدرٍ أكبر بكثير بالقارة التي من المُتوقع أن تؤوي بحلول 2050 رُبع سكان العالم. وإن لم تفعل، فلن تتوانى روسيا وغيرها من البلدان عن فعل ذلك».