التعاون العسكري الأساس
روسيا وكوريا الشمالية.. اقتصاد المقايضة و«صفقات الظل»
باتت كوريا الشمالية جزءًا مهمًّا مما يُعرف بـ «شبكة أصدقاء روسيا» التي تُقلل إلى حد كبير من أثر العقوبات الغربية على موسكو، فبعد أن مدّت بيونغ يانغ حليفها في الكرملين التعاون بالجنود والمعدات والأسلحة، تنامى التعاون الاقتصادي بينهما.
ووفق أرقام رسمية، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين موسكو وبيونغ يانغ من 34.5 مليون دولار في عام 2023، إلى 52.9 مليون دولار في العام الماضي، شاملة الغذاء والوقود فقط، من دون الصفقات العسكرية «الأوسع والأضخم».
ويتخطى التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية في قطاع النفط، الحدّ المسموح به دوليًّا، إذ بلغ توريد البترول من موسكو إلى بيونغ يانغ أكثر من مليون برميل في العام 2024، متجاوزًا بذلك قرارًا أمميًّا فُرض في عام 2017، وينص على ألا تتجاوز تجارة النفط روسيا أكثر من 500 ألف برميل سنويًّا.
تقوم الشراكة بين روسيا وكوريا الشمالية على ما يمكن تسميته بـ «اقتصاد المقايضة وصفقات الظل»، وهو ما اقتضته ظروف الحرب على روسيا، وسلسلة العقوبات الغربية التي حاولت حصار اقتصادها، فمثلاً مقابل ذهاب آلاف العمال الكوريين إلى سيبيريا، تقدّم موسكو مساعدات غذائية ووقود ومعدات زراعية إلى بيونغ يانغ.
ووفق تقرير لمجلة «ذا كونفيرتشون»، فإن «شبكة أصدقاء روسيا»، التي تضم إلى جانب كوريا الشمالية دولاً أخرى مثل الصين والبرازيل والهند وأوزباكستان وتركيا، جعلت جهود واشنطن لمعاقبة موسكو، أشبه بفرض «عقوبات على أشباح».
وتصف المجلة العلاقة الاقتصادية بين روسيا والولايات المتحدة بأنها أصبحت «مجرد قشرة خارجية»، حيث انخفض التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 90% منذ عام 2021، وهو العام الذي سبق الحرب في أوكرانيا.
في غضون ذلك، طوّرت روسيا شبكة من الشركاء الأساسيين لدعم مجهودها الحربي، وبينما لا يزال الاقتصاد الروسي يواجه تحديات إلى حد ما، فقد صمد إلى حد كبير أمام تأثير العقوبات الغربية منذ عام 2022. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 1.5% هذا العام، رغم استمرار ارتفاع التضخم.
التعاون العسكري.. الأساس
يعدّ التعاون العسكري حجر الأساس في العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا، إذ بلغت «صفقات الظل» في جانب التسليح بينهما أكثر 5 مليارات دولار في 2024، لتشكل نحو نصف ذخائر الجيش الروسي في ذلك العام.
ومن الأسلحة إلى الدعم البشري، حيث زوّدت بيونغ يانغ موسكو بأكثر من 10 آلاف جندي أُرسلوا إلى منطقة كورسك، فيما ذكر تقرير قبل أيام لقناة «دويتشه فيله»، أن كوريا الشمالية تستعد لإرسال المزيد من القوات إلى روسيا، من بينهم مهندسون وعمال عسكريون.
ويقول محللون، إنه بالنظر إلى الفوائد التي حصل عليها الجانبان من تحالفهما، فمن المرجح أن ترسل كوريا الشمالية المزيد من القوات للقتال إلى جانب نظيرتها الروسية على المدى الطويل. وقال ياكوف زينبرغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوكوشيكان في طوكيو، إن «موسكو وبيونغ يانغ تحصلان على ما تريدانه من هذا الاتفاق»، وفق ما نقلت عنه قناة «دويتشه فيله».
وأضاف «روسيا تكبدت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، والحكومة لا تريد توسيع نطاق التعبئة إلى المدن الكبرى، مثل موسكو وسانت بطرسبرغ».
ورغم أن بيونغ يانغ استخدمت نشر القوات كأداة للدعاية، فإن وجود القوات الكورية الشمالية يعد بمثابة نعمة للسلطات الروسية والمواطنين الروس على حد سواء.
وقال زينبرغ، الذي ينحدر أصلا من سانت بطرسبرغ، «إن غالبية الذين تم تجنيدهم حتى الآن كانوا من الجمهوريات النائية، ولم تكن هناك مقاومة تذكر، ولكن عندما أتحدث إلى الروس يقولون دائمًا إنهم يخشون من التعبئة الأخرى».
كما رأى زينبرغ أيضاً أن استخدام الجنود الكوريين الشماليين يهدف إلى «نشر الخوف» بين حلفاء أوكرانيا الأوروبيين، الذين كانوا يأملون في السابق أن تنفد من روسيا الرجال والمواد عاجلاً وليس آجلاً، في حين أن وجود حليف مسلّح نووياً في شرق آسيا من شأنه أيضاً أن يبقي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان على أهبة الاستعداد.
ويتفق را جونج يل، الدبلوماسي السابق وضابط الاستخبارات الكوري الجنوبي الكبير، على أن «السبب الأساس» وراء موافقة كوريا الشمالية على إرسال المزيد من القوات هو الخسائر التي تكبدتها روسيا بالفعل على خطوط المواجهة.
وأضاف «يبدو أن بعض هذه القوات سيتم استخدامها أيضًا كعمال لإعادة بناء البنية التحتية في المناطق المحتلة، وهو أمر تجيده القوات الكورية الشمالية لأن هذه هي الطريقة التي يتم استخدامها بها غالبًا في الشمال».
وتوقع را أن تستمر كوريا الشمالية في «إرسال المزيد من الأفراد حتى بعد انتهاء القتال، في حين أن روسيا ستظل تعاني من نقص شديد في العمال لإعادة بناء المناطق المتضررة من القتال».
وتشير تقييمات الاستخبارات إلى أن روسيا سددت لكوريا الشمالية الوقود والغذاء والوصول إلى المعدات العسكرية المتقدمة التي كان من الصعب على بيونغ يانغ تأمينها في السابق؛ لأن النظام يخضع لحظر صارم من الأمم المتحدة وعقوبات بسبب برنامجه الصاروخي النووي .
وهناك فائدة أخرى لبيونغ يانغ تتمثل ببساطة في هيبة كونها حليفًا رئيسًا لقوة عالمية، وهو التحالف الذي قد تستغله كوريا الشمالية لصالحها في تعاملاتها التجارية والأمنية مع الصين، التي كانت منذ فترة طويلة الشريك والحامي الأقرب للنظام.