سيناريو «داعش» في العراق يطارد واشنطن في أفغانستان
رجّح الكاتب الأمريكي بن هابرد أن يُعيد التاريخ نفسه، وتجد واشنطن نفسها مضطرة للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان على غرار ما حصل معها في العراق حين فتح انسحاب القوات الأمريكية من بلاد الرافدين الباب أمام ظهور تنظيم “داعش».
وأوضح هابرد، في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أنه “بعد سنوات مجهدة من القتال ومقتل القوات الأمريكية في أفغانستان، استجاب الرئيس الأمريكي جو بايدن للقلق المتزايد للناخبين من الحرب، وأعاد قوات بلاده إلى الوطن.
بعد فترة ليست طويلة، اقتحمت جماعة متطرّفة الأراضي، التي رحلت عنها الولايات المتحدة، واستولت على السلطة، وسيطرت على المقدرات، التي تقدّر بمليارات الدولارات التي أنفقتها الإدارات الأمريكية لتحقيق الاستقرار في أفغانستان.
هذا الأمر أعاد إلى الأذهان مشهد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، إبان ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، حين أقام تنظيم “داعش” الإرهابي إمارته المتطرّفة، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى إرسال قواتها مرة أخرى لطرد المتطرفين.
ويبدو أن هذا السيناريو محتملٌ في أفغانستان، حيث تسبّب قرار بايدن بسحب القوات الأمريكية، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، في تقدّم سريع لحركة “طالبان”، وهي الجماعة المتطرّفة نفسها، التي قرّرت واشنطن غزو أفغانستان من أجل القضاء عليها بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وأدى التحدي المتمثّل في تحقيق المصالح الأمريكية في المجتمعات المعقّدة والبعيدة مثل أفغانستان والعراق، إلى إرباك صنّاع السياسة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء، وذلك منذ أن أعلن الرئيس جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب قبل عقدين تقريبًا.
في السنوات التي تلت ذلك، تأرجحت كيفية تحديد هذه المصالح بشكل كبير، مدفوعة في بعض الأحيان بالرغبة في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي أحيان أخرى بسبب السخط، لأن الجهود المكلفة التي تبذلها الولايات المتحدة لم تؤت سوى القليل من ثمارها.
ورجّح بعض المحللين والمسؤولين السابقين في الولايات المتحدة، أن الأصدقاء والأعداء يرون أنه لا يمكن أبداً ضمان المدة، التي ستبقى فيها الولايات المتحدة.
وقال السفير الأمريكي السابق في العراق وأفغانستان ريان كروكر: “كأمة وحكومة، نفتقد الصبر الإستراتيجي، للأسف.. أصبح أعداؤنا في المنطقة يعتمدون على عدم ثباتنا في المسار».
قد يجر قرار بايدن بمغادرة أفغانستان، الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الدولة الهشة، بعد أن استولت حركة “طالبان” على 6 عواصم إقليمية، وكشفت ضعف القوات الأفغانية، التي كان من المفترض أن تتولى زمام الأمور، بعد أن تنهي الولايات المتحدة انسحاب قواتها.خلال تقدمها، اتُهمت طالبان باستخدام الاغتيالات والتفجيرات لتخريب المحادثات التي تهدف إلى تشكيل حكومة تقاسم السلطة. كما يحذر خبراء أمنيون من أن الجماعات الإرهابية، مثل “القاعدة” و”داعش”، قد تستخدم أفغانستان للتخطيط لهجمات جديدة في الخارج.
وذكّر هذا الأمر بسابقة مشؤومة لانسحاب أوباما من العراق عام 2011، عندما كان بايدن نائباً للرئيس. إذ بعد الانسحاب الأمريكي من العراق بعامين، استفاد تنظيم “داعش” من فوضى الحرب الأهلية في سوريا لإرساء موطئ قدم هناك، ثمّ عاد جهاديوه إلى العراق، واستولوا على المدن وأقاموا ما يسمى بالخلافة.وإزاء الصدمة من عنف التنظيم، والقلق من أنه سيُلهم بهجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم، عاد الجيش الأمريكي على رأس تحالف دولي، إلى العراق لدحر الإرهابيين.
وقال حارث حسن، الزميل البارز في معهد “كارنيغي للسلام الدولي”: “لا يمكننا إلا المقارنة بين العراق 2011 وأفغانستان 2021. إن العديد من العوامل التي ساهمت في صعود تنظيم داعش موجودة في أفغانستان”، ومن السذاجة أن يعتقد صانعو السياسة بأن مثل هذه المشاكل لن تنتشر في النهاية عبر الحدود».وأردف “في نهاية المطاف، إذا قرّرت الولايات المتحدة فكّ الارتباط، فإن صعود جماعات مثل داعش وطالبان، وهي قوى متطرفة تستطيع زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، ستؤثر في النهاية على المصالح الأمريكية».
وبدوره، قال كروكر إن انسحاب الولايات المتحدة بعد التفاوض مع “طالبان” كان بمثابة “استسلام أمريكي”، مضيفاً أن “طالبان يمكن أن تقدّم نفسها الآن على أنها الحركة الإسلامية التي هزمت الشيطان الأكبر، وسوف يتردد صداها دولياً».
بدوره، عزا عمر صدر، أستاذ العلوم السياسية في العاصمة الأفغانية كابول، مشكلات ضعف القوات الحكومية الأفغانية، إلى فشل الولايات المتحدة في العمل داخل الآليات السياسية والثقافية الأفغانية.
ومع الانسحاب السريع للقوات الأمريكية، شعر العديد من الأفغان أنهم تركوا بمفردهم للتعامل بمفردهم مع الفوضى التي خلّفتها السياسات الأمريكية جزئياً.
وقال صدر “لم تكن عملية بناء الدولة بأكملها مبنية على الاحتياجات والظروف المحلية، ولكن على نموذج تمّ إحضاره من الخارج. والآن، نشهد الانهيار السريع لنظام الدولة الأفغانية».
وفي هذا السياق، قالت الباحثة الأفغانية أورزالا نعمات، إنها عارضت الغزو الأمريكي، لكن في السنوات التي تلت ذلك، “أصبحت الولايات المتحدة متورطة في الحياة الأفغانية بحيث لا يمكن لواشنطن الانسحاب فجأة، دون تأمين البلاد لتتمكن من إحراز أي تقدم».
وإذ اعترفت بأن العديد من الأطراف ساهمت في المشاكل الحالية في أفغانستان، إلا أنها أكدت أن ذلك “لا يعفي الولايات المتحدة من مسؤولياتها».