عادت واختارت أن تكون العودة من خلال المسرح

شريهان: (كوكو شانيل) تجربة استثنائية في تاريخ المسرح المصري

شريهان: (كوكو شانيل) تجربة استثنائية في تاريخ المسرح المصري

لم يكن أمرا سهلا إقناع شريهان بالعودة، لكنها عادت واختارت أن تكون العودة من خلال المسرح، عادت كأنها لم تغب عنه ثلاثين عاما، لم تفقد لياقتها أو رشاقتها، لتقف على خشبة المسرح أكثر من ساعتين، امتزجت فيهما الكوميديا بالتراجيديا مع الغناء واستعراضاتها الشيقة الشقية، لتستعيد جزءا كبيرا من مجدها الذى لم يغب عن ذهن الجمهور، ولم يخب ظنه فى انتظارها طيلة ثلاثين عاما، منذ مسرحية (شارع محمد على) فى العام 1991، التى كانت المحطة الأهم قبل الابتعاد، لفنانة حلمت بكل خطوات ومحطات مشوارها الذى بدأته ولم تكن قد بلغت عامها الثامن.

عندما ولدت شريهان أحمد عبد الفتاح الشلقانى، لم تكن هى الطفلة الأولى لوالدتها السيدة عواطف محمود هاشم، بل الثالثة بعد أخويها "جيهان وعمر"، من الزواج الأول لوالدتها من مدير التصوير أحمد خورشيد، الذى لم يستمر طويلا، بعد أن تبدد حلم الزوجة فى أن تكون إحدى نجمات السينما، عبر الزواج من أحد أكبر مديرى التصوير، ليحدث الانفصال وتتزوج بعد ذلك من أحمد عبد الفتاح الشلقانى، أحد أثرياء القاهرة، وابن عبد الفتاح الشلقانى نقيب المحامين آنذاك، وتنجب منه طفلتها شريهان، التى ما إن بلغت الخامسة من عمرها، وأصبحت تدرك ما حولها، حتى شعرت بالجينات الفنية تتدفق فى عروقها، فراحت تملأ الدنيا رقصا وغناء وتمثيلا، لتكون والدتها والمقربون هم جمهورها الأول، غير أن المحطة الأهم كانت عند شقيقها الأكبر عمر خورشيد، الذى أصبح أحد أهم وأكبر عازفى الجيتار فى مصر والوطن العربي، للدرجة التى مكنته من الوقوف خلف أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وغيرهما من كبار مطربى ومطربات مصر والوطن العربى.

آمن عمر بموهبة شقيقته الصغيرة التى لم تتجاوز خمس سنوات، وراح يختبر موهبتها أمام كوكب الشرق، والعندليب الأسمر، فدخلت منزليهما بصحبته، لترقص وتغنى أمام أم كلثوم، وتحضر البروفات فى منزل حليم، ليتأكد للجميع أنهم أمام موهبة من نوع خاص، وقبلهم كانت والدتها التى آمنت بموهبتها، لدرجة أنها قررت أن تنتج لها عملا فنيا، قبل أن تكمل عامها التاسع، وقامت بتكليف السيناريست فيصل ندا بكتابة مسلسل تليفزيونى لها، فكتب لها مسلسل "المعجزة" الذى أخرجه أحمد طنطاوى عام 1973، وشارك بالتمثيل فيه معها كبار نجوم ونجمات المرحلة: عمر الحريرى، ليلى طاهر، يونس شلبى، صلاح السعدنى، وعلى الشريف.

أكد مسلسل "المعجزة" أن فاتن حمامة وفيروز ونيللى، لم يكن آخر المعجزات الفنية، بل هناك معجزة جديدة ولدت نجمة، اسمها تصدر تتر أول عمل لها، ليسبق كبار النجوم والنجمات، وبعد أقل من سبع سنوات تأتى الانطلاقة الحقيقية للمعجزة بعيدا عن والدتها وشقيقها، عندما اختارها نجم الكوميديا الراحل فؤاد المهندس، لتكون إحدى بناته فى المسرحية الشهيرة "سك على بناتك" للكاتب لينين الرملى فى العام 1980، لتحقق المسرحية وشريهان نجاحا مدويا، ليستعين بها المؤلف نفسه فى العام التالى لتكون البطلة الأولى أمام محمد صبحى ومن إخراجه فى مسرحية "أنت حر"، غير أن الحلم لدى شريهان لم يكن قد اكتمل بعد، فراحت تتنقل بين التلفزيون والمسرح والسينما، بحثا عن العمل الذى يمكن أن يساعدها على تفجير طاقاتها الفنية ومواهبها المتعددة فى التمثيل والغناء والرقص الاستعراضى، والتنقل بين الكوميديا والتراجيديا والرومانسية، فقدمت للتليفزيون مسلسلات "سر الغريبة، أرزاق، وعادت الأيام، الامتحان، دعونى أعيش، الليل والقمر، الجلاد والحب، ألوان، بلاغ للنائب العام: قصة حب، رحمه، نار ودخان، ودمى ودموعى وابتسامتى".

بالإضافة إلى المحطة التليفزيونية الأهم من خلال تقديم "الفوازير" وحلقات "ألف ليلة وليلة"، فى الوقت نفسه وجدت ضالتها السينمائية مع عدد غير قليل من أهم مخرجى مصر والوطن العربى، "أشرف فهمى، حسين كمال، محمد عبد العزيز، خيرى بشارة، محمد خان، رأفت الميهى، عاطف الطيب"، بالإضافة للتونسى رشيد فريشو، فقدمت معهم وآخرين أهم أفلامها: "الخبز المر، المتشردان، العذراء والشعر الأبيض، درب اللبانة، خلى بالك من عقلك، مدام شلاطة، قفص الحريم، شارع السد، الطوق والإسورة، المرأة والقانون، فضيحة العمر، العقرب، الحب والرعب، يوم حار جدا، كريستال، كش ملك، سوق النساء، ميت فل، جبر الخواطر، لماضة، عرق البلح، والعشق والدم"، شاركت فيها كبار نجوم عصرها، سواء من جيلها أم الجيل السابق عليها أم اللاحق لها، ليظل للمسرح مكانة خاصة جدا فى قلبها، فبعد تألقها أمام المهندس وصبحى، عادت لتقدم مع محمد صبحى مسرحية "المهزوز، ثم مع فؤاد المهندس "علشان خاطر عيونك"، لتكون مسرحية "شارع محمد على" أمام فريد شوقى، المحطة المسرحية الأخيرة قبل الابتعاد، ليتم تأجيل استكمال الحلم قسرا، فتقرر شريهان الابتعاد والاختفاء من المشهد بالكامل بعد فيلمها الأخير "العشق والدم" فى العام 2002، لتعيش أكثر من 17 عاما بين الألم والأمل، ومحاولات للكسر والإثناء، والصمود والرجاء، والحلم باستكمال الحلم.. إلى أن عثرت على ضالتها فى "كوكو شانيل".

كعادتها فى أغلب أعمالها، حاولت شريهان برؤيتها الفنية وخبرتها الكبيرة، المزج بين التراجيديا والكوميديا والاستعراض والغناء، فى المسرحية التى تناولت حياة مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة "كوكو شانيل"، ومراحل حياتها المختلفة من الطفولة والفقر، إلى النجومية والتألق، وما بينهما من قصة صعود وشهرة، لتقدم "كوكو شانيل" ببصمتها الخاصة، التى عرفها الجمهور من خلالها، معتمدةً على الإيقاع السريع لحياتها وعلاقاتها بمَن حولها، سواء قصص الحب التى عاشتها أم علاقاتها بزملائها وأصدقائها، وأفكارها التى كان كل من حولها يعتبرونها نوعاً من الجنون، وكيف كانت قراراتها الجريئة، سبباً فى شهرتها وتجاوزها العديد من العقبات فى حياتها، فاستطاعت أن تعبر عن المراحل المختلفة التى مرت بحياتها، فى مزج بارع ما بين حياة "كوكو شانيل" و"شريهان".

تنطلق المسرحية من خلال مشاهد مصورة سينمائيا تعرض فوق خشبة المسرح، لسيدة تقرر أن تحكى حكاية لحفيدتها قبل أن تنام، وتروى لها قصة "كوكو شانيل"، لتنتقل الأحداث إلى خشبة المسرح، لنرى مشاهد من حياة "كوكو" فى بداياتها، وهى تبيع قبعات فى شوارع باريس مع صديقاتها "سيسيل" التى قدمته سمر مرسي، و"ماري" جسدتها إنجى وجدان، و"إيزابيل" جسدتها أسما سليمان، لتتنقل المسرحية ما بين الماضى والحاضر والمستقبل، مع عودة بين الحين والآخر إلى الجدة وحفيدتها، مرورا بقصة الحب الأولى من الثرى الذى اكتشف موهبتها "كابيل" الذى جسد دوره هانى عادل، ثم قصة حبها من ضابط جيش النازى الذى جسده أيمن القيسونى، خلال غزو ألمانيا لفرنسا، ومحاكمتها وقرارها بالهجرة، ثم العودة لفرنسا واستقبال ردود الفعل على قرارها بشجاعة، وقدرتها على الصعود مجدداً إلى قمة المجد، برغم ما واجهته من صعوبات.

استطاع المخرج هادى الباجوري، توظيف الإمكانات الكبيرة التى أُتيحت للعرض بشكل جيد، ما انعكس على الصورة النهائية للمسرحية، سواء فيما يتعلق بتقنيات الجرافيك أو الديكورات الضخمة الملائمة إلى حد كبير للحقبة الزمنية وللطرز الفرنسية فى مطلع القرن العشرين، مع براعة تغييرها بسهولة، سواء من الكواليس ومن أعلى خشبة المسرح، أم التبديل أثناء تغيير المشاهد، للانتقال بسلاسة من مشهد لآخر، والملابس التى قامت بتصميمها ريم العدل لكل أبطال المسرحية، مع احتفاظ شريهان بتصميم ملابس شخصيتها.

استخدم المخرج هادى الباجورى عبر الإضاءة وكاميرا البارع أحمد المرسى، مشاهد سينمائية فوق خشبة المسرح، فى حالة مزج فريدة، بين المسرح والسينما، مثل رقصة مشهد التعارف بينها وبين الضابط الألمانى، وولادة الحب بينهما، والخروج بروحيهما إلى الفضاء الرحب، ثم العودة إلى أرض الواقع، وكأنهما لم يغادرا مكانهما، كذلك مشهد اتهامها بالخيانة ونصب المحاكمة الشعبية لها من قبل الفرنسيين، فى استعراض مبهر، من بين الاستعراضات العديدة التى وضعها بإتقان هانى أباظة، أيضا مشهد زيارة طيف حبيبها الضابط الألمانى لها، ليقدما معا استعراضا قصيرا، بين الحقيقة والخيال، الطيف والواقع، فبدا أنها تراقص "شبحا"، ليحمل الاستعراض العديد من المشاعر والأحاسيس دون جملة حوار، نفذه هادى الباجورى ببراعة شديدة كبقية مشاهد المسرحية.

كما لجأ فى بعض المشاهد إلى تقسيم خشبة المسرح، سواء أفقيا أو رأسيا، للمزج بين الواقع والخيال، كما فى المشاهد التى تجمعها بحبيبها الضابط الألمانى، أم فى مشاهد الفلاش باك، كمشهد تذكرها كيف تخلى عنها والدها فى طفولتها عندما أودعها فى ملجأ، أو مشهد تذكرها كيف خدعها حبيبها الأول "كابيل"، ومشهد فشل عودتها للأضواء، والانتقال من المسرح للشارع إلى بيتها فى استعراض واحد، لعبت فيه الإضاءة وسرعة تغيير الديكور الدور الأهم، لتكون السينوغرافيا من ديكور وإضاءة وإكسسوارات، التى صممها محمد عطية، أحد أبطال العرض، مع ألحان مميزة وضعها إيهاب عبد الواحد، ومونتاج أحمد حافظ الذى لعب دورا بارزا، وهو ما يتجلى بوضوح فى كل مشاهد العرض، وصولا إلى مشهد النهاية الذى تصعد فيه من فوق ماكينة الخياطة إلى سماء المجد فى فضاء المسرح، لتؤكد شريهان أنها لاتزال على قمة الأداء المسرحى والاستعراضي، ولم تستطع فنانة أخرى، برغم الابتعاد ثلاثين عاما، أن تزحزحها عن مكانتها.

تجلى ذكاء شريهان ليس فقط فى المشاركة فى الرؤية الفنية وتصميم ملابس شخصيتها، ومتابعة كل مفردات العرض، بل امتد أيضا للمشاركة فى اختيار الأبطال المشاركين لها فى العرض، حيث حرصت على اختيار ممثلين رغم أدائهم البارع، إلا أنهم ليسوا ممن يتمتعون بوهج النجومية، حتى يستطيع الجمهور أن يرى شريهان بوضوح، دون أن يتداخل معها أضواء نجوم آخرين، سواء هانى عادل أم سمر مرسي، وإنجى وجدان، وأيمن القيسوني، وحنان يوسف، كما بدا واضحا أن مشاركة كل من آسر ياسين وتامر حبيب كضيفى شرف، جاء للمجاملة، فلم يضف كلاهما أى تميز للعمل.

لم يتح النص فرصة مناسبة لتقديم مشاهد كوميدية تظهر روح شريهان المرحة، كما لم يستطع المخرج أن يوظف لياقة شريهان وطاقتها الحركية لتفجير مواقف كوميدية، اعتاد عليها جمهورها فى المسرح، بل لم يستطع أن يوظف وجود الكوميديانة الوحيدة فى العرض، الفنانة إنجى وجدان.

أيضا لم يكن هناك اهتمام بالماكياج؛ حيث ظهرت كوكو فى جميع مراحل حياتها بالإطلالة نفسها، مع التركيز على اختلاف الملابس الملائمة لكل مرحلة فقط، وكأن الأحداث تدور فى فترة زمنية واحدة، وليس على مدار عقود، وبرغم البراعة الشديدة التى تميزت بها كاميرات أحمد المرسى، فإنه أصر على استخدام اللقطات العامة فى أغلب مشاهد المسرحية، ولم يقدم لقطات قريبة من شريهان أو بقية أبطال العرض، كما بدا أن العرض تم تنفيذه وتصويره دون جمهور، وقد ظهر ذلك بوضوح فى مشاهد دخول بعض الممثلين، ولحظات الذروة فى الأداء، لتأتى ردود الفعل متأخرة أو متقدمة من ضحك وتصفيق.ستظل "كوكو شانيل" تجربة استثنائية فى تاريخ المسرح المصري، سجلت باسم شريهان، فى ظل حرصها على الإشراف على جميع التفاصيل، بدءا من الكتابة واختيارها الفكرة والإشراف على الرؤية الدرامية، ومشاركتها فى اختيار الاستعراضات وأسلوب وشكل لقطات التصوير، واختيار المناظر والديكور وأسلوب تحريكه والملابس التى اختارتها بنفسها، لشخصية "كوكو" ورفيقاتها، مثلما شاركت بنسبة كبيرة فى اختيار فريق العمل، ما يجعل التجربة تخرج ببصمة شريهان الخاصة.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot