رمضان في فلسطين

صوت مدفع الإفطار يعلو على صوت المدرعات والمقلوبة والمسخن على المائدة مع المفتول والقدرة

صوت مدفع الإفطار يعلو على صوت المدرعات والمقلوبة والمسخن على المائدة مع المفتول والقدرة


نحن لا نعرف عن فلسطين إلا كفاح سكانها واصرارهم على التمسك بتراب أرضها وغصن الزيتون واحتضان الأقصى ووداع الشهداء بالزغاريد، أنها تسكن في قلب كل عربي، وبالرغم من تحديات عدة تحيط بالمجتمع الفلسطيني الذي يعيش تحت ظروف صعبة بالإضافة لانتشار كورونا إلا أن الشعب أبى الاستسلام وقرر أن يحب الحياة ويبتهج برمضان خاصة وأنه يمر بنفس حالة الطوارئ طوال الوقت وليس هناك جديد مع فيروس كورونا
 تروي الإعلامية سحر محمد “ سيدة الليلك “  قائلة  رمضان يبدء حين تصدح المساجد بالدعاء والابتهالات رغم أنها هذه الأيام لم تكن متاحة كما كانت في السابق، المسلمون يجسدون مظاهر الفرح التي يحيياها الأطفال وهم يحملون الفوانيس التي تعد من التقاليد المتوارثة، احتفظ شعب فلسطين بسمات وعادات ومظاهر ثقافية خاصة تناقلتها الأجيال فظلت خالدة في ذاكرة التاريخ حتى وقتنا الحاضر
ففي مدنها وقراها ومخيماتها تلوح في الأفق بعادات رمضانية تندمج مع روح العصر، وتتأقلم معه محافظة على سماتها وأصالتها، لكن تحديات التباعد الاجتماعي حالت دون ذلك وكان من أبرز هذه العادات قيام «كبير العائلة» أو من ينوب عنه بزيارة بنات العائلة وتقديم الهدايا لهن وغالباً ما يتم بعد الإفطار في الأيام الأولى من رمضان، ومن العادات المتوارثة أيضا «المسحراتي» بطقوسه المصاحبة لقدومه كالنقر على الطبل، وما يردده من الأناشيد العذبة التي تُوقظ النيام، منها «اصحي يا نايم.. وحد الدايم» قوموا لسحوركم جاء رمضان ليزوركم ، وهي ما تشعرهم بجمال هذا الشهر وأهمية مهنته بعيداً عن نغمات الجوالات المتعددة والمختلفة، لكن ذلك التقليد اضطر إلى التوقف كثيراً عند أهل المدن والقرى بسبب الاحتلال وخطر التجول ليلاً ونهاراً
وتذكر الإعلامية سحر محمد مفارقة أخرى تجعل رمضان في فلسطين يبدو مختلفاً عن أي بلد في العالم، هي أن مدفع الإفطار يصر على إعلاء صوته كل عام في أرجاء المدن والقرى برغم تداخل أصوات المدافع مع محركات دبابات الاحتلال ،ومن العادات أيضا تمسك الشعب منذ عقود طويلة بأصناف معينة من الطعام والشراب في رمضان، وتتسم كل منطقة بنوع معين من الأكلات، فالمقلوبة والمسخن الفلسطيني الشهير والمفتول والقدرة تبقى سيدة الموقف على مائدة الإفطار حيث تفرض نفسها على موائد غزة، بينما يتربع على عرش موائد الإفطار في الضفة الغريبة المسخن والمنسف الأردني، وكذلك لا تخلو موائد الإفطار من الشوربة الشهية و المتبلات والمخللات بأنواعها والسلطات المختلفة لفتح الشهية
وتضيف سيدة الليلك، تجتمع العائلة كلها في مشهد اجتماعي يحث على التكافل الاجتماعي في أجمل صورة وتتجسد فيها عادات الأسرة الواحدة وتبادل الإفطار الأسري وذلك برنامج لا يغيب عن أجندة العائلات الفلسطينية، وتتفنن ربات البيوت في إعداد الأكلات والتباهي بأشهاها وهذا العام اقتصار ذلك على توزيعها على الجيران والأسر المتعففة، أما التمور بمختلف أنواعها تبقى عروس مائدة الإفطار، إلى جانب المشروبات في مقدمتها شراب عرق السوس و«الخروب» وعادة ما تباع هذه المشروبات  في الساحات العامة والأسواق، إذ يتواجد هذا الشراب في غالبية المنازل وإلى جانبه قمر الدين، والكركديه والعصائر، أما الحلويات كالكنافة النابلسية الساخنة وفطائر «القطايف» فلا تكاد تخلو منها أي مائدة، وفي النهاية يبقى الطعام اللذيذ مطلباً فلسطينياً لا غنى عنه في رمضان، وذلك بغض النظر إن كانت العائلة تملك قوت يومها أو لا، لأن القناعة الفلسطينية تقول دائماً «رمضان كريم وكل يوم في رمضان رزقه معه وموائد الرحمن تعج في الساحات ودواوين المخاتير للفقراء
وتشير سحر محمد في ظل هذه الظروف العصيبة يتقاسم الجميع في فلسطين رغيف الخبز لتأمين إفطار عادل بين الصائمين، فيما كانت قبل جانحة كورونا  تكثر موائد الرحمن في المدن الكبيرة والمخيمات، فموائد الرحمن التي يتبناها المحسنين في باحات الحرم القدسي الشريف وفي مدن ومخيمات قطاع غزة بشكل خاص بالرغم من مخاطر جانحة كورونا والحظر الصحي التي تفرضه السلطة على الناس في ظل تخوفها من انتشار الوباء ،ونظراً أن الفلسطينيين يعتمدون على الأرض وما تنتجه مزارعهم المتواضعة من الخضروات والفاكهة ، تجد أبناء القرية الواحدة يغدقون بيوت الآخرين بكميات كبيرة من الخضار والفواكه المتوفرة لديهم، وفقاً لتقاليد متعارف عليها بحكم شهر رمضان حيث الكل يسامح الآخر وتلتقي الأسر ولو عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة ويتصدق المزارعين  حتى لو بما تنتجه أرضهم من الخضروات والفاكهة ذات الطعم الخاص التي يشتهر بها المنتج الفلسطيني في كافة المواسم خاصة برمضان
ندعو أن أهل فلسطين يعيشوا أجواء رمضان التي يحتفلون بها في كافة المدن والقرى والمخيمات، كانت  تضاء الشوارع بالبهجة وتتجمل الأسواق بليالي السمر انتظارا هلال العيد، لذلك تجد الفلسطيني رغم الحواجز والآليات المنتشرة، يصر على الفرحة والتمسك بممارسة طقوسه الدينية، يؤديها رغم التحديات ليعيش أجواء نفحات لا يعرف لذتها إلا الصائمين في داخل فلسطين رغم التحديات