عمر البشير الدكتاتور المعزول أمام القضاء

عمر البشير الدكتاتور المعزول أمام القضاء


الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي مثل أمس أمام محكمة في الخرطوم في قضية انقلاب على حكومة منتخبة في العام 1989، متهم أيضا بقضايا فساد وجرائم حرب، وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية. خلال ثلاثين عاما أمضاها في السلطة، ظهر البشير بأوجه متعددة، وهو اليوم يواجه خطر الحكم عليه بالإعدام.

والرجل البالغ من العمر 76 عاما، والذي رفض اليوم أن تتم التقاط صور له في قفص الاتهام، اشتهر برقصته التي كان يقوم بها خلال تجمعات جماهيرية، ملوّحا بعصاه، ولطالما ظهر واثقا من نفسه، ومن مواقفه السياسية. وصل الى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989، وبدأت محاكمته الثلاثاء بتهمة الانقلاب على الدستور كونه أطاح بحكومة منتخبة. وقمع الدكتاتور المحتجز في سجن كوبر بالخرطوم حيث كان اعتقل كل خصومه السياسيين، كل معارضة طوال فترة حكمه.

على مدى عقد كامل، تجاهل الرئيس السوداني عمر البشير مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحقه بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في إقليم دارفور، وتنقل خارج بلاده في تحدّ واضح للمحكمة الجنائية الدولية. ولكن أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية العارمة أنهت حكمه. وأطاح به الجيش في 11 نيسان/ابريل 2019. ووافقت الحكومة السودانية الحالية على تسليمه الى المحكمة الجنائية الدولية. وانتقل البشير، من كونه أطول الرؤساء الأفارقة مدة في الحكم، خلال سنواته الثلاثين في السلطة بين عسكري وإسلامي الى مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية. تحدّى البشير احتجاجات الشارع التي سبقت الإطاحة به. وحسم مصيره بعد تدخل الجيش. وكان أثبت على مدى سنوات قدرته على البقاء على الساحة السياسية، وتجاوز العديد من التحديات الداخلية.

كان يتميز بنزعته الشعبوية، ويصر على البقاء قريبا من الحشود ويخاطبهم باللهجة المحلية.في 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، وفي 2010، أصدرت مذكرة توقيف ثانية بتهمة ارتكاب “إبادة” في الإقليم الواقع في غرب السودان. ورغم ذلك، سافر البشير من دون أن يأبه بشيء الى دول عدة في إفريقيا وخارجها، كما زار روسيا والصين. وقبل أيام من اندلاع الاحتجاجات، زار دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وليصبح أول رئيس عربي يزور الأسد منذ اندلاع النزاع السوري في 2011. في السودان، استضاف البشير في 2018 محادثات بين زعماء جنوب السودان وساعد في التوصل الى اتفاق سلام أولي بعد خمس سنوات من النزاع المحتدم في البلد الناشئ.  في 30 حزيران/يونيو 1989، قاد انقلابا أطاح بحكومة الصادق المهدي، ودعمته حينها الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي.

تحت تأثير الترابي، وضع البشير السودان الذي كان مشرذما بين عدد كبير من القبائل ومنقسما بين شمال ذي غالبية مسلمة وجنوب يسكنه مسيحيون، على سكة الإسلام المتطرف. وأصبحت الخرطوم حينذاك مركزا للتيار الإسلامي الدولي واستقبلت بصورة خاصة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى أن طردته عام 1996 بضغط من الولايات المتحدة. في نهاية التسعينات، ابتعد البشير عن الترابي وانفصل عن الإسلام المتطرف سعيا لتحسين علاقاته مع خصومه وجيرانه.

ويقول الخبير في الشؤون الإفريقية مارك لافيرنيه، مدير الأبحاث في “المركز الوطني للبحث العلمي” الفرنسي، إن “البشير اكتسب مهارة مع الوقت، تعلم كيف يمارس السلطة، ولم يكن في البداية شخصية بارزة».واستفاد البشير في ذروة سلطته من العائدات النفطية وأحكم قبضته على البلد.