عملية شبعا.. محاولة فاشلة في توقيت خطأ وبسقف زمني محدد
لم تكد تشتعل المعركة في مزارع شبعا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية حتى توقفت سريعاً، كأنما قرار “اللامعركة” متوافق عليه بين ميليشيات حزب الله والجيش الإسرائيلي، أو أقله إذا لم يكن ممكناً تسميته اتفاقاً، يمكن وصفه بتوافق الضرورة المتبادلة الذي لا يحتاج لاتفاق الطرفين العدوين، بل يسير وفق تواطؤ الحاجات.
في التوقيت تبدو واضحةً حاجة حزب الله إلى استعادة صورته “مقاوماً” للإسرائيليين، هذه الصورة التي فقدها منذ لحظة اغتيال مسؤولين فيه لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في وسط بيروت.
واستكمل فقدان هذه الصورة بهجومه على بيروت في 2008 واستلحقها بمساهمته في الحرب السورية قتلاً، وتدميراً، ونهباً لأرزاق الدولة والناس فيها، وصولاً إلى تهريب المخدرات، وتبييض الأموال وخطف الناس، وتهديد الدول العربية بإرهابه المتنقل عبر دعم الميليشيات في اليمن والعراق وحربه على المدنيين.
ومنذ أيام قُتل عنصر من حزب الله أو عنصران أو أكثر في سوريا، في غارة استهدفت عناصر الميليشيات وضباطاً في الحرس الثوري الإيراني، وأطلقت الميليشيات تهديدات متنوعة للرد على الإسرائيليين، عبر مجندين في الإعلام، أو عبر بيانات وتصريحات زعيمها حسن نصرالله.
بالتزامن مع ذلك، نشرت إسرائيل جنودها في مزارع شبعا والشريط الحدودي مع لبنان تحسباً لأي هجوم يمكن أن تتعرض له دورياتها. وأطلقت سلسلة تهديدات وتحذيرات من أي خطوة يمكن أن تؤدي بلبنان إلى ما لا تحمد عقباه.
شبعا.. خارج 1701
إن اختيار إشعال المعركة في مزارع شبعا وليس في مناطق لبنانية محاذية للحدود مع إسرائيل سببه أن هذه المنطقة مختلف عليها بين لبنان، وسوريان وإسرائيل، وأنها خارج القرار الأممي 1701 الذي أوقف حرب 2006، وهي منطقة أصبحت معروفة باعتبارها متنفساً للأزمات بين الميليشيات وإسرائيل، أي أن الهجمات لم تحصل في أراض لبنانية.
والعملية تأتي في ظل ظروف مختلفة، أولها الضربات المتعددة التي تلقتها طهران في مواقعها النووية، وتدمير موقع نطنز وغيرها، وصولاً إلى مواقعها في سوريا، أين تحتاج طهران إلى تحريك أوراقها والتهديد بها، والظهور أمام الإيرانيين في موقع المحارب ولو في لبنان عبر ميليشياتها.
وتأتي العملية كذلك قبل 7 أغسطس (آب) المقبل، موعد إعلان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قرارها حول اغتيال رفيق الحريري الذي نفذه قياديون من حزب الله وغيرهم، وهو ما ترى فيه مصادر في بيروت رسالة موجهة للبنانيين تطالبهم بالصمت أمام عدالة القضاء الدولي، وعدم مطالبة الميليشيات بتسليم عناصرها، ورفض الموافقة على الحكم وصولاً إلى الدفاع عن حزب الله أمام دول العالم.
والفائدة الأخرى لحزب الله من هذه العملية التي جرب تنفيذها وفشل، هي مواجهة المطالبة بتحييد لبنان عن أزمات المنطقة التي أطلقها سياسيون وقوى حزبية ودينية آخرها، دعوة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي.
وبعملية شبعا التي جرب حزب الله التهرب من مفاعيلها بسرعة بعد فشلها، بنفي علاقة عناصره بها، وادعائه أن الجنود الإسرائيليين مرتبكين، هي عملية خطأ في توقيت خطأ بسقف زمني محدد، كما قال رفيق الحريري قبل 20 عاماً، حين طالب الميليشيات بعدم استعمال لبنان صندوق بريد بين الإسرائيليين والإيرانيين.