ترشح فابيان روسيل لرئاسية 2022:

عودة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى أساسياته...!

عودة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى أساسياته...!

-- لأن الحزب تخلى عن الممارسات اللينينية، استطاعت التيارات المنتسبة إليه الانقلاب على القيادة القديمة
-- من خلال اختيار الترشّح المباشر، يأمل الشيوعيون استعادة لون حزبهم السابق
-- يريد زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي إعادة التأكيد على الاستمرارية التاريخية لحزبه
-- حصل المرشح فابيان روسيل على الأغلبية بـ82.32 %
-- دانييل روسيل وريث تقاليد ثوريز ومارشيه، الأمينان العامان الأكثر تأثيرا في تاريخ الحزب


تم تعيين فابيان روسيل في الأيام الأخيرة مرشحًا للحزب الشيوعي الفرنسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2022. وإذا بدا هذا الترشيح مزعجا لبعض القوى اليسارية الأخرى، ولا سيما جان لوك ميلينشون الذي يرى بزوغ فجر إعادة تشكيل جهاز شيوعي، فإنه يأتي أيضًا للتذكير بثقل المنخرطين الذين يحتفظون بحنين إلى الحقبة السوفياتية، الزمن الذي كان فيه الحزب الشيوعي الفرنسي حزبًا له جمهور قوي، يقوم على تأكيد البعد الطبقي للشيوعية والتضامن الدولي، ولا سيما مع أحزاب الدول الشقيقة.    يريد فابيان روسيل أن يكون حاملًا لتقاليد وعائلة سياسية قريبة من الشرائع العقائدية للشيوعية الأصلية. إنه وريث التشدد الشيوعي على مستويين: الترسّخ الإقليمي في تربة حمراء سابقة، والنظام الشيوعي الدولي.

   مثل بيير لوران، الذي كان والده بول، من بين أشياء أخرى، سكرتير التنظيم، فان فابيان روسيل، هو نجل كادر متوسط في الحزب، دانيال روسيل النائب السابق لرئيس بلدية بيتون، وأصبح صحفيًا في صحيفة لومانيتيه، ومراسلًا للجريدة الشيوعية اليومية في فيتنام، ومقرّبًا من دوائر الزعيم جورج مارشيه في الثمانينات.

  تعلّم النشاط الحزبي بين معقلين للحزب الشيوعي الفرنسي: شامبيني سور مارن، معقل جورج مارشيه، وبيثون، مركز المنطقة 20 من با دو كاليه، شيوعي من عام 1962 إلى اليوم، ووريث أرض انتخاب نشطاء كبار مثل أوغست ليكور -وهو من قدماء كتائب الاممية، ومحرّك إضراب عمال المناجم في با دو كاليه عام 1941، ومسؤول عن الشؤون الدولية للحزب الشيوعي الفرنسي قبل الإطاحة به عام 1954 -وبعد ذلك، غوستاف أنسارت، ناشط آخر يجسد الشيوعية المنجميّة.
   اذن، دانييل روسيل هو بشكل غير مباشر، وريث تقاليد ثوريز ومارشيه، الامينان العامان للحزب الشيوعي الفرنسي، وربما أكثر من طبع تاريخ الحزب. كان نورد-با-دو-كاليه المناجم والنسيج، والضاحية الباريسية للتعدين حينها حصنا منيعا. عند عودته من فيتنام، أصبح ناشطًا في حركة الشباب الشيوعي في فرنسا، ثم بين الطلاب الشيوعيين.

تمجيد الكادحين
   فابيان روسيل صحفي التكوين، انضم الى الشبكات الشيوعية في طفولته، وعمل بشكل خاص مع نائب دائرة بيثون، آلان بوكيه، الذي خلفه في المنصب عام 2017 بعد انتخابه محليًا طيلة عدة سنوات، وسمح بإنقاذ الصحيفة الشيوعية الإقليمية، لبرتي هيبدو، وريثة الصحيفة الشيوعية اليومية “انشينيه الشمال”، ثم لبرتي. ورغم الصعوبات المالية، تمكن فابيان روسيل من حفظ العنوان المرموق في الذاكرة الشيوعية. وكان حينها في نفس الوقت، سكرتيرًا لاتحاد نورد با دو كاليه القوي للحزب الشيوعي الفرنسي.
   مثل أي ناشط شيوعي، فهو عامل مجتهد استعاد تقاليد ثوريز في تمجيد العمل، وتطبع هذه التقاليد خطبه. ويتنزل فابيان روسيل في هذا النسب، حيث يطالب بقوة، على سبيل المثال، باستمرارية خطب موريس ثوريز عام 1934 الداعية إلى تجميع قوى اليسار في عمل موحّد في 27 يوليو 1934، أو الداعي إلى توسيع ميثاق الوحدة والعمل الى الراديكاليين، في 9 أكتوبر 1934. مطلب قد يترك التباسا لمن يعرف كلاسيكيات الحزب الشيوعي الفرنسي، فخطاب 15 يونيو 1934 دعا أيضًا إلى الدفاع عن الاتحاد السوفياتي.

   المثال الأكثر إقناعًا، هو خطابه في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الفرنسي، عام 2020. لقد استعاد عنوان “الشيوعية هي شباب العالم”، في إشارة إلى خطاب ألقاه المدير السابق لصحيفة لومانيتيه في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وللمطلعين، إلى كتاب الستاليني ليو فيغير، الشباب والشيوعية. ثم سرد كل الصفحات المجيدة للحزب الشيوعي الفرنسي، من العمل ضد الحرب، مرورا بالجبهة الشعبية، والمقاومة، والقوانين الاجتماعية الكبرى للتحرير، ودعم العلمانية عام 1950، وإضرابات عام 1968، وصولا الى فتوحات عام 1981. ويؤكد خطابه أيضًا على الصلة بين الشيوعية والثقافة، من إلوار إلى أراغون، مروراً ببيكاسو وجان فيرا، دون أن ينسى ذكر، مرة أخرى للمطلعين، البعد الدولي للشيوعية.

المنجل والمطرقة
   يريد زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي إعادة التأكيد على الاستمرارية التاريخية لحزبه. وهكذا يتم تحقيق التوافق بين التيارات التاريخية ضد الاصلاحيين. في الواقع، منذ التغيير الذي بدأ بتعيين روبرت هيو على رأس الحزب عام 1994، كانت المعارضة لقيادة الحزب عديدة: من لجنة إريك هونيكر للتضامن الدولي، بقيادة هنري أليغ على وجه الخصوص، سجين سابق عذبه الجيش الفرنسي في الجزائر، مرورا باليسار الشيوعي الذي يتطور حول أوبيرفيلييه، إلى التنسيقية الشيوعية التي تم تركيزها بشكل أساسي في نور-با-دو-كاليه.

   كان رفض تغيير الحزب الشيوعي الفرنسي قوياً. طيلة خمسة عشر عامًا، قاتلت هذه التيارات الأقلية، بسبب تفككها، ضد القيادة التي يجسدها روبرت هيو، أو ماري جورج بوفيه، أو بيير لوران، التي ينتقدونها بسبب تحويل “الحزب الشيوعي الفرنسي الى حزب اشتراكي ديمقراطي”، ثم لتخليها عن معركة تمثيل اليسار لجان لوك ميلينشون. ان هذه التيارات تستنكر عمليات التخلي المتتالية للمنظومة العقائدية للحزب الشيوعي الفرنسي حدّ الاختفاء الرمزي لكنه ذو دلالة، أولاً حول البطاقات عام 2013، ثم حول شعار الحزب عام 2018، المنجل والمطرقة. بالنسبة للعديد من النشطاء، كان تطور الحزب الشيوعي الفرنسي بمثابة تمزق بين ولائهم ووفائهم لحزبهم، وحقيقته وواقعه.

   حتى عام 2018، لم تتمكن التيارات المعارضة للقيادة من التوصل إلى اتفاق. ويرتبط تعيين فابيان روسيل بسحب جميع ما يسمى بالقوائم الأرثوذكسية تقريبًا -باستثناء القائمة الحالية “يحيا الحزب الشيوعي الفرنسي”، ومجموعة من النشطاء من فال دو مارن. وقد أيد جناح “إحياء الحزب الشيوعي الفرنسي وتقوية الحزب الشيوعي الفرنسي”، و”القطب من أجل ولادة الحزب الشيوعي من جديد”، أو بشكل أكثر إثارة للدهشة، المجموعة الصغيرة “لا ريبوست”، التي تعلن أنها تنتمي لمدرسة ليون تروتسكي، دعمت جميعها لائحة تشاسيني / روسيل.

   خلال المؤتمر الثامن والثلاثين للحزب الشيوعي الفرنسي، في نوفمبر 2018 (كان عدد الناخبين 30841 من أصل 49231 مسجلًا)، جسدت اللائحة التي جاءت الأولى، الشيوعية الريفية والعمالية في ماسيف الوسط، بقيادة نائب بوي-دي دوم، أندريه شاسيني، والشيوعية العمالية في الشمال، فضلاً عن الرغبة في إعادة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى لونه السابق. وبمجرد تنصيب القيادة الجديدة، كان من المنطقي أن يمثل سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي، الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ميزان قوى جديد
   من 7 إلى 9 مايو 2021، كان عدد الناخبين 30217 من أصل 43888 مسجل، مما يعكس استقرارًا منذ مؤتمر 2018 الذي اتى بفابيان روسيل إلى أمانة الحزب الشيوعي الفرنسي. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تمت الموافقة على اختيار الترشح الشيوعي بأغلبية 21356 صوتًا بنسبة 72.47 بالمائة. وحصل دعاة التحالف مع جان لوك ميلينشون على 6822 صوتا أو 23.15 بالمائة من الأصوات، ونال الممتنعون عن التصويت 1290 صوتا أي ما يعادل 4.38 بالمائة.
   وفيما يتعلق بالمرشح، حصل فابيان روسيل على الأغلبية بـ 23245 صوتًا (82 فاصل 32 بالمائة). وتحصل “يعيش الحزب الشيوعي الفرنسي” والقائمة الأخرى، على 560 صوتا أي 1 فاصل 98 بالمائة من الأصوات. المجددون، المؤيدون لمساندة قائمة مشتركة مع جان لوك ميلينشون زعيم حركة فرنسا المتمردة، ولا يدعون إلى التصويت، مثلوا 4433 صوتًا، أي 15 فاصل 70 بالمائة من الأصوات المُدلى بها.

   وتأتي هذه النتائج لتعكس توازن القوى الجديد داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، والرغبة العارمة لمناضليه في استعادة حزبهم. ان استياء المزيد من النشطاء، يسمح ربما أيضًا للقاعدة، وما تبقى من هياكل المنضالين، بالتعبير عن نفسها.
    العنصر الأخير، من المفارقة، هو أن المناضلين الذين جلبوا فابيان روسيل إلى قيادة الحزب، تأسفوا على التخلي عن الهياكل القديمة، انه الحنين إلى الزمن الذي تبنى فيه الحزب الشيوعي الفرنسي الممارسة والتنظيم اللينيني. عام 1921، طالب لينين في المؤتمر العاشر للحزب البلشفي بحظر الفصائل، أي حظر التيارات.

   تم تطبيق هذه القاعدة بعد ذلك على جميع الأحزاب الأعضاء في الأممية الشيوعية، بما في ذلك القسم الفرنسي، الحزب الشيوعي الفرنسي. من جهة اخرى، تبنت الحركة الشيوعية المركزية الديمقراطية، أي وحدة تطبيق القرار بمجرد اعتماده. وكان تطبيق هذين المبدأين الشيوعيين اجباري، تحت طائلة العقوبة، من قبل جميع الناشطين. ولأن الحزب الشيوعي الفرنسي تخلى عن الممارسات اللينينية، استطاعت التيارات المنتسبة اليه الانقلاب على القيادة القديمة.

*متخصص في الأناركية والشيوعية، من مؤلفاته: “الفوضويون والحروب الاستعمارية”، و”القوائم السوداء للحزب الشيوعي الفرنسي”، و”قضية لومانيتيه».