لفت الكاتب السياسي سايمون تيسدال إلى أن الشعور بتفكك نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية عميق وهو قوي بشكل خاص في الشرق الأوسط، بعد هجمات السابع من أكتوبر والحرب بين إسرائيل وحماس حيث حجم الفظائع مثير للقلق وكذلك إفلات مرتكبيها من العقاب.
كتب تيسدال في صحيفة "ذا غارديان" أن مجلس الأمن وافق أخيراً على وقف "فوري" لإطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي لكنه تعرض للتجاهل بازدراء. ولا تحظى أوامر محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة بمنع المجاعة إلا بالتشدق.
أضاف الكاتب أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي حجر الزاوية في المنطقة، وصلت إلى نقطة الانهيار. بالكاد يتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. يطالب بايدن بإيصال المزيد من المساعدات ووقف التهديدات بالهجوم على رفح حيث يعيش 1.4 مليون فلسطيني في حالة خوف وجوع وبإجراء محادثات ما بعد الحرب بشأن حل الدولتين. ونتانياهو الذي يؤذي نفسه والملقب بـ"عامل تدمير" إسرائيل يقوم بصده عند كل منعطف.

ذاهب نحو التصعيد
تتفاقم الأزمة الداخلية في إسرائيل إلى مستوى وجودي، مع تحول نتانياهو وحلفائه المتطرفين المناهضين للديمقراطية وجماعات المستوطنين اليمينية المتطرفة إلى حالة تمردية. إذا كان المنتقدون على حق، وكان نتانياهو يطيل أمد الحرب للبقاء في السلطة، فسيعني ذلك أنه قد يصعّد الأمر في الضفة الغربية ولبنان. وهذا ما يحدث بالفعل، بالحكم على الهجمات الإسرائيلية الأسبوع الماضي.
كان التغيير الكبير في موقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، عندما سمحت أخيراً بتمرير قرار وقف إطلاق النار في غزة، مشجعاً إلى حد ما. مع ذلك، لم تتخذ الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة خطوات لفرضه. لم تغير الولايات المتحدة موقفها بشكل متأخر لأنها لاحظت فجأة أن أكثر من 32 ألف شخص، من ضمنهم آلاف من الأطفال، قُتلوا في غزة أو أن الغذاء يُستخدم كسلاح. محامو وزارة الخارجية في حالة إنكار لذلك. يتزايد الضغط الأمريكي لأن بايدن ينزف الدعم في عام انتخابي ويشعر بالإهانة من نتانياهو.

شكوى أمريكية... عبثية
يشير المعلقون الإسرائيليون إلى أن الصدع قد يكون غير قابل للإصلاح. يستشهد تيسدال بما كتبه عاموس هاريل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية: "يشكو كبار المسؤولين الأمريكيين من أنهم لا يفهمون ما يريده نتانياهو. لكن (الأمر) واضح تماماً. إن النجاة السياسية هي أولويته القصوى. وإذا كان استمرار الحرب، حتى وسط الادعاءات المتزايدة بأن إسرائيل تنتهك قوانين الحرب، هو ما سيبقيه في منصبه، فهو على استعداد تام للقيام بذلك. كل الوسائل حلال، على ما يبدو، بما فيها المزيد من التأخير في وضع اللمسات النهائية على صفقة الرهائن".إن سياسة بايدن في الشرق الأوسط ــ سواء أكانت القضية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وانتشار النفوذ الصيني، وإعادة إحياء إرهاب داعش،  أو مستقبل فلسطين ــ أصبحت في حال يرثى لها.

تحسن... غير جذري
يمكن قول الشيء نفسه عن بريطانيا، وهي حليف قوي آخر لإسرائيل. في هذه الأيام الضئيلة التي تلت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتبع لندن خطى واشنطن في كل شيء تقريباً. لقد اتخذ ديفيد كاميرون، وزير خارجية المملكة المتحدة ورئيس الوزراء السابق، موقفاً أكثر صرامة مع استمرار الحرب في غزة. لقد واجه نتانياهو بشأن المساعدات وطرح الاعتراف بدولة فلسطينية في عملية سلام مستقبلية. وذهبت بريطانيا أبعد من الولايات المتحدة عندما دعمت وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.
يشكل كل هذا تناقضاً مرحّباً به مع أسلاف كاميرون الكسالى وغير الأكفاء في وزارة الخارجية، بوريس جونسون وليز تراس ودومينيك راب. مع ذلك، لا تزال بريطانيا تزود إسرائيل بالأسلحة؛ وهي فرضت عقوبات على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا لأسباب واهية؛ وبشكل لا يصدق، لن تعلن رسمياً أن تصرفات إسرائيل تنتهك القانون الإنساني. إن كاميرون يمثل تحسناً، لكنه ليس تحسناً جذرياً.

فرصة
ما الذي يمكن إنقاذه من الحطام في فلسطين والذي يمكن أن يساعد في عكس الاتجاهات العالمية العدمية؟ يجيب الكاتب على سؤاله بالإشارة إلى أن عدوان نتانياهو الطائش يعزز حماس سياسياً، ولا يهزمها. لقد نجح في تحويل النفور الحقيقي من 7 أكتوبر إلى دعم متزايد للقضية التي يفترض أن حماس تتبناها والتي يكرهها نتانياهو: دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. هذه هي فرصة الأغلبية الفلسطينية المعتدلة. بينما تقوم إسرائيل المنقسمة والمصدومة والمنبوذة والسيئة القيادة بتمزيق نفسها، مع تفتيت أوراق اعتمادها التاريخية والأيديولوجية والديمقراطية، قد تكون، للمفارقة، إعادة تأسيس تفاوض ذي صدقية وهدف صريح مدعوم دولياً بوجود دولتين تتعايشان جنباً إلى جنب، الطريقة الفضلى والوحيدة لإنقاذ إسرائيل من نفسها.