رهانات تتجاوز رهان الانتخابات الرئاسية الأمريكية

غرب متصدع يواجه القوة الصينية الجديدة...!

غرب متصدع يواجه القوة الصينية الجديدة...!

-- لا تعتقدوا أن حركة العالم تستنسخ على المحطات الانتخابية الأمريكية
-- «دولة الحضارة» الصينية هي قوة يهدد طموحها العالمي التفوق الدولي الأمريكي
-- رغم المصلحة السياسية الداخلية لا يجب مواجهة التهديد الصيني بدون عقلانية جيوسياسية
-- يمكن لدبلوماسية  «حافة الهاوية» أن تمنح مكسبا لكنها لا تصنع سياسة خارجية قوية وموثوقة


من الواضح الآن، وفقًا للباحث جان سيلفستر مونغرينييه، أن الصين أصبحت قوة يهدد طموحها العالمي التفوق الدولي الأمريكي. ولما كانت الولايات المتحدة هي الوريثة الجيوسياسية للقوى الأوروبية العظمى القديمة، فإن الهيمنة الغربية الطويلة هي في الواقع موضوع مراجعة وتساؤل... ويقر الكثيرون في أوروبا بهذا الانحدار.

ويرى الباحث في هذا الحوار، انه بينما تتوتر الأوضاع في مناطق النزاع المختلفة، يجب منع الأسوأ حتى لا يحدث. إلا أن قوة التعارض والتناقضات التي تهزّ النظام الدولي يمكن أن تكون أقوى.
وجان سيلفستر مونجرينييه هو دكتور في الجغرافيا السياسية، وأستاذ مبرز في تاريخ -الجغرافيا، وباحث في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية (جامعة باريس 8 فانسين سانت ديني) ومعهد توماس مور.

*خلال عمليات اتصالية مختلفة، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في عملية لي ذراع مع الصين، متهماً، دون دليل، الأخيرة بأنها “ سرّبت” فيروس كورونا من أحد مختبراتها. على أبواب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ماذا يعني هذا الموقف الجيوسياسي؟ وماذا يمكن أن تكون عواقبه؟
 - في الواقع، لم يتم تقديم أي دليل على الساحة العامة، ولكن الأسئلة عديدة، وتشير الطريقة التي حدثت بها الأشياء في الصين الشعبية في بداية هذا الوباء تشير الى أن بكين فشلت في التزاماتها الأساسية تجاه المجتمع الدولي. لا عيب بشأن المطالبة بالمساءلة أو حتى التفكير في التعويض. وفي الحد الادنى، يجب إجراء تحقيق دولي، لأسباب علمية ووبائية فقط.

لقد تقدم الممثل السامي للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بطلب في هذا الغرض. ومن المؤسف أن الدول الأوروبية، الجهة المانحة الرئيسية لمنظمة الصحة العالمية، لم تظهر مزيدًا من الحزم خلال اجتماع منظمة الصحة، في 18 مايو الماضي. ويشير قرار الحل الوسط الذي تم تبنيه بعد ذلك إلى “تحقيق نزيه ومستقل وكامل”، ولكن دون تحديد موعده (“في أقرب وقت ممكن»).

وتبقى الحقيقة، أن ما يجري ليس مجرد “موقف وتموقع” من جانب دونالد ترامب. فمع أكاذيب بكين حول بداية الوباء، واضطهاد واحتجاز الأطباء، أو غيرهم من المخبرين، فضلا عن الشك الهائل بخصوص الإحصاءات الرسمية الصينية، فمن غير الممكن التأكيد على أن هذه الكارثة الضخمة، التي لم نر حتى الآن جميع آثارها الاقتصادية وعواقبها الاجتماعية والسياسية، تُفسّر بقسوة الطبيعة الأم وحدها. ويوافق العديد من قادة الغرب على جوهر الموقف الأمريكي، لكنهم لا يملكون نفس زاوية الحركة التي تتمتع بها الولايات المتحدة.

ومن وجهة نظر فرنسية، صحيح أن الكشف عن مثل هذا الحادث سيكون له تداعيات على سياسة متساهلة بشأن نقل التكنولوجيا. لقد تم تهميش العلماء الفرنسيين في مختبر ووهان الذي جهزته باريس للصين، ولم تكسب فرنسا أي ميزة فيما يتعلق بالتقدم العلمي، ولم تتمكن حتى من توقع الوباء. وقد يدفع هذا للتفكير في أن العمل متعدد الأطراف هو المسؤول... وهل هو مبرر لتسامح ما؟
علاوة على ذلك، صحيح أن دونالد ترامب يعتزم جعل المسألة الصينية المحور التوجيهي لحملته الانتخابية.
وحقيقة أنه يجد في ذلك مصلحة سياسية داخلية، لا يعني أن مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتمثلها الصين الشعبية ستكون خالية من العقلانية الجيوسياسية.
وصف غراهام أليسون في “فخ ثيوسيديدز” الوضع وأخطاره.

علما أن هذا الكتاب يوصي بسياسة تتكون من توافق وتسويات، كي لا نتحدث عن تهدئة. ولكن أليس هذا هو الذي يسود منذ عام 2001؟ (انظر انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية). من الواضح اليوم أن “دولة الحضارة” الصينية هي قوة إمبريالية يهدد طموحها العالمي التفوق الدولي الأمريكي.
ولما كانت الولايات المتحدة هي الوريثة الجيوسياسية للقوى الأوروبية العظمى القديمة، فإن الهيمنة الغربية الطويلة هي في الواقع المهددة. والصين الشعبية وغيرها من “القوى التحريفية” (بشكل رئيسي روسيا وإيران) تردد ذلك مرارًا وتكرارًا: والإنكار لا يجدي.

وبالتالي، فإن الرهانات تتجاوز رهان الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولن تتمكن الدول الأوروبية من مراوغة هذا السؤال. وللأسف، يقر كثيرون في أوروبا بهذا الانحدار. لقد خرجت الدول العظمى القديمة منهكة من الحربين العالميتين، ثم خسرت معظم ممتلكاتها الخارجية، وتكيّفت مع ذلك. وفي نظر البعض، لن تكون الولايات المتحدة استثناءً. وما يجب أن نخشاه هو اقلمة أوروبا وترييفها.
*في مواجهة رهانات الانتخابات الأمريكية في خريف عام 2020، ما هو السيناريو الجيوسياسي الذي يبدو لك ذا مصداقية في مواجهة التناقضات الإعلامية للبيت الأبيض؟

- ما هو “السيناريو” الجيوسياسي في الخريف؟ للوهلة الأولى، يجب القطع مع هذه اللغة التي يطبعها “مجتمع الفرجة”. إنها في أصل “التجريدات التبشيرية” التي تشوه تصور الأشياء، وتفقد الإحساس برزانة وتراجيدية التاريخ.
رغم شخصية الرئيس الحالي للولايات المتحدة وأسلوبه، فإن العالم ليس “عرضاً واقعياً”. الحقيقة، هي أن الاوضاع تتوتر في مناطق الصراع المختلفة. “المناطق الرمادية” بين المنافسة والسباق الاستراتيجي والمزاحمة المفتوحة، أصبحت غير مؤكدة. وهذا يزيد من احتمال وقوع صراع وحرب في أي من المناطق الجيوسياسية. ويقال أنه يجب منع الأسوأ، حتى لا يحدث... إلا أن قوة التعارض والتناقضات التي تقوض النظام الدولي يمكن أن تكون أقوى. لا يجب الاعتقاد أن حركة العالم تستنسخ على المحطات الانتخابية الأمريكية.

أما عن “التناقضات الإعلامية” للبيت الأبيض، فهل يجب أن نفهم التناقض بين تصريحات دونالد ترامب وواقع سياسته؟ نود أن نعتقد أن الأحادية في سياسته الخارجية تشكل المدى المتوسط بين الانعزالية النفسية والتدخل “الويلسوني المعسكر”. وفي الواقع، تكمن المشكلة بشكل أساسي في التذبذب وعدم القدرة على التوقع الذي يظهره دونالد ترامب.

ففي أوقات معينة، وتحت ظروف ما، يمكن لدبلوماسية “حافة الهاوية” أن تمنح بالتأكيد مكسبا.
 ومع ذلك، فإنها لا تصنع سياسة خارجية قوية وموثوقة، تقوم على أساس من المبادئ، وخطوط توجيهية تضمن الاتساق بين الغايات والوسائل.
إن الغموض والالتباس وعدم اليقين يمكن أن يحث على المحاولة خصمًا استراتيجيًا مقتنعًا بأن الرئيس الأمريكي يخادع، مع ضمان انتقام مرعب من جانب الولايات المتحدة.

فيما يتعلق بأوروبا، فإن تفضيل وجهة نظر دينية (أو وجهة نظر سيريوس) والتظاهر بأنها تنتصب حكما أو “وسيطا نزيها” بين الولايات المتحدة وإيران مثلا، لا معنى له. فهذا الخطاب يشوّش استيعاب الرهانات الأمنية.

في العمق، هنا ايضا، تتقاسم العواصم الأوروبية الرئيسية التشخيص الأمريكي لخطر السياسة الإيرانية في المنطقة.
إلا أن باريس ولندن وبرلين، تريد أن يوافق الإيرانيون على مناقشة فترة ما بعد عام 2025 (تمديد “بنود الغروب” بشأن الطاقة النووية)، والبرنامج الباليستي الحالي وسياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة، على أساس خطة العمل الشاملة المشتركة.

 في البداية، رفضت طهران إجراء مفاوضات من هذا النوع، وبالتالي استبعاد احتمال وجود طريق ثالث (انظر الاستقبال البارد المخصص لجان إيف لو دريان، في مارس 2018). كما يجب أن نتذكر أيضا فشل قمة بياريتز في أواخر أغسطس 2019، والتي تحولت بسرعة إلى فودفيل دبلوماسي؟ وأوضح حسن روحاني للرئيس الفرنسي أن “الملالي لا يرقصون رقصة التانغو».

  في ظل الأوضاع القائمة، لا يوجد حل وسط ممكن. من هنا، هل على أوروبا استيعاب التهديد والتخلي عن الشرق الأوسط؟  بدل الاعتقاد أنه يمكنها الاختباء وراء حواجز وهمية، سيكون من الملح إعادة بناء جبهة غربية في الشرق الأوسط، كما في منطقة الهند والمحيط الهادئ.