فايننشال تايمز: إدارة أردوغان للاقتصاد تتسبب في مأساة

فايننشال تايمز: إدارة أردوغان للاقتصاد تتسبب في مأساة


تناولت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية انهيار العملة التركية عقب إقالة الرئيس رجب طيب أردوغان حاكم المصرف المركزي ناجي إقبال، السبت الماضي، فكتبت تقول، إنه ليس مفاجئاً “أن يعجز النمر عن تغيير مكانه”، لكن الصدمة تمثلت في أن العودة إلى الأسلوب القديم، كانت بسرعة كبرى. ووضع أردوغان حداً للمحاولات التي لم تعمر طويلاً لاعتماد إجراءات تقليدية لتحريك الاقتصاد، برفع أسعار الفائدة، في مسعى لمعالجة العجز في الحساب الجاري، وترويض التضخم، علماً أن هذه القيادة العشوائية والقاسية، تترك البلاد عرضة أكثر لاعتماد أسعار فائدة عالمية أكثر ارتفاعاً.
والسبت، أقال أردوغان حاكم البنك المركزي ناجي إقبال، الذي رفع أسعار الفائدة وساهم في رفع قيمة الليرة من تدنٍ قياسي بلغته في نوفمبر (تشرين الثاني). وأدى قرار أردوغان إلى تهاوي الليرة مجدداً وهروب رؤوس الأموال الأجنبية من البلاد. والإثنين خسرت الليرة 14 % من قيمتها بينما هبطت البورصة، عشر نقاط. وتؤكد الإقالة التي جاءت بعد يومين من رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، أنه لن تكون هناك سياسة نقدية مستقلة في ظل رئاسة أردوغان.

سوق ناشئة هشّة
ولطالما صنفت تركيا من المحللين والمستثمرين واحدة من أكثر الأسواق الناشئة هشاشة، أمام أي تغير في الاقتصاد العالمي، ومناخ الإستثمار. وساعدت طفرة البناء التي غذتها القروض في الحفاظ على شعبية الرئيس، لكنها أدت أيضاً إلى تراكم مسؤوليات في الخارج، وجعلت تركيا معتمدة على جذب الاستثمارات من الخارج،. لأن الليرة الرخيصة تعني أن البنوك التركية ستعاني لتوفير خدمة الديون بالعملة الأجنبية. وأظهرت ولاية إقبال القصيرة حاكماً للبنك المركزي، بعد تعيينه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في سياق تغييرات أوسع في الإدارة الاقتصادية، التزاماً بسياسة أكثر تقليدية، كان يمكن أن تؤدي إلى استقرار سعر الليرة، وأن تشجع على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
وعمد المستثمرون الأجانب إلى تحويل 4 مليارات دولار إلى قروض للحكومة التركية فضلاً عن تحويل 700 مليون دولار إلى أسهم، عقب تعيين إقبال، وفق بحث لـ “غولدمان ساكس».

مجموعة ضغط
وتكمن المشكلة الأساسية مع ذلك في أردوغان، الذي طالما كان ضد ما يصفه بـ”مجموعة ضغط أسعار الفوائد” التي يقول إنها تريد إذلال تركيا. وتمسك بفلسفة اقتصادية بديلة مفادها أن التضخم سببه أسعار الفائدة العالية.  ويبدو أن حاكم البنك المركزي الجديد شهاب كافجي أوغلو، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، يوافق أردوغان الرأي، إذ كتب عموداً في صحيفة يقول إن “أسعار الفائدة ستؤدي بشكل غير مباشر إلى زيادة التضخم».

الأوهام تبددت
وبعد محاولة حظر حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد، ثاني أحزاب المعارضة، والانسحاب من اتفاقية سطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة، وإقالة حاكم المصرف المركزي، تبددت الأوهام حول أي براغماتية لدى الرئيس الإستبدادي.
وعندما تتضح إخفاقات المسار الحالي، سكون تركيا أمام خيارات قليلة لتجنب “الارتطام”، فيما الليرة تتهاوى والتضخم يرتفع، وتتدنى مسويات المعيشة. وسبق للبنك المركزي أن أهدر مليارات الدولارات من الاحتياط الأجنبي، ولن تكون الرقابة على الأموال محل ترحيب الطبقة الوسطى التي تحتفظ أصلاً بمدخراتها بالدولار أو اليورو. وتثير هذه المعطيات القلق خارج البلاد. وقد تكون تركيا في قلب أي أزمة أقتصادية تضرب الأسواق الناشئة، إذا اعتمدت سياسة نقدية أكثر تشدداً.  ومن شأن التخلي عن أي محاولة لمعالجة نقاط الضعف، أن تجعل تركيا أكثر هشاشة من دول مماثلة لها، وها هما البنكان المركزيان في روسيا والبرازيل قد رفعا أسعار الفائدة الأسبوع الماضي.
ولكن المأساة تكمن في أن الولاية القصيرة لإقبال أظهرت ما يمكن تحقيقه، إذا كان البنك المركزي قادراً على العمل ببعض الاستقلالية.