فرنسا ترصد اتهامات كاذبة وصوراً مُفبركة تستهدف جيشها

فرنسا ترصد اتهامات كاذبة وصوراً مُفبركة تستهدف جيشها


من المعروف أن فرنسا هي القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، لكنّ جيشها الذي يخدم في كافة وحداته العسكرية وشبه العسكرية نحو 400 ألف جندي، بات هدفاً لحملات إعلامية روسية لزعزعة الاستقرار، حسبما كشفت عنه مصادر رسمية فرنسية.
وبينما حرص الرئيس إيمانويل ماكرون في مناسبات كثيرة على التصريح علناً بخطر «التهديد الروسي» الذي يحوم فوق أوروبا، مبرراً أهمية مضاعفة ميزانية الدفاع الفرنسية على نحو غير مسبوق، أعلنت هيئة الأركان العامة عن تمكنها من تحديد العديد من الهجمات التي تحطّ من سمعة الجيش، وتستهدف الأفراد العسكريين أو العمليات العسكرية.
وفي إطار استراتيجية روسيا للتأثير والتضليل الإعلامي، فإن الجيش الفرنسي يعدّ هدفاً واضحاً، حتى لو كانت الهجمات منفردةً ومحدودة التأثير، بحسب هيئة الأركان العامة التي باتت تبدي قلقاً متزايداً حيال الأمر، إذ ترى أن تكرار الهجمات الروسية يثير تساؤلات كثيرة حول مواجهة الدول الداعمة لأوكرانيا.

قدرات روسية سيبرانية
ويكشف ضابط كبير في وزارة الجيوش الفرنسية «كان تشكيل لواء للجيش الأوكراني، لواء آن دي كييف، في فرنسا في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، هدفاً لهجمات إعلامية متعددة». ويوضح «على سبيل المثال، سُرق فيديو من وزارة القوات المسلحة بهدف إظهار شعار كتيبة آزوف على زي عسكري أوكراني». وتستخدم روسيا ذكر كتيبة آزوف كدليل على ما يسمى «إضفاء الطابع النازي» على الجيش الأوكراني. وتضرب الصورة المزيّفة عصفورين بحجر واحد، أي تشويه سمعة فرنسا وأوكرانيا على حدّ سواء. وهذه ليست العملية الوحيدة التي نفذتها الأجهزة الروسية. يضيف المصدر نفسه «على سبيل المثال، تضمّنت إحدى العمليات معلومات روسية ترصد تحركات جميع الجنود الفرنسيين الذين نفذوا مهمّات داخل سفارة بلادهم في كييف، قبل بدء الغزو بوقت طويل، بهدف الاستيلاء على هذه القائمة واتهام فرنسا بنشر جنود خلال الحرب». كما اتهمت شبكات روسية فرنسا بإرسال مرتزقة للقتال إلى جانب الأوكرانيين، مستغلةً غموض الحقائق، إذ ربما يكون جنود فرنسيون سابقون قد انضموا بالفعل بشكل فردي. لكن هذه ليست سياسة متعمّدة من قبل الدولة الفرنسية، إذ إن القوائم المنشورة على الشبكات الروسية زائفة، بحسب باريس. تستخدم روسيا قدراتها السيبرانية ضدّ مصالح الجيش الفرنسي، مستغلةً ثغرات أمنية. إذ استهدفت إحدى الحملات ساعات ذكية لجنود فرنسيين في رومانيا، مغيّرةً مواقعها الجغرافية للادّعاء بوجود الجنود في شبه جزيرة القرم، وكان الهدف أيضاً إثارة الشك والالتباس. وفي الواقع تخضع عمليات الانتشار الفرنسية على الجناح الشرقي لحلف الناتو لتدقيق خاص. ولتجنّب أي انتقادات أو اتهامات بالتدخل أثناء إجراء رومانيا لانتخاباتها الرئاسية، أجّل الجيش الفرنسي مناورات مهمّة له تهدف إلى نشر لواء.
 زيادة في حالات
 السرقة والاختراق
خلال افتتاحه المباني الجديدة لمديرية استخبارات أمن الدفاع، وهي جهاز الاستخبارات المسؤول عن حماية مصالح الجيش الفرنسي وصناعة الدفاع، أفاد وزير القوات المسلحة، سيباستيان ليكورنو، في منتصف مايو (أيار) بـِ «ارتفاع» في عدد سرقات المعدّات التي تخص المدنيين أو العسكريين، سواء كانت هواتف أو أجهزة كمبيوتر. كما أعرب عن قلقه إزاء «الاختراقات» التي تستهدف الأفراد «غير المطلعين على مفاتيح الاستخدام». ويكشف هذا النهج عن استراتيجية طويلة المدى من جانب الجهات المنفّذة، التي قد تسعى إلى وضع بيادقها للمستقبل. وحتى انسحابه من منطقة الساحل، كان الجيش الفرنسي يُواجه تحدّيات ممنهجة في أفريقيا على صعيد السمعة. 
ويؤكد مصدر مطلع على حرب المعلومات أن «الهجمات استمرت». لكن في أفريقيا، فإن «النقطة العمياء هي الحلقات المغلقة»، كما يضيف، إذ يستطيع المشغّلون الفرنسيون بالكاد متابعة النقاشات عبر خدمات الرسائل الخاصة، حيث يتم تبادل الكثير من الدعاية المناهضة لفرنسا.

العمليات «الهجينة»:
 تجسس وتخريب
ترى وزارة الجيوش الفرنسية أن مواقف روسيا استراتيجية «للتحايل على القدرات العسكرية الفرنسية بكل مستوياتها». ويتابع الضابط الكبير «هذه الهجمات التي تُشنّ تحت عتبة الصراع مصمّمة لتكون واسعة النطاق. هدفها هو زعزعة الاستقرار دون اللجوء إلى الأسلحة التقليدية». ويضيف «لكن يبقى الهدف النهائي نفسه هدف الهجمات التقليدية: إضعاف دولة ما بما يكفي لفرض الهيمنة الاستراتيجية. ويسمح هذا النهج الهجين لروسيا بالتحايل على الردع النووي للدول المسلحة نووياً من خلال استراتيجية ضغط مستمر. 
ويبدو أن هذا الموقف المنهجي لروسيا تجاه مصالح الدول المستهدفة طويل الأمد».
 من جهتها تؤكد صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية في تحليل لها أن المواجهة بين روسيا والغرب تشكّل مصدر قلق لجميع القادة العسكريين. ولخوضها، تلجأ موسكو حالياً إلى عمليات «هجينة» تتراوح بين التجسس والتخريب. وتصوّر شبكات التضليل الروسية فرنسا كدولة عدائية، مما يجعلها هدفاً للتشهير بها أو ترهيبها. ويبدو أيضاً أن موسكو تسعى إلى إضعاف تماسك الدول الداعمة لأوكرانيا. ويدرك الجيش هذا الأمر جيداً، وبادر فوراً للدفاع عن نفسه.