بعد إلغاء شرطة الأخلاق

فورين بوليسي: تنازلات النظام لا تقنع الإيرانيين

فورين بوليسي: تنازلات النظام لا تقنع الإيرانيين


شكك الزميل البارز غير المقيم في مركز السياسات الدولية سينا طوسي، في ما أعلنه المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري عن إلغاء شرطة الأخلاق.
وذكر في مجلة “فورين بوليسي” الأسباب التي بنى عليها شكوكه.
على مدى سنوات، وحتى مع تحول المجتمع الإيراني إلى مجتمع أكثر شباباً وعلمانية وانفصالاً عن النظام الحاكم وعقيدته، أصبح النظام أكثر انعزالاً وقمعاً، وبالتالي فقد الشرعية في نظر العديد من الإيرانيين. لقد بات مصير شرطة الأخلاق الآن دليلاً على نهج النظام تجاه الحوكمة.
لكن سيكون من الخطأ افتراض أن يمثل تحرك الحكومة شيئاً غير التحول التدريجي، وفي جميع الأحوال ربما تأخر النظام في قلب الاضطرابات الاجتماعية التي أحدثها.

إيران وطالبان
تأسست شرطة الأخلاق الإيرانية في نسختها الحالية في صيف 2006، وتحولت إلى وحدة ضمن الشرطة الوطنية، ووصفها قائد في الشرطة بدورية “لمحاربة الحجاب السيئ والبلطجية».
فرض النظام الحجاب على النساء في الأماكن العامة منذ أغسطس (آب) 1983، بعد سنوات قليلة من تأسيس النظام الديني عقب ثورة 1979.
تظل إيران إحدى دولتين تبقيان على مثل هذا القانون، والثانية أفغانستان الطالبانية. فرضت قواعد اللباس عبر دوريات سابقة مختلفة، عرف إحداها باسم لجان الثورة الإسلامية.

قوة مكروهة
منذ تأسيسها، اعتقلت النسخة المعاصرة من شرطة الأخلاق عشرات آلاف النساء بسبب ما يعتبره مسؤولوها “حجاباً غير لائق”. يضاف إلى ذلك مئات آلاف النساء اللواتي تعرضن للتوبيخ المهين، وفي بعض الأحيان، للشتائم في الأماكن العامة.
ولفت طوسي إلى أن الرئيس الإيراني الحالي ابراهيم رئيسي عزز آليات الإنفاذ لدى هذه القوة المكروهة في سنته الرئاسية الأولى، وشهدت الأشهر التي سبقت مقتل مهسا أميني، انتشار عدد من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت شرطة الأخلاق تضرب وتعتقل النساء.
وفي فيديو انتشر في الصيف الماضي، ظهرت سيدة تلقي بنفسها على مركبة لشرطة الأخلاق لمنع اعتقال ابنتها.

الإيرانيون حذرون
في ظل هذه الخلفية ومع استمرار حركة الاحتجاجات، يقول منتظري إن أيام شرطة الأخلاق وهي تجوب في الشوارع، قد انتهت. وفي مناسبة عامة، أعلن منتظري رداً على سؤال أن “دوريات الإرشاد ليس لها علاقة بالقضاء. عُلقت من نفس المكان الذي بدأت فيه”، ورغم أن صدى تعليقات منتظري تردد سريعاً حول العالم، كان الإيرانيون أكثر حذراً في الداخل.
من المؤكد أن تخلي الحكومة عن الحجاب الإلزامي سيكون انتصاراً لحركة احتجاج شهدت خلع نساء الحجاب، وأحياناً إحراقه. ومع ذلك، تابع طوسي، برزت مؤشرات على أن السلطات كانت تخفف إنفاذ الحجاب الإلزامي بشكل مؤقت فقط، بسبب الغضب العام.
في الواقع، ظهرت تقارير في الأسابيع الأخيرة عن زيادة شرطة الأخلاق نشاطاتها في مدن أكثر تديناً مثل قم. مع ذلك، فإن تعليقات مسؤولين إيرانيين في الأيام الماضية تضفي مصداقية على ادعاء أن أيام شرطة الأخلاق، معدودة فعلاً. لكن السؤال عن إمكانية أن يؤتي الأمر ثماراً جدية سيعتمد على تغيير قيادة النظام موقفها من الإصلاح بشكل جوهري.

عودة إلى التحدي
بعد أيام من ملاحظات المدعي العام، تحدث البرلماني المتشدد حسين جلالي بنبرة تحدٍ عن الحجاب الإلزامي، فقال: “يعتقد العدو أنه لو ألغي الحجاب والعفة وانتهى الغطاء الإسلامي فهذا سيعني نهاية الجمهورية الإسلامية”، وأضاف جلالي أن سن خطة جديدة لـ”الحجاب والعفة” سـ”تزيد الكلفة” على “الحجاب غير اللائق” في المجتمع.
وبعد أيام ألقى المتحدث باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي خان محمدي الضوء على هذه الخطة الجديدة، وأعلن أن السلطات القضائية والأمنية أشارت إلى أن مهمة شرطة الأخلاق “انتهت”، لكنه أوضح أن قانون الحجاب الإلزامي لم يتغير وسينفذ “بطرق أحدث أكثر عصرية ودقة.»

تحايل
في الأشهر الأخيرة، تحدث مسؤولون إيرانيون عن استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه لتحديد اللواتي يرتدين الحجاب “بشكل غير لائق».
وقال جلالي إن إجراءات الإنفاذ ستبدأ بتحذيرات سترسل إلى النساء عبر رسائل نصية لكن يمكن أن تنتهي بتقييد حساباتهن المصرفية.
تجسد هذه النظرة العالمية النهج العام للنظام مع الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، أي تنازلات لمطالبات عامة بتغيير قواعد ومؤسسات الثيوقراطية تعد منحدراً زلقاً يمكن أن يعرض كامل النظام للخطر. ويصبح ذلك حقيقياً بشكل خاص في قضية الحجاب الإلزامي الذي يعبر عن رمز أساسي للنظام السياسي الإسلاموي في إيران.

النظام يائس
رغم تهميش الإصلاحيين بشكل كبير، يتودد النظام إليهم بشكل يائس للحصول على شرعية. لقد التقى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني بعدد من الوجوه السياسية بينها أذر منصوري، رئيسة حزب إصلاحي رائد.
وفي الاجتماعات حددت منصوري ما قالت إنها إصلاحات ضرورية قصيرة وطويلة الأجل، من ضمنها إلغاء شرطة الأخلاق، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، وإنهاء تقييد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وواتس اب. وطالبت بتغيير تركيبة مجلس صيانة الدستور، ومراجعة الدستور، وتهيئة الأرضية لانتخابات “حرة وتنافسية».

نظام غير قابل للإصلاح
وأضاف الكاتب أنه تبقى معرفة إذا كان النظام سيغير عملياً أسلوب حوكمته بطريقة تعالج المظالم العامة. ولا يرجح أن يؤدي استبدال شرطة الأخلاق بأدوات عقابية أخرى مثل إغلاق الحسابات المصرفية إلى تهدئة المتظاهرين، بل يمكن أن يدفع المزيد من الناس للنزول إلى الشوارع. وبالنسبة إلى العديد من الإيرانيين لا يمكن إصلاح الجمهورية الإسلامية، إذ انخرط النظام في العديد من الانتهاكات من ضمنها قتل 60 قاصراً على الأقل في الاحتجاجات الحالية، ولن يكون قادراً على كسب أي شرعية.
في الوقت نفسه، تابع طوسي، لا يزال خامنئي على رأس النظام، وهو رجل دين عنيد في الـ 83.
ورأى في الختام أنه دون إصلاحات كبرى تتخطى حدود إلغاء شرطة الأخلاق، ستبقى الجمهورية الإسلامية نظاماً سياسياً على خلاف جوهري مع الكثير من سكان إيران.