شيخ الأزهر يشيد بدعم رئيس الدولة لرسالة الأزهر ويثمن جهود الإمارات في تعزيز قيم التسامح
لجأت الحكومة إلى تعليق تصديرها
في الأرجنتين، أصبحت اللحوم الحمراء قضية دولة...!
-- يرجع الانخفاض في استهلاك لحوم البقر إلى إفقار السكان أكثر منه توجها نحو النباتية
-- اللحوم منتج للأثرياء، ولكن في متناول أكبر عدد، نتيجة لعمل الحكومة جزئياً
-- يعيش 42 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وستة من كل عشرة أطفال فقراء
-- علاقة الأرجنتينين بلحوم الأبقار تتنزل في التقاليد الاجتماعية والثقافية وعادات وسلوك السكان
-- هدف الحكومة، هو التمييز بين سعر التصدير وسعر الاستهلاك الداخلي، وبالتالي تحقيق فصل الأسعار
لحوم الأبقار أو أموال اللحوم؟ إن الأرجنتينيين، المعروفين بكونهم أحد أكثر الشعوب الآكلة للحوم البقر في العالم، يطرحون السؤال اليوم.
هل سيكونون قادرين على الاستمرار في استهلاكها بهذه الكميات الكبيرة، دون أن يفوّتوا فيما تدره من أرباح؟ يبدو أن المعادلة التي تســمح لهذه الدولـة الأمريكية الجنوبية بأن تكون واحدة من أكبر مصدري ومستهلكي لحوم البقر في العالم لم تعد تشتغل.
في كل الأحوال، هذا ما تخشاه الحكومة البيرونية، التي قررت، يوم الاثنين، 17 مايو المنقضي، وقف تصدير اللحوم الحمراء طيلة ثلاثين يومًا على الأقل.
وفي الاجتماع الأخير للمجلس الفيدرالي الأرجنتيني لمكافحة الجوع، حذر الرئيس الارجنتيني ألبرتو فرنانديز: “إنني أحتفي بحقيقة أن الأسعار الدولية للسلع تتصاعد، وأن اللحوم الأرجنتينية مطلوبة.
في المقابل، لا أحتفي بحقيقة أن الأرجنتينيين يضطرون إلى دفع ثمن الاغذية بنفس السعر مثل الذين يحتاجونه “البلدان المستوردة”.
هناك شيء لا أحتفي به، وهو أن لحوم أبقار الأرجنتينيين، علينا أن ندفع ثمنها كما هو الحال في فرنسا أو الصين أو في مناطق أخرى من العالم”. إعلان حرب بين “كامبو”، وهو مصطلح يشمل كبار المنتجين الزراعيين، والحكومة الشعبوية، التي تتهمهم بالمساهمة في الفقاعة التضخمية.
مقياس دخل الأسرة
يعانون من الفقر بسبب الأزمات المتكررة ومعدلات التضخم المرتفعة، يجدش جزء متزايد من السكان، صعوبة في الوصول إلى المواد الأساسية لغذائهم. ولكن هل حقا أصبحت لحوم الابقار منتوجا للأغنياء في بلاد الغاوتشو؟ “بمعنى ما، كان الأمر دائمًا كذلك”، تؤكد باتريشيا أغيري، عالمة الأنثروبولوجيا الأرجنتينية المتخصصة في الغذاء، وهذا يعود الى ربحية إنتاج هذه اللحوم، فهي أغلى بثلاث إلى أربع مرات من الدجاج أو لحم الخنزير.
منتج للأثرياء، ولكن في متناول أكبر عدد، نتيجة لعمل الحكومة جزئياً. “يتسبب حظر التصدير في زيادة العرض داخليًا، ممّا يخفّض السعر من خلال التفاعل بين العرض والطلب”، يوضح إيفان أوردونيز، خبير اقتصادي متخصص في الأعمال التجارية الزراعية، ومن المنتقدين بشدة لإجراءات الحكومة الحالية.
في ركود منذ منتصف عام 2018، نشرت الأرجنتين إحصاءات اجتماعية واقتصادية مثيرة للقلق: يعيش 42 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وستة من كل عشرة أطفال فقراء، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والتعداد.
وفي هذا السياق الاجتماعي المتدهور، ما الذي يهم إذا كانت بروتينات الأرجنتينيين تأتي من مصادر لحوم البقر أو الدجاج أو الخضار؟ الجواب، على ما يبدو، لا يكمن في قلب الأيديولوجية البيرونية، ولا في التحليل الغذائي المفصل للأطعمة، بل في خانة التقاليد الاجتماعية والثقافية وعادات وسلوك السكان، ما يسمى هنا بالخصوصية. “ان تأكل جيدا، في الأرجنتين، يعني ان تأكل اللحوم ... الحمراء بالطبع، لأن طبيعته هنا تحدد فقط إذا تعلق الامر باللحوم الاخرى: لحم الخنزير أو الدجاج، تتابع أغيري، فكل الطبقات الاجتماعية تريده، وإذا خفضت الأسرة من استهلاكه، فيمكن تفسير ذلك على أنه إفقار».
اللحوم في الدم
اللحوم، ملك النظام الغذائي الوطني، يمجّد من خلال أنبل أنواع تحضيره: اللحم المشوي، أو “أسادو” باللغة الأرجنتينية. المدير الحالي لمتحف الفنون الجميلة في بوينس آيرس، أندريس دوبرات، وقّع سيناريو الفيلم الوثائقي “كل شيء عن الشواية” الصادر عام 2016 ، ولا يزال متاحًا على نتفليكس. يشرح المؤلف: “’الأسادو’، ظاهرة اجتماعية ثقافية، إنها سمتنا المميزة، هذا الحدث المتوحش إلى حد ما، يميزنا عن الأوروبيين الذين نشبههم كثيرًا. إنها ممارسة رائعة... وبعد قولي هذا، سيستمر استهلاك لحوم البقر في الانخفاض، والامر ليس بهذا السوء.»!
نزهة لطيفة في قلب هذا الشغف الأرجنتيني، يقترب الفيلم الوثائقي من الشواء باعتباره قضية مجتمعية، بنبرة تأخذ مسافة من الظاهرة وتمارس نوعا من النقد الذاتي. ونفهم إلى أي مدى تخترق لحوم الابقار، وفقًا للقطع المستهلكة والطقوس المتبعة، جميع الطبقات الاجتماعية. فمن “أسادو” العمّال الذي يقام كيفما اتفق على رصيف، إلى الذي ينظم في فخامة وترف، تظل اللحوم في دماء الأرجنتينيين، و “الأسادو” منقوش في أبعد ذكريات طفولتهم، كما يتضح من أحد مشاهد الفيلم الذي يظهر معمودية شواء طفل يحتفل (بسخرية) بدخوله عالم اللواحم.
مسألة تقليد
وحسب دوبرات، فإن مكانة اللحوم في الثقافة الوطنية ترجع بشكل خاص إلى “غياب سوابق في فنون الطبخ بين سكان البلد، على عكس تأثيرات ما قبل العصر الكولومبي لبلدان أخرى في المنطقة: الإنكا في بيرو أو الأزتيك والمايا في المكسيك”. الأرجنتينيون كانوا ينزلون من “السفن” “1”، بحسب قول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باز الشهير. ووصلت الأبقار أيضًا بالسفن، واستوردها الإسبان إلى القارة.
هل يكفي هذا لشرح موقف الأرجنتين المخالف للاتجاهات العالمية؟ يبدو أن المخزون المتواضع الأرجنتيني ليس كافياً بعد لتعويض التخلي عن اللحوم الحمراء. “في مجتمع فقير، يعد هذا التراجع مؤشرًا سلبيًا لأنه لا يقابله مساهمات أخرى”، يحلل دوبرات.
تتأثر الطبقات المتوسطة والثرية في بوينس آيرس، من جانبها، باتجاهات المطبخ العالمي، وإن كان ذلك جديدا وبصورة خجولة. “عندما كنت طفلاً، كنا نأكل الكثير من اللحوم، يتذكر أندريس دوبرات، 57 عامًا، ويجد جيلي صعوبة لتغيير عاداته... السلطة، على سبيل المثال، ليست سوى مرافق لقطعة لحم البقر. بين الشباب كل هذا بصدد التغيّر، ويتمتع أطفالي بمجموعة واسعة من الأذواق العالمية «.
ولئن لا ينظر الجميع نظرة سلبية إلى تراجع اللحوم الحمراء، فهذا أيضًا، لأنه لا يزال للأرجنتين هامش. وفق تقرير لغرفة التجارة وصناعة اللحوم الصادر في ديسمبر 2020، انخفض الاستهلاك السنوي بالكاد إلى أقل من 50 كيلوغرامًا (49.7) للفرد. لا شيء تقريبًا مقارنة بأرقام السنوات الماضية، مثل أداء سكان العاصمة بوينس آيرس عام 1965، الذين التهموا 165 كيلوغرامًا للفرد الواحد، لكن بما يكفي لإبقاء البلاد عند عتبة تعادل ضعف المعدل الفرنسي.
الدولة للإنقاذ
يتسارع الانخفاض شبه المستمر في الاستهلاك في أوقات الأزمات. وبعد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التاريخية التي بدأت في ديسمبر 2001، انخفض من 64.4 كلغ إلى 59.3 كلغ. بالإضافة إلى المساعدة المقدمة للسكان الفقراء على شكل بطاقة غذائية، يتم تحديد سقف الأسعار بانتظام على قطع اللحوم الأكثر استهلاكًا من قبل السكان. هذه “الأسعار المراقبة” في متناول الجميع، وتساهم، وفقًا لأغيري، في “احتواء الاضطرابات الاجتماعية”. “إن إجراءات الدولة حاسمة في الحفاظ على أسعار في المتناول بشكل أو بآخر، وبذلك يصبح اللحم راتبا جيدا”. ان هدف الحكومة، هو التمييز بين سعر التصدير وسعر الاستهلاك الداخلي، وبالتالي تحقيق “فصل الأسعار”، كما أعلن الوزير الأرجنتيني للزراعة والثروة الحيوانية والماشية وصيد الأسماك، في آخر حملة حدّ للأسعار، في ديسمبر الماضي.
أخيرًا، هل المنتج الرئيسي للنظام الغذائي الأرجنتيني باهظ الثمن كما هو الحال في فرنسا، مثلما أكد الرئيس فرنانديز؟ “هذا خاطئ تماما... اللحوم أرخص بكثير في الأرجنتين منها في فرنسا وحتى في الصين، بغض النظر عن طريقة الحساب. مشكلتنا هي الدخل المنخفض، يحسم أوردونيز. من جهة اخرى، فإن المعضلة بين اللحوم المراد تصديرها وتلك التي سيتم استهلاكها غير موجودة، لأننا هنا نحب القطع التي بها عظام، والمنتجات التي يتم تصديرها خالية من العظام”. وتوضح الأسعار المحمية للقطع الإحدى عشرة الأكثر شعبية الفرق. كيلوغرام اللحم المفروم بسعر 265 بيزو (2.30 يورو) أو لحم البقر للمشوى 409 بيزو (3.60 يورو) “2” ولا ينبغي، مع ذلك، ان ينسينا هذا مستوى الحد الأدنى للأجور، الذي لا يصل إلى 30 ألف بيزو شهريًا (264 علامة ثروة هذا البلد، الذي كان يُعتبر حظيرة العالم بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فإن اللحوم الحمراء لا تتراجع فقط في الأرجنتين، فقد أضرّ الوباء بتجارة الماشية، لصالح إنتاج الطيور.
في السياق القاتم للوباء، أضيف إلى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، الحرمان من التجمعات الاجتماعية. وبما انه لا حفلات شواء دون ضيوف، فقد أجبرت هذه الممارسة على التكتم والمجموعات الصغيرة. وبمجرد التطعيم ضد كوفيد-19، ستندفع الجماهير الأرجنتينية مجددا إلى المشاوي، وتظهر أن تعلقها وشغفها في تناول اللحوم الحمراء ليس مجرد قصة غاوتشو قديمة.
1 -الاقتباس الكامل للشاعر “ينحدر المكسيكيون من الأزتيك؛ وينحدر البيروفيون من الإنكا؛ والأرجنتينيون من السفن».
2 -تستند تقديرات التحويل هذه إلى سعر الصرف الرسمي الذي وضعه البنك المركزي الأرجنتيني. غالبًا ما تكون التكاليف والأسعار الفعلية أقرب إلى أسعار الصرف في السوق الموازية.
-- اللحوم منتج للأثرياء، ولكن في متناول أكبر عدد، نتيجة لعمل الحكومة جزئياً
-- يعيش 42 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وستة من كل عشرة أطفال فقراء
-- علاقة الأرجنتينين بلحوم الأبقار تتنزل في التقاليد الاجتماعية والثقافية وعادات وسلوك السكان
-- هدف الحكومة، هو التمييز بين سعر التصدير وسعر الاستهلاك الداخلي، وبالتالي تحقيق فصل الأسعار
لحوم الأبقار أو أموال اللحوم؟ إن الأرجنتينيين، المعروفين بكونهم أحد أكثر الشعوب الآكلة للحوم البقر في العالم، يطرحون السؤال اليوم.
هل سيكونون قادرين على الاستمرار في استهلاكها بهذه الكميات الكبيرة، دون أن يفوّتوا فيما تدره من أرباح؟ يبدو أن المعادلة التي تســمح لهذه الدولـة الأمريكية الجنوبية بأن تكون واحدة من أكبر مصدري ومستهلكي لحوم البقر في العالم لم تعد تشتغل.
في كل الأحوال، هذا ما تخشاه الحكومة البيرونية، التي قررت، يوم الاثنين، 17 مايو المنقضي، وقف تصدير اللحوم الحمراء طيلة ثلاثين يومًا على الأقل.
وفي الاجتماع الأخير للمجلس الفيدرالي الأرجنتيني لمكافحة الجوع، حذر الرئيس الارجنتيني ألبرتو فرنانديز: “إنني أحتفي بحقيقة أن الأسعار الدولية للسلع تتصاعد، وأن اللحوم الأرجنتينية مطلوبة.
في المقابل، لا أحتفي بحقيقة أن الأرجنتينيين يضطرون إلى دفع ثمن الاغذية بنفس السعر مثل الذين يحتاجونه “البلدان المستوردة”.
هناك شيء لا أحتفي به، وهو أن لحوم أبقار الأرجنتينيين، علينا أن ندفع ثمنها كما هو الحال في فرنسا أو الصين أو في مناطق أخرى من العالم”. إعلان حرب بين “كامبو”، وهو مصطلح يشمل كبار المنتجين الزراعيين، والحكومة الشعبوية، التي تتهمهم بالمساهمة في الفقاعة التضخمية.
مقياس دخل الأسرة
يعانون من الفقر بسبب الأزمات المتكررة ومعدلات التضخم المرتفعة، يجدش جزء متزايد من السكان، صعوبة في الوصول إلى المواد الأساسية لغذائهم. ولكن هل حقا أصبحت لحوم الابقار منتوجا للأغنياء في بلاد الغاوتشو؟ “بمعنى ما، كان الأمر دائمًا كذلك”، تؤكد باتريشيا أغيري، عالمة الأنثروبولوجيا الأرجنتينية المتخصصة في الغذاء، وهذا يعود الى ربحية إنتاج هذه اللحوم، فهي أغلى بثلاث إلى أربع مرات من الدجاج أو لحم الخنزير.
منتج للأثرياء، ولكن في متناول أكبر عدد، نتيجة لعمل الحكومة جزئياً. “يتسبب حظر التصدير في زيادة العرض داخليًا، ممّا يخفّض السعر من خلال التفاعل بين العرض والطلب”، يوضح إيفان أوردونيز، خبير اقتصادي متخصص في الأعمال التجارية الزراعية، ومن المنتقدين بشدة لإجراءات الحكومة الحالية.
في ركود منذ منتصف عام 2018، نشرت الأرجنتين إحصاءات اجتماعية واقتصادية مثيرة للقلق: يعيش 42 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وستة من كل عشرة أطفال فقراء، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والتعداد.
وفي هذا السياق الاجتماعي المتدهور، ما الذي يهم إذا كانت بروتينات الأرجنتينيين تأتي من مصادر لحوم البقر أو الدجاج أو الخضار؟ الجواب، على ما يبدو، لا يكمن في قلب الأيديولوجية البيرونية، ولا في التحليل الغذائي المفصل للأطعمة، بل في خانة التقاليد الاجتماعية والثقافية وعادات وسلوك السكان، ما يسمى هنا بالخصوصية. “ان تأكل جيدا، في الأرجنتين، يعني ان تأكل اللحوم ... الحمراء بالطبع، لأن طبيعته هنا تحدد فقط إذا تعلق الامر باللحوم الاخرى: لحم الخنزير أو الدجاج، تتابع أغيري، فكل الطبقات الاجتماعية تريده، وإذا خفضت الأسرة من استهلاكه، فيمكن تفسير ذلك على أنه إفقار».
اللحوم في الدم
اللحوم، ملك النظام الغذائي الوطني، يمجّد من خلال أنبل أنواع تحضيره: اللحم المشوي، أو “أسادو” باللغة الأرجنتينية. المدير الحالي لمتحف الفنون الجميلة في بوينس آيرس، أندريس دوبرات، وقّع سيناريو الفيلم الوثائقي “كل شيء عن الشواية” الصادر عام 2016 ، ولا يزال متاحًا على نتفليكس. يشرح المؤلف: “’الأسادو’، ظاهرة اجتماعية ثقافية، إنها سمتنا المميزة، هذا الحدث المتوحش إلى حد ما، يميزنا عن الأوروبيين الذين نشبههم كثيرًا. إنها ممارسة رائعة... وبعد قولي هذا، سيستمر استهلاك لحوم البقر في الانخفاض، والامر ليس بهذا السوء.»!
نزهة لطيفة في قلب هذا الشغف الأرجنتيني، يقترب الفيلم الوثائقي من الشواء باعتباره قضية مجتمعية، بنبرة تأخذ مسافة من الظاهرة وتمارس نوعا من النقد الذاتي. ونفهم إلى أي مدى تخترق لحوم الابقار، وفقًا للقطع المستهلكة والطقوس المتبعة، جميع الطبقات الاجتماعية. فمن “أسادو” العمّال الذي يقام كيفما اتفق على رصيف، إلى الذي ينظم في فخامة وترف، تظل اللحوم في دماء الأرجنتينيين، و “الأسادو” منقوش في أبعد ذكريات طفولتهم، كما يتضح من أحد مشاهد الفيلم الذي يظهر معمودية شواء طفل يحتفل (بسخرية) بدخوله عالم اللواحم.
مسألة تقليد
وحسب دوبرات، فإن مكانة اللحوم في الثقافة الوطنية ترجع بشكل خاص إلى “غياب سوابق في فنون الطبخ بين سكان البلد، على عكس تأثيرات ما قبل العصر الكولومبي لبلدان أخرى في المنطقة: الإنكا في بيرو أو الأزتيك والمايا في المكسيك”. الأرجنتينيون كانوا ينزلون من “السفن” “1”، بحسب قول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باز الشهير. ووصلت الأبقار أيضًا بالسفن، واستوردها الإسبان إلى القارة.
هل يكفي هذا لشرح موقف الأرجنتين المخالف للاتجاهات العالمية؟ يبدو أن المخزون المتواضع الأرجنتيني ليس كافياً بعد لتعويض التخلي عن اللحوم الحمراء. “في مجتمع فقير، يعد هذا التراجع مؤشرًا سلبيًا لأنه لا يقابله مساهمات أخرى”، يحلل دوبرات.
تتأثر الطبقات المتوسطة والثرية في بوينس آيرس، من جانبها، باتجاهات المطبخ العالمي، وإن كان ذلك جديدا وبصورة خجولة. “عندما كنت طفلاً، كنا نأكل الكثير من اللحوم، يتذكر أندريس دوبرات، 57 عامًا، ويجد جيلي صعوبة لتغيير عاداته... السلطة، على سبيل المثال، ليست سوى مرافق لقطعة لحم البقر. بين الشباب كل هذا بصدد التغيّر، ويتمتع أطفالي بمجموعة واسعة من الأذواق العالمية «.
ولئن لا ينظر الجميع نظرة سلبية إلى تراجع اللحوم الحمراء، فهذا أيضًا، لأنه لا يزال للأرجنتين هامش. وفق تقرير لغرفة التجارة وصناعة اللحوم الصادر في ديسمبر 2020، انخفض الاستهلاك السنوي بالكاد إلى أقل من 50 كيلوغرامًا (49.7) للفرد. لا شيء تقريبًا مقارنة بأرقام السنوات الماضية، مثل أداء سكان العاصمة بوينس آيرس عام 1965، الذين التهموا 165 كيلوغرامًا للفرد الواحد، لكن بما يكفي لإبقاء البلاد عند عتبة تعادل ضعف المعدل الفرنسي.
الدولة للإنقاذ
يتسارع الانخفاض شبه المستمر في الاستهلاك في أوقات الأزمات. وبعد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التاريخية التي بدأت في ديسمبر 2001، انخفض من 64.4 كلغ إلى 59.3 كلغ. بالإضافة إلى المساعدة المقدمة للسكان الفقراء على شكل بطاقة غذائية، يتم تحديد سقف الأسعار بانتظام على قطع اللحوم الأكثر استهلاكًا من قبل السكان. هذه “الأسعار المراقبة” في متناول الجميع، وتساهم، وفقًا لأغيري، في “احتواء الاضطرابات الاجتماعية”. “إن إجراءات الدولة حاسمة في الحفاظ على أسعار في المتناول بشكل أو بآخر، وبذلك يصبح اللحم راتبا جيدا”. ان هدف الحكومة، هو التمييز بين سعر التصدير وسعر الاستهلاك الداخلي، وبالتالي تحقيق “فصل الأسعار”، كما أعلن الوزير الأرجنتيني للزراعة والثروة الحيوانية والماشية وصيد الأسماك، في آخر حملة حدّ للأسعار، في ديسمبر الماضي.
أخيرًا، هل المنتج الرئيسي للنظام الغذائي الأرجنتيني باهظ الثمن كما هو الحال في فرنسا، مثلما أكد الرئيس فرنانديز؟ “هذا خاطئ تماما... اللحوم أرخص بكثير في الأرجنتين منها في فرنسا وحتى في الصين، بغض النظر عن طريقة الحساب. مشكلتنا هي الدخل المنخفض، يحسم أوردونيز. من جهة اخرى، فإن المعضلة بين اللحوم المراد تصديرها وتلك التي سيتم استهلاكها غير موجودة، لأننا هنا نحب القطع التي بها عظام، والمنتجات التي يتم تصديرها خالية من العظام”. وتوضح الأسعار المحمية للقطع الإحدى عشرة الأكثر شعبية الفرق. كيلوغرام اللحم المفروم بسعر 265 بيزو (2.30 يورو) أو لحم البقر للمشوى 409 بيزو (3.60 يورو) “2” ولا ينبغي، مع ذلك، ان ينسينا هذا مستوى الحد الأدنى للأجور، الذي لا يصل إلى 30 ألف بيزو شهريًا (264 علامة ثروة هذا البلد، الذي كان يُعتبر حظيرة العالم بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فإن اللحوم الحمراء لا تتراجع فقط في الأرجنتين، فقد أضرّ الوباء بتجارة الماشية، لصالح إنتاج الطيور.
في السياق القاتم للوباء، أضيف إلى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، الحرمان من التجمعات الاجتماعية. وبما انه لا حفلات شواء دون ضيوف، فقد أجبرت هذه الممارسة على التكتم والمجموعات الصغيرة. وبمجرد التطعيم ضد كوفيد-19، ستندفع الجماهير الأرجنتينية مجددا إلى المشاوي، وتظهر أن تعلقها وشغفها في تناول اللحوم الحمراء ليس مجرد قصة غاوتشو قديمة.
1 -الاقتباس الكامل للشاعر “ينحدر المكسيكيون من الأزتيك؛ وينحدر البيروفيون من الإنكا؛ والأرجنتينيون من السفن».
2 -تستند تقديرات التحويل هذه إلى سعر الصرف الرسمي الذي وضعه البنك المركزي الأرجنتيني. غالبًا ما تكون التكاليف والأسعار الفعلية أقرب إلى أسعار الصرف في السوق الموازية.