نظام إقليمي جديد يتشكل:

في ناغورنو كاراباخ، من ربح ومن خسر...؟

في ناغورنو كاراباخ، من ربح ومن خسر...؟

-- من بوابة كاراباخ يبدو أن فلاديمير بوتين يعيد تأكيد دوره كزعيم إقليمي
-- صراع كاراباخ هو الصراع الوحيد، الذي تتعاطى معه روسيا ليس ضد الغرب ولكن معه
-- من بوابة كاراباخ يبدو أن فلاديمير بوتين يعيد تأكيد دوره كزعيم إقليمي
-- صراع كاراباخ هو الصراع الوحيد، الذي تتعاطى معه روسيا ليس ضد الغرب ولكن معه
-- استفادت أذربيجان من التفوق التكنولوجي للأسلحة الإسرائيلية ودعم تركيا
-- هل سيتمكن فلاديمير بوتين من قيادة العملية، من خلال لعبة التحالفات الانتهازية وحدها؟


من ربح ومن خسر في كاراباخ؟ مع هؤلاء الآلاف من الشباب الذين قُتلوا في جحيم جبهة تم حجب رعبها وعنفها إلى حد كبير، وخلال حرب استمرت خمسة وأربعين يومًا حيث لم يقابل غطرسة البعض سوى عمى الآخرين، يظل السؤال، رغم أنه مشروع، فيه شيء من عدم اللياقة.   ومع ذلك، فقد شغل العديد من المحللين وكتاب الافتتاحيات ووزارات الخارجية منذ الاتفاقية التي وقعتها موسكو وباكو ويريفان في العاشر من نوفمبر. لأنه بعد فترة طويلة من الوضع الجامد، وفي نهاية انفجار مسلح، كان متوقعًا للأسف، بين الأرمن والأذريين حول أرض متنازع عليها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، بدأ نظام إقليمي جديد في الظهور.

استسلام الأرمن
مســـــتفيدة مـــــــــن التفـــــــوق التكنولوجـــــي للأســــــــلحة الإســـــرائيلية، وخصوصا الدعم الحاسم من تركيا (التي قدمت المســـــاعدة العسكرية والدعم العملياتي، والمســــــتشارين الأتراك وعدة مئـــــــات من المرتزقـــــــة الســــــــوريين)، شنت أذربيجان الرئيس إلهام علييف الهجوم في 27 سبتمبر.
في الثامن من نوفمبر، كان سيطرة الأذريين على مدينة شوشي الاستراتيجية نقطة تحول. وبعد الانسحاب إلى العاصمة ستيباناكيرت، وأدرك المسؤولون في كاراباخ وأرمينيا بشكل مؤلم، أنه لا خيار آخر سوى قبول شروط الاتفاقية التي فرضتها موسكو، أو “المخاطرة بحياة ما تبقى من المدنيين وخسارة كاراباخ بأكملها”، يوضح ريتشارد جيراغوسيان، مدير مركز الدراسات الإقليمية في يريفان، أرمينيا.

ملامح الاتفاقية
   «تمت ترجمة اتفاق 10 نوفمبر بالتزامن تقريبًا من خلال تجميد المواقع، ونشر «قوة سلام» روسية تتكون تقريبا من ألفي رجل، ستنتشر في جيب ناغورنو كاراباخ وحول ممر لاتشين، وهو اليوم محور الاتصال الوحيد بين أرمينيا وناغورنو كاراباخ.
   المقاطعات الحدودية السبع الواقعة إلى الجنوب والغرب من الجيب، والمنقوصة هي نفسها من حوالي نصف مساحتها، هي إما في حيازة أذربيجان، أو سيتعين تسليمها لها بحلول نهاية شهر نوفمبر.

 كما تنص الاتفاقية على إنشاء ممر آخر على الأراضي الأرمنية يربط الجيب الأذري لناختشيفان بأذربيجان   النتيجة: «لم تتغير الحدود الدولية، ولم تعترف أي دولة عضو في الأمم المتحدة باستقلال جمهورية أرتساخ » كما يسمي الأرمن جيب ناغورنو كاراباخ والمناطق السبع المحيطة بها». كان هناك تغيير في الوضع القائم بالقوة أثناء وجود عملية دبلوماسية (على الورق)، وهذا ما يهم”، هكذا غرد برونو ترترايس، نائب مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية.
   لا توجد إشارة إلى تركيا في الاتفاق، لكن هذه الأخيرة أعلنت غداة توقيعه أنها ستشارك إلى جانب روسيا في مراقبة احترام تطبيق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ.

أذربيجان، الرابح الأكبر
   أذربيجان هي دون شك الرابح الأكبر. وسيتمكن الرئيس علييف في ذلك من زيادة شعبيته عندما يبدأ الأذريون الذين اضطروا للفرار من تقدم الأرمن في التسعينات بالعودة إلى «ديارهم».
  باستثناء نصف جيب ناغورني كاراباخ، استعادت أذربيجان جميع أراضيها، على النحو المعترف به في القانون الدولي. ومع ذلك، كان لا بد من الرضوخ لروسيا، التي سيتعين على باكو الآن قبول وجودها وسيطرتها عند نقاط الاتصال مع الأرمن.

 روسيا تزيد من نفوذها
   متحملا مسؤولية إضافية، بسبب انتشار القوات الروسية في كاراباخ، الصراع الوحيد في الاتحاد السوفياتي السابق حيث لا موطئ قدم لروسيا فيه، يبدو أن فلاديمير بوتين يعيد تأكيد دوره كزعيم إقليمي.
   ومرتبطة باتفاقية تضامن عسكري وأمني مع أرمينيا، بإمكان روسيا تبرير تقاعسها في التدخل الميداني عسكريا بحقيقة أن الاشتباكات كانت تتعلق بكاراباخ وليس بأرمينيا، ثم لإنقاذ هذين الكيانين في اللحظة الاخيرة، في 10 نوفمبر، قبل أن يصبحا على وشك فقدان كل سيطرتهما الإقليمية. لقد كانت طلقة تحذيرية لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، القادم من الثورة المخملية لعام 2018، الذي لم تكن محاولاته للهروب من المدار الروسي تعجب حقًا الكرملين.
   مع ذلك، هناك جانب نشاز: في حديقته الخلفية في جنوب القوقاز، بات على بوتين الآن ان يقرأ حساب احتمــــال تدخل تركيا، شريكة باكو.
  «الحقيقة القاسية، هي أن نفوذ موسكو في المنطقة العابرة للقوقاز قد تضاءل بشكل واضح، في حين أن حضور تركيا المشاكسة، على العكس، قـــد زاد بطريقة لا تصدق”، يشير إلى فايننشال تايمز روســــلان بوكوف مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا.

لاعب جيوسياسي
 في طور التكوين؟
   في حرب الصور، كسبت تركيا بعض النقاط وبتكلفة قليلة لأنها لم ترسل قوات على الأرض. ومن بعض النواحي، يفعل الرئيس التركي لروسيا ما فعله فلاديمير بوتين في سوريا:
 اختراق خارج حزامه التقليدي رغـــــم أن هـــــذا الاختراق كان في طــــــور التحضير منـــــذ بضع سنوات.
   قد تبدو تركيا كفاعل جيوسياسي في القوقاز، خاصة أنها ستستفيد الآن من إنشاء هذا الممر الذي يربط جيب ناخيتشيفان بأذربيجان، أي السماح بسلسلة تركية متصلة من البحر الأسود إلى بحر قزوين، وهو ما يكفي لدعم مشروعها لتصبح مركزا للطاقة على أبواب أوروبا.
أرمينيا الخاسر الأكبر
   ونظرًا لوجود روابط وثيقة لوجستية وعلى علاقة بالهوية مع كاراباخ، التي لم تنجح أبدًا في الحصول على اعتراف دولي بها -وهو احتمال تم تجاهله تمامًا في هذه الاتفاقية -فإن أرمينيا هي الخاسر الأكبر.
   من حيث الأراضي ولكن أيضًا الهوية، تؤوي الكثير من جبال كاراباخ بقايا وكنوز الحضارة الأرمنية.
   من المؤكد أن الممر سيحافظ على الاتصال بين أرمينيا وناغورنو كاراباخ، ولكن في ظل وجود القوات الروسية.
 ومع ذلك، “رغم انزعاج الحكومة الأرمينية عند قبول بنود الاتفاقية التي فرضتها روسيا وصعوبة هضمه، فإن التهديد الذي تمثله تركيا أردوغان في هذه الحرب هو الذي يُنظر إليه على أنه خطر أكبر”، يشرح ريتشارد جيراغوسيان.
  مقاربة تتعارض مع خطاب دبلوماسي تركي، يرى انه “تمت تسوية قضية ناغورنو كاراباخ، وأصبح تطبيع العلاقات بين أنقرة ويريفان ممكنًا».
   تأكيد “متفائل” ربما لم يأخذ المدى الحقيقي لما أيقظه هجوم الأسابيع الأخيرة من صدمة للذاكرة الأرمنية المرتبطة بالإبادة الجماعية التي ارتكبها الأتراك عام 1915.

عجز الغرب
   يتعارضان في عدة جبهات (سوريا وليبيا)، تشترك تركيا وروسيا في نفس الحدة وانعدام الثقة بأوروبا وبشكل أعم في الغرب، الذي تسعى أنقرة وموسكو الى تقويض نفوذه ودوره.
    إلا أن “صراع كاراباخ، هو الصراع الوحيد، والمشكلة الوحيدة، التي تتعاطى معها روسيا ليس ضد الغرب وإنما معه “، يذكّر ريتشارد جيراغوسيان. فهذه المرة، تعد مشاركة موسكو العسكرية والسياسية والدبلوماسية خطوة أحادية الجانب تتجاوز بكثير الدور الرسمي للوسيط الذي تلعبه مع فرنسا والولايات المتحدة، داخل مجموعة مينسك «.
   متجاهلا هكذا الرئيسين الفرنسي والأمريكي المشاركين في مجموعة مينسك، العالقين في إدارة كوفيد -19، والإرهاب، وكذلك الانتخابات الأمريكية، وقد احالهما إلى عجزهما في ملف كاراباخ، فهل سيتمكن فلاديمير بوتين من قيادة العملية، بما في ذلك إعادة سكان أذربيجان إلى ناغورنو كاراباخ، من خلال لعبة التحالفات الانتهازية وحدها -دون دعم من وكالات الأمم المتحدة على سبيل المثال؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين على أنفسهم.