الوقت مورد لا يمكن هدره:

قريبًا سيفوت الأوان لاكتشاف أصول كوفيد-19...!

قريبًا سيفوت الأوان لاكتشاف أصول كوفيد-19...!

-- كلما مر الوقت، قلّت قدرة الخبراء على تحديد الأصول البيولوجية للفيروس
-- يتطلب التوصل إلى اتفاق بشأن التقنيات المعملية التي ســـيتم تنفيذها وقتًا طويلاً
-- نحن نهدر وقتًا ثمينًا يمكن تكريسه لتعميق ستة خطوط بحثية
-- المناقشات، سياسية أكثر منها علمية، تبطئ التعاون للنهوض بالدراسات المطلوبة
-- لا تزال فرضية حادث المختبر شائعة جدًا في وسائل الإعلام، ومع ذلك، فهي ليست الأكثر تأييدا علميًا


   التحقيق في الأسباب التي سمحت بانتشار الفيروس مستمر بصعوبة. ومع ذلك، يشعر الخبراء بالقلق: وقت جمع البيانات البيولوجية ينفد.
   تسبب فيروس سارس-كوف-2، فيروس كوفيد-19، في أكبر جائحة في المائة عام الاخيرة. لذلك، فإن فهم أصوله أمر بالغ الأهمية لتوضيح ما حدث في نهاية عام 2019 -والاستعداد للوباء الفيروسي التالي.

    تستغرق الدراسات من هذا النوع وقتًا، وتتطلب التنظيم والتعاون. علاوة على ذلك، يجب الاسترشاد بالمبادئ العلمية، وليس بدوافع أو مواقف سياسية. ومع ذلك، ولأسباب مختلفة، فقد استغرق التحقيق الجاري في أصل فيروس سارس-كوف-2 وقتًا طويلاً: تم الإبلاغ عن الحالات الأولى في ووهان، الصين، ديسمبر 2019، أي منذ أكثر من عشرين شهرًا.    وكما تناقلت وسائل الإعلام المختلفة، في 24 أغسطس، أحالت وكالات المخابرات الأمريكية إلى الرئيس جو بايدن نتائج أبحاثها في ظهور الوباء. “تم رفع السرية عن ملخص لهذا العمل ونشر بعد بضعة أيام».
   ووفقًا لرواية أولية نُشرت في صحيفة نيويورك تايمز، لم يتمكن التحقيق حتى الآن من تحديد ما إذا كان انتشار الفيروس بنتيجة حادث في مختبر، أو انطلق من ظهور طبيعي ينطوي على المرور من الحيوان إلى البشر.
   وإذا ظلت إمكانية حدوث تسرب من المختبر وسيلة يجب استكشافها (بشرط إمكانية إثباتها علميًا)، فلا ينبغي أن تصرف الانتباه عن الفرضية الأخرى التي، بناءً على البيانات المتاحة حاليًا، يجب أن تستنفر معظم طاقتنا. في الواقع، كلّما مرّ الوقت، قلت قدرة الخبراء على تحديد الأصول البيولوجية للفيروس.

ست توصيات
 لبقية التحقيق
   أنا أحد الخبراء الذين سافروا إلى ووهان في بداية العام كطرف في تحقيق منظمة الصحة العالمية الذي يهدف إلى تسليط الضوء على مسألة أصل فيروس السارس -2. وجدنا أن الأدلة المتاحة تشير بوضوح إلى أن الوباء بدأ نتيجة انتقال فيروس “حيواني المنشأ”، أي الانتقال من الحيوانات إلى الإنسان.
   نتج عن تحقيقنا تقرير، نُشر في مارس 2021، قدمنا فيه عدة توصيات لمزيد العمل للنظر فيها.
وأصبح من الملح الآن الشروع في تصميم الدراسات العلمية التي ستسمح بتنفيذها بنجاح.
   في 25 أغسطس، نشرنا مع محررين آخرين لهذا التقرير، مقالًا في مجلة نيتشر دفاعا عن هذا الاتجاه.
 نحن نهدر وقتًا ثمينًا يمكن تكريسه لتعميق ستة خطوط بحثية من أجل معرفة المزيد عن أصل فيروس كورونا. هذه المجالات، التي نعتقد أنها أولويات، هي كما يلي:

• دراسات التتبع الإضافية ، بناءً على التقارير الأولية التي أشارت للمرض.
• التحقيقات التي تهدف إلى تحليل الأجسام المضادة الخاصة بـ سارس-كوف-2 التي طورها المرضى الذين يعيشون في المناطق التي حدثت فيها الحالات الأولى لـ كوفيد-19.
هذه النقطة مهمة، لأنه في العديد من البلدان (منها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة)، تبين أن الأدلة التي كانت ستدعم حالات الاكتشاف المبكر لفيروس كورونا غير حاسمة؛
• مسوحات التتبع التي تم إجراؤها في المجموعات التي لها علاقــــات بمزارع تربية الحيوانات البرية التي زودت أسواق ووهان ؛
• الدراسات المصممة لتقييم المخاطر التي تمثلها الحيوانات المضيفة المحتملة. يمكن أن يكون المضيف الأساسي (مثل الخفافيش) أو المضيفات الثانوية، أو الحيوانات التي كان من الممكن أن تلعب دور المعززات؛
• التحليلات التفصيلية لعوامل الخطر لتفشي المرض المبكر ، أينما حدثت.
• متابعة أي خيط جديد ذا مصداقية.

سباق مع الزمن جار
  الوقت هو الجوهر في جدوى بعض هذه الدراسات. من المعروف، على سبيل المثال، أن الأجسام المضادة لـ سارس-كوف-2 تظهر بعد حوالي أسبوع من إصابة الشخص بالفيروس وتعافيه، أو بعد التطعيم.
لكن تركيزهم يتناقص بمرور الوقت -تحليل العينات المأخوذة الآن من الأشخاص الذين أصيبوا في ديسمبر 2019 أو حتى قبل ذلك، قد يكون أكثر صعوبة، ولن تتحسن هذه المشكلة مع مرور الوقت.
  الاعتماد على تحليل الأجسام المضادة الموجودة في عموم السكان للتمييز بين التطعيم أو العدوى الطبيعية أو العدوى الثانوية (خاصة إذا حدثت العدوى الأولية عام 2019) يمثل مشكلة أيضًا. على سبيل المثال، بعد الإصابة بالفيروس، يمكن اكتشاف مجموعة من الأجسام المضادة الخاصة بـ سارس-كوف-2، الموجهة ضد بروتين سبايك أو ضد البروتين النووي، لفترات متفاوتة، بتركيزات مختلفة، ووفقًا للقدرات المتفاوتة لتحييد فيروس كورونا أيضًا. وفي حال التطعيم، اعتمادًا على اللقاح المستخدم، يمكن فقط اكتشاف الأجسام المضادة لبروتين سبايك، والتي تنخفض أيضًا بمرور الوقت.

   من الضروري أيضًا وجود إجماع دولي بشأن طرق الكشف المستخدمة في المختبر. في الأشهر الأخيرة، أدت الاختلافات في بروتوكولات التحليل المستخدمة إلى مناقشات حول جودة البيانات التي تم جمعها في أجزاء مختلفة من العالم. ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن التقنيات المختبرية المستخدمة في الدراسات المصلية والجينومية، وكذلك بشأن الوصول إلى العينات ومشاركتها (مع مراعاة مسائل الموافقة واحترام الخصوصية) يستغرق وقتًا.
  ويتطلب الأمر أيضًا وقتًا للحصول على التمويل. ولكل هذه الأسباب، الوقت مورد لا يمكننا أن نضيعه.

اكراهات الميدان
   من جهة اخرى، في ووهان، أغلقت العديد من مزارع الحيوانات البرية أبوابها بعد تفشي المرض الأولي، عادة دون أي مراقبة.
 مع توزّع الحيوانات والبشر الناتج عن ذلك، أصبح من الصعب بشكل متزايد العثور على دليل بيولوجي في هذا الجانب او ذاك للانتشار المبكر لفيروس كورونا.
   ولحسن الحظ، لا يزال من الممكن إجراء بعض التحليلات. من بينها مراجعة دراسات الحالة الأولية، ودراسات المتبرعين بالدم في ووهان والمدن الصينية الأخرى (وكذلك في جميع الأماكن التي تم فيها اكتشاف الجينوم الفيروسي مبكرًا).
   من المهــم تحليـل التقـدم أو نتائج هذه الدراسـات التي أجراهـا خبراء محليون ودوليون، ولكن لم يتم حتى الآن وضع آلية تســــــــمح بهـــذا النـــوع من التحقق.
   منذ مارس ونشر تقرير منظمة الصحة العالمية، ظهرت عناصر جديدة. هذه، مثل البيانات الواردة في تقريرنا، تمت مراجعتها من قبل علماء مستقلين، وتوصل هؤلاء إلى استنتاجات مماثلة لتلك الواردة في وثيقة منظمة الصحة العالمية، وهي:
• لم يتم تحديد الخزّان الطبيعي لـ سارس-كوف-2 ؛
• ربما لم يتم اختبار الأنواع الرئيسية (في الصين أو في أي مكان آخر).
• هناك أدلة علمية قوية تدعم أصل الوباء الحيواني المنشأ.

خطوة إلى الأمام،
خطوة إلى الجانب ...
   رغم أنه لا يمكن استبعاد احتمال وقوع حادث مختبر تمامًا، إلا أنه مستبعد جدًا، بالنظر للتواصل المتكرر بين الإنسان والحيوان الذي يحدث بانتظام في تجارة الحيوانات البرية.
   ومع ذلك، فإن فرضية فيروس كورونا المتسرب من المختبر لا تزال تثير اهتمام وسائل الإعلام، رغم الأدلة المتاحة ... وهذه المناقشات، سياسية أكثر منها علمية، ما زالت تبطئ التعاون والحصول على الاتفاقات اللازمة للنهوض بالدراسات التي تقتضيها المرحلة الثانية من تقرير منظمة الصحة العالمية.
   دعت منظمة الصحة العالمية إلى إنشاء لجنة جديدة للإشراف على الدراسات المستقبلية حول أصول فيروس كورونا سارس-كوف-2. وهذه المبادرة جديرة بالثناء، لكنها تخاطر بالتسبب في مزيد من التأخير في البرمجة المتصورة للدراسات المذكورة ...
عالم ميكروبيولوجي أسترالي وأستاذ سريري في طب المناعة والأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة سيدني.