قمة أمريكية - روسية بلا جدوى

قمة أمريكية - روسية بلا جدوى


رأى الكاتب تيد غالن كاربنتر في موقع مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أنه بالنظر إلى الحالة المتردية للعلاقات الأمريكية-الروسية، فإن توقعات الخروج بنتائج مهمة وجوهرية من هذه القمة، كانت أكثر تواضعاً مما هي في العادة لمثل هذه القمم. ومع ذلك، لا يزال هناك متفائلون.وكان لدى كل من الزعيمين سبب لعدم جعل المحادثات تنفجر بالكامل وتنتهي بعبارات لاذعة متبادلة. ومع هذا، كانت الحصيلة بياناً فاضحاً يتحدث عن “نقاشات بناءة” و”تبادلٍ صريح اتسم بالودية لوجهات النظر حول مروحة من القضايا المهمة».

ولا يمكن هذا الوهم الديبلوماسي أن يخفي التدهور الخطير في العلاقات الثنائية. ولدى واشنطن لائحة طويلة بالشكاوى ضد موسكو، على رأسها الإتهامات بالتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى، والإتهامات بالهجمات السيبرانية. لكن الزعيمين أغمضا عينيهما حيال استفزازتهما الخاصة.

إن استراتيجية التفاوض الأمريكية المثالية في التعامل مع الخصوم تكمن في تقديم لائحة بالشكاوى والمطالبة بتنازلات ترقى إلى إستسلام صريح في ما يتعلق بكل نقطة. وعلى العكس، تتضمن أي تنازلات أمريكية أموراً طفيفة أو حتى غير موجودة. إنها جوهر ديبلوماسية الاستسلام، وهي تشبه تماماً الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع روسيا خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.

سلوك مختلف
ولو كان بايدن يريد إنقاذ القمة والخروج بنتائج معتبرة، فإنه كان يلزمه سلوك مسار كامل مختلف. وكان ثمة خطوة أولية مهمة يتعين الإعتراف بها لجهة أن بعض الأفعال من قبل واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي كانت استفزازية من دون مبرر بالنسبة إلى المصالح الجوهرية لروسيا. وينطبق ذلك على قرار توسيع حلف شمال الأطلسي، وهو أقوى تحالف عسكري في التاريخ، نحو الحدود الغربية لروسيا من خلال ضم جمهوريات البلطيق الثلاث. كما أن نشر قوات جديدة من الحلف في دول أوروبا الشرقية التي انضمت حديثاً إلى الحلف، يشكل استفزازاً إضافياً. كذلك، يعكس إجراء سلسلة من المناورات العسكرية للحلف على أبواب روسيا، في البلطيق أو في البحر الأسود، صلفاً وطيشاً. كما أن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى ومن معاهدة السماوات المفتوحة، ليس من شأنه تخفيف التوتر مع روسيا.

وتطول لائحة الإستفزازات. وحتى في الوقت الذي يشكو القادة الأمريكيون من تدخل الكرملين في سياسات الأمم الديموقراطية، فإنهم يرفضون الإعتراف بأن واشنطن تدخلت في أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014 لمساعدة المتظاهرين على إسقاط حكومة منتخبة موالية لروسيا. وفي الوقت الحاضر، تقف واشنطن علانية مع المعارض الروسي أليكسي نافالني في كفاحه السياسي ضد بوتين ومع المحتجين الذين يسعون إلى إسقاط الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو الحليف لبوتين.

ولسوء الحظ، يبدو أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مصممان على اتباع سلوك صدامي . فالبيان الذي صدر عن القمة الأطلسية أشار بوضوح إلى “التهديد” الروسي في تناقض جلي مع الإشارة إلى “التحديات” التي تشكلها الصين. إن الفوبيا من روسيا لا تزال قوية في الغرب.
إن تبني مطالب أمريكية واقعية وإظهار الإرادة في تقديم تنازلات مهمة كان من شأنهما فتح الطريق إلى قمة ناجحة وربما تحقيق اختراق في علاقات واشنطن مع روسيا. فلئن كان الضغط على بوتين لاتخاذ موقف من قراصنة الإنترنت الموجودين في روسيا أمر منطقي ومن الممكن تحقيقه، فإن الإصرار على روسيا لإعادة القرم ليس بداية جيدة لمفاوضات.

نفاق وعبث
وقد يكون لدى القادة الأمريكيين الحق في الانزعاج من التدخل الروسي في الشؤون السياسية للولايات المتحدة، لكن يجب أن يكونوا أكثر تحديداً بالنسبة إلى ما يعنونه بـ”التدخل” غير المقبول. ومعظم الدول (بما فيها الولايات المتحدة وحلفائها الأقربين) ينخرطون في حملات علاقات عامة شرسة وحملات دعائية، ولذا فإن اختيار روسيا وحدها لصب الغضب عليها بسبب هذه التصرفات، هو من باب النفاق والعبثية.
كما أن فرض العقوبات الاقتصادية كردٍ، وفق ما تدأب عليه الولايات المتحدة، يشكل أمراً أسوأ.

والواقعية الأكبر في ما يتعلق بالتقدم بالمطالب هي أمر حاسم، وكذلك الحال بالنسبة إلى تقديم لائحة من التنازلات الجذابة. لكن يبدو من المستحيل على الولايات المتحدة أن تتخلى عن تمدد حلف شمال الأطلسي.
لكن بامكان بايدن أن يقول إن باب الإنتساب إلى الحلف قد أغلق، وأن الولايات المتحدة ستضع فيتو على انضمام أوكرانيا أو جورجيا إلى الحلف. ذلك أن احتمال قبول عضوية أوكرانيا في الأطلسي ونشــــــر قـــــوات غربية على الأراضي الأوكرانيــــــة، من الممكن أن يتجاوز خطاً أحمر بالنسبة لروسيا.
 وسيكون رد فعل موسكو مماثـلاً لرد فعل الولايات المتحدة لو أن دولة عظمى، مثل الصين، ترغب في ضم كندا أو المكسيك إلى حلف عسكري تهيمن عليه.