روسيا تعزز نفوذها النووي في الهند

قمة بوتين ومودي تدشن مرحلة جديدة من التعاون

قمة بوتين ومودي تدشن مرحلة جديدة من التعاون


شكّلت القمة الهندية الروسية الثالثة والعشرون في الـ5 من ديسمبر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي محطة مفصلية في مسار التعاون النووي بين البلدين. 
تصدّر الملف النووي جدول المحادثات، في مؤشر واضح على رغبة موسكو ونيودلهي في تعميق الشراكة في هذا القطاع الحيوي الذي بات جزءًا من موازين القوى العالمية. بحسب صحيفة «يوراسيان تايمز».
وفي مقابلة عشية الزيارة مع صحيفة «إنديا توداي»، شدّد بوتين على أن التعاون النووي سيكون ضمن «أهم» ملفات القمة، مذكّرًا بأن روسيا تُعد أكبر مطور ومشغل للمفاعلات النووية في الخارج، بما يشمل 22 وحدة نووية قيد التشغيل عالميًّا. 
واعتبر أن مشروع محطة كودانكولام للطاقة النووية جنوب الهند يُجسّد التعاون النموذجي بين الجانبين.
تزامن وصول بوتين إلى نيودلهي مع إعلان شركة روساتوم الروسية تسليم أول دفعة وقود نووي للمفاعل الثالث في محطة كودانكولام، عبر شحنة جوية خاصة وصلت إلى ولاية تاميل نادو. 
وتؤمّن هذه الشحنة إمدادات الوقود مدى الحياة للوحدتين الثالثة والرابعة من طراز VVER-1000 الجاري إنشاؤهما.
تشمل منشأة كودانكولام ستة مفاعلات بطاقة إجمالية 6000 ميغاواط، تم ربط أول وحدتين منها بالشبكة الوطنية عامي 2013 و2016. 
أما الوحدات الأربع الأخرى فتتقدم بوتيرة بناء متفاوتة؛ ما يعكس حرص موسكو على تثبيت وجودها كالشريك النووي الأول لنيودلهي.
ويتزامن هذا التطور مع استعداد حكومة مودي لتعديل الإطار التشريعي للقطاع النووي عبر مشروع قانون الطاقة الذرية 2025. وتهدف التعديلات إلى فتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة والأجنبية وتحقيق الهدف الطموح ببلوغ 100 جيجاواط من القدرة النووية بحلول عام 2047.كما تعمل الهند على رفع القدرة الحالية البالغة 8,180 ميغاواط إلى 22,480 ميغاواط خلال العقد المقبل، عبر خطط تشمل بناء عشرة مفاعلات إضافية في ولايات مختلفة، إلى جانب دعم أبحاث المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة (SMRs) مع تخصيص 2.5 مليار دولار لتطوير نماذج جاهزة للتشغيل بحلول 2033.
وبحسب الصحيفة، لم يُخْفِ بوتين اهتمامه بتوسيع صادرات هذه التكنولوجيا إلى الهند، معتبرًا أنها حل مثالي للمناطق الصناعية أو النائية التي يصعب ربطها بشبكات كهرباء ضخمة؛ ما يمنح روسيا فرصة نفاذ أعمق إلى السوق الهندية.

تنافس دولي حاد
نجاح روسيا في توسيع حضورها النووي بالهند يأتي في سياق تنافسي، خصوصًا مع الولايات المتحدة، التي سبق أن أزالت العوائق السياسية أمام التعاون النووي مع نيودلهي عبر اتفاق تاريخي عام 2005.  ورغم ذلك، لم تتمكن الشركات الأمريكية من دخول السوق الهندية فعليًّا، بسبب قانون المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية CLNDA لعام 2010، الذي يمنح مشغلي المحطات حق الرجوع القانوني على الموردين لعقود طويلة، ما يُعدّ مخاطرة غير مقبولة للشركات الدولية.
هذا الواقع وفّر لروسيا أفضلية واضحة، إذ واصلت التعاون مع الهند رغم القيود القانونية، مع استفادتها من مجمع التأمين النووي الذي أنشأته نيودلهي لتغطية المخاطر. 
وتقدّر قيمة التأمين لكل مفاعل جديد في كودانكولام بنحو 2.5 مليار دولار لمدة 20 عامًا.
خصص البيان المشترك للقمة قسمًا موسعًا للطاقة النووية، مؤكدًا اتفاق الجانبين على دعم دورة حياة منشأة كودانكولام وتوسعتها، والالتزام بالموقع الثاني لمحطة نووية جديدة في الهند.  كما شدد على تسريع المناقشات التقنية حول مفاعلات VVER، وتوسيع توطين تصنيع المعدات وتجمعات الوقود داخل الهند.
بالنسبة لموسكو، يتجاوز التعاون النووي حدود المكاسب التجارية. فهو جزء من رؤية إستراتيجية لتعزيز الشراكة مع دولة كبرى تُعد لاعبًا أساسيًّا في التوازنات الآسيوية. 
ولأن روسيا من الدول القليلة التي تمتلك القدرات الكاملة لبناء محطات نووية صغيرة وكبيرة، فإن استمرار التوسع في السوق الهندية يمنحها حضورًا متقدمًا في أحد أهم مسارات التحول الطاقي في العالم.