توجّه بها إلى الداخل والخارج

قيس سعيد يبعث برسائل طمأنة في كل الاتجاهات

قيس سعيد يبعث برسائل طمأنة في كل الاتجاهات

- المشيشي يرمي المنديل وعلى استعداد لتسليم السلطة لمن يختاره الرئيس التونسي
- انسحاب المحتجين من أنصار حركة النهضة من محيط مقر البرلمان
- دعوة إلى إقرار خارطة طريق واضحة لإصلاح المنظومة السياسية
- عبير موسي: الشعب احتفل لأنه تخلص من الغنوشي والإخوان...
- النهضة تدعو سعيّد إلى التراجع عن قراراته الاستثنائيّة وإلى حوار وطني


هدأ الشارع، والتزم أنصار المعسكرين بالقرارات المعلنة، وغاب شبح المواجهة امام أبواب البرلمان، وانحازت البيانات السياسية لجميع الفرقاء إلى منطق العقل أكثر من الانفعال، وغاب خطاب التحريض تقريبا، في انتظار أن تتضح الرؤية، ويطرح الرئيس التونسي قيس سعيد أجندة الخطوة الثانية التي يطالب بمعرفتها الجميع.هذا الأخير، وكمقدمة ضرورية لما سيتخذه من قرارات في قادم الأيام، حرص خلال لقاء جمعه برؤساء عدد من
المنظمات الوطنية، على بعث رسائل طمأنة بعدم الانزلاق إلى مربع الاستفراد بالسلطة، واحترام الحقوق والحريات الفردية والعامة، واحترام آجال تطبيق الإجراءات الاستثنائية، والإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة في غضون أيام، وفق ما صرحت به رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء. وأفادت راضية الجربي أن عميد الهيئة الوطنية للمحامين، ورؤساء الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، عبروا لقيس سعيد خلال هذا الاجتماع، عن موقفهم المبدئي بضرورة احترام الحقوق والحريات، واحترام آجال تطبيق الإجراءات الاستثنائية، وتطبيق الدستور وإيجاد الحلول للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.

رسائل طمأنة
   وأشارت رئيسة المنظمة النسائية إلى أن هذا الاجتماع كان فرصة للتعبير لرئيس الجمهورية عن مخاوف هذه المنظمات من التفرد بالسلطة وعدم احترام مقتضيات الدستور، مؤكدة أن قيس سعيد طمأنهم بأن اتخاذ تلك الإجراءات مسألة ظرفية حتمتها عليه الأوضاع الخطيرة التي تمر بها البلاد سياسيا وصحيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقالت إن سعيد أعملهم بأنه لم يكن بوسعه البقاء مكتوف الأيدي أمام تعفن الوضع السياسي بالبرلمان وتزايد حالة الاحتقان الاجتماعي وتدهور الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي، مفيدة أنه أبلغهم أنه ليست لديه أي رغبة في أي تمديد لأجل الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الأحد.

   وأضافت إن سعيد طمأن ممثلي المنظمات الوطنية بأنه لا مجال للعودة للقمع أو الديكتاتورية أو الجمع بين السلطات، نافيا أن يكون قد خطط للقيام بأي انقلاب. وأضافت أن الرئيس شرح للمنظمات أسباب إقدامه على اتخاذ تلك الإجراءات الاستثنائية طبقا للفصل 80 من الدستور.
   وجدد قيس سعيد تأكيده أنه تشاور مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام مشيشي قبل اتخاذ تلك الإجراءات الاستثنائية، وفق ما نقلته لـ(وات) الجربي، مشيرة إلى أنه أكد على مواصلته التشاور مع المنظمات من أجل العمل على استئناف عمل مؤسسات الدولة في أقرب الآجال.
   وقال قيس سعيد، إنه طبّق القانون وإنه يستغرب من حديث البعض عن انقلاب، مشددا على أنه ليس انقلابيا لكن لن يترك الدولة لقمة سائغة.
   وأكد سعيد في فيديو نشرته الرئاسة التونسية خلال لقائه برؤساء المنظمات الوطنية، أن الانقلاب هو الخروج عن الشرعية، مشددا على أن الدولة قائمة ولا مجال للمساس بمبدأ المساواة، داعيا الأطراف التي تعتبر أن الأمر يتعلق بالانقلاب إلى مراجعة دروسهم في القانون.

   وطمأن سعيد الشعب التونسي قائلا ‘’اطمئن التونسيين... أطلب منهم عدم المواجهة في الشارع، هناك من يصطاد في الماء العكر>>.
  وأضاف  “ مؤسسات الدولة ستستمر لكن ليس بالشكل الذي هو عليه... لسنا دعاة فوضى ولا خروج عن القانون ولا مسّ بحرمة أي كان... الأمر يتعلق بتنظيم مؤقت للسلط ريثما يزول الخطر الداهم’’ وفق قوله.

  وأكد قيس سعيد، أنه “لا مشكل له مع رجال الأعمال التونسيين” وذلك ردا على الشائعات التي تم تداولها حول منع السفر على رجال الأعمال.
   ذات رسالة الطمأنة وجهها سعيد إلى وفد عن المجلس الأعلى للقضاء، حيث أكّد عند استقبالهم، حرصه على احترام الدستور ومقتضياته وفرض القانون على الجميع وضمان استقلال القضاء في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس، كما جدّد دعوته للتونسيات والتونسيين إلى عدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى.

   وتلقى الرسالة أيضا رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ورئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ورئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ أكد سعيد خلال الاجتماع بهم، تمسكه الثابت بضمان الحقوق والحريات واحترام دولة القانون والمسار الديمقراطي ببلادنا.

  رسائل التطمين هذه عبرت الحدود، حيث أكد الرئيس التونسي في محادثة هاتفية جمعته ببلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، حرصه على احترام الشرعية والحقوق والحريات. وأشار إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الفصل 80 من الدستور لحماية المؤسسات الدستورية وحماية الدولة وتحقيق السلم الاجتماعي.

المشيشي يرمي المنديل
في الأثناء، خسرت حركة النهضة ورقة أساسية في معركتها ضد الرئيس قيس سعيد، إذ خلافا لما أعلنه بعض قادتها، أكد رئيس الحكومة المعفى، هشام مشيشي، أنه من منطلق الحرص على تجنيب البلاد مزيد من الاحتقان في وقت هي فيه في أشد الحاجة إلى تكاتف كل القوى للخروج من الوضعية المتأزّمة التي تعيشها على كافة المستويات، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون عنصرا معطّلا أو جزء من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدا.
  وأعلن، في بيان نشره على صفحته بفيسبوك، أنّه محافظة على سلامة كل التونسيين، يصطفّ كما كان دائما إلى جانب الشعب واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسّكه بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة.

   وشدد على أنّه سيتولّى تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلّفها رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنّة التّداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة، وفي احترام للنّواميس الّتي تليق بالدولة، متمنّيا كلّ التوفيق للفريق الحكومي الجديد.
وأشار إلى أنه سيواصل خدمة الوطن من أي موقع كان.
   يشار إلى أنه سادت مدينة باردو وأسوار البرلمان أمس الثلاثاء حالة من الهدوء مع تشديدات وقائية أمنية واستعدادات كبرى.
   ولم  يسجل تواجد أي محتجين أمام قصر باردو من بين الأحزاب السياسية الرافضة لقرارات رئيس الجمهورية أو الأطراف الداعمة لقرارات قيس سعيد الأخيرة.

   وقد انسحب أنصار حركة النهضة المحتجين في محيط مقر البرلمان، بعد أن حاولوا اقتحام مقر المجلس الاثنين وتصدت لهم الوحدات الأمنية.
   وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أعلن مساء الأحد، المتزامن مع ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية في تونس، عن اتخاذه لإجراءات استثنائية عملا بالفصل 80 من الدستور، تتمثل في تجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة هشام مشيشي.

«إنقاذ الشعب من منظومة الدمار»
وقد تباينت ردود فعل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بين أطراف داعمة لقرارات رئيس الدولة بالنظر الى تدهور الأوضاع وتفشي الفساد، وأخرى معارضة لها خشية مما اعتبرته محاولة للانقلاب على الدستور والانزلاق نحو الديكتاتورية.
    موقف انتظره الجميع لان صاحبته، حسب أغلب المراقبين، هي التي مهدت لهذا التطور في المشهد السياسي التونسي حيث كانت المواجه الوحيد الحازم والشرس في مواجهة حركة النهضة داخل أسوار البرلمان وخارجه، وهو موقف رئيسة الحزب الدستوري الحر.
   وقد اعتبرت رئيسة هذا الحزب عبير موسي، في فيديو نشرته على صفحتها الرسمية على فيسبوك، أن الرئيس قيس سعيد قام بتفعيل الفصل 80 من الدستور بالطريقة التي رآها صالحة. وقالت:” نحن في صف الشعب التونسي في سبيل إنقاذ تونس من منظومة الدمار”. وتابعت:” نتمنى أن يكون الإصلاح جذرياً، ونتمنى أن يكون لما حصل نتيجة لما يبحث عنه الشعب التونسي».

   كما اعتبرت موسي، أن الشعب التونسي عبّر عن سعادته بقرارات الرئيس، لأنهم تخلصوا من الإخوان ومن راشد الغنوشي وهشام المشيشي، وفق تعبيرها.
   ودعت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، الرئيس قيس سعيد، بفتح الملفات الحارقة، الخاصة بأمن الدولة والتسفير والاغتيالات، داعية، إلى غلق مقر الجمعيات المشبوهة في تونس التي يتم عن طريقها تبييض الأموال وبث الفوضى بين المواطنين.
   وأكدت عبير موسي بالمناسبة، أنّها تصطفّ إلى جانب رغبة الشعب التّونسي، مؤكّدة أنّ رئيس الدّولة فسّر الفصل 80 من الدّستور وفقا لما رآه مناسبا مع مصلحة البلاد، وفق تعبيرها.

المطلوب خارطة طريق
   من جانبه، طالب المكتب السياسي لحركة مشروع تونس، قيس سعيّد بتوضيح برنامج عمله خلال أجل الثلاثين يوما الذي منحه لنفسه، وذلك بوضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ ينتهي بتنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمتها.
  وشدّدت على أن أزمة النظام السياسي الهجين استفحلت وصارت تهدد السلم الاجتماعية بعد أن أفقرت الشعب واستباحت كرامته وأمنه حتى صارت مؤسسات هذا النظام والنصوص المنظمة له غير قادرة على حل أزمته، وفق نصّ البيان.
   وحمّلت حركة مشروع تونس المسؤولية كاملة عن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية للفرق المتناثرة الحاكمة وعلى رأسها حركة النهضة، كما حذّرت من اللجوء إلى العنف بحجة التصدي للتدابير الرئاسية.

   في حين دعت حركة تحيا تونس في بيان، إلى ضرورة إقرار خارطة طريق واضحة لإصلاح المنظومة السياسية (النظام السياسي، النظام الانتخابي، قانون الأحزاب...)، تجتمع حولها كل القوى الوطنية والديمقراطية وتحدد الخطوات القادمة من حكومة انقاذ وطني دون إقصاء وبرنامج إنقاذ صحي واقتصادي عاجل وطمأنة الشركاء الدوليين لتونس.
   وعبّرت الحركة عن تمسّكها المبدئي بالمنجز الديمقراطي التونسي وضرورة تقديم ضمانات واضحة وفق رزنامة محددة تصون الجمهورية والديمقراطية وتستكمل بناء مؤسساتها بعد معالجة اختلالات النظام السياسي.
   واعتبرت الحركة في بيانها، أنّ عجز المنظومة السياسية أصبح واقعا ملموسا حتمته الصراعات السياسية والنظام السياسي والانتخابي ويجب التعامل معه بكل مسؤولية ووطنية حسب نص البيان.

  وطالب حزب “البديل التونسي”، رئيس الجمهورية، ببيان خارطة طريق تتضمن توضيح برنامج عمله خلال مدة الثلاثين يوما التي حددها في قراره.
   كما دعا “البديل”، في بيان له ، عقب اجتماع مكتبه السياسي بصورة عاجلة، رئيس الجمهورية، إلى “توضيح مجمل التدابير والإجراءات التي سيتم اتخاذها، على سبيل الدعوة لاستفتاء شعبي، وتعديل المنظومة الانتخابية، وتنقيح الدستور، والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، وتكوين حكومة إنقاذ وطني مسنودة من كل الأطياف والقوى المدنية المؤمنة بالدولة والوطن، دون إقصاء، وبرنامج إنقاذ عاجل، وطمأنة الشركاء الدوليين لتونس».
واعتبر أن الاجراءات والتدابير الاستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية وكل ما اتصل بها من تأويلات لنص الدستور، “لا يمكن قراءتها إلا في سياق الاستجابة للمطالب الشرعية للتونسيين، الذين لا يمكن تجاهل احتجاجاتهم على تردي الأوضاع ومطالباتهم بالقطع مع المشهد السياسي الحالي المتأزم الخانق، والذي فشلت الآليات الدستورية في إيجاد الحلول الناجعة له».

ولفت نص البيان إلى أن “النظام السياسي الهجين، والقانون الانتخابي العليل، والصراعات السياسية العقيمة، وتغول حركة النهضة وحلفائها، أدت جميعها إلى افلاس المنظومة السياسية وفقدان كل مشروعية شعبية”، مشيرا إلى أن ذلك تأكد بخروج الآلاف من التونسيين رفضا لكامل المنظومة ولسياسة التجويع والتفقير والتهميش المستمرة على مدى 10سنوات، والذي قابله فرح عارم بجملة التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية.

دعوة للتراجع...وتحذير
   في المقابل، اعتبر المكتب التنفيذي لحركة النهضة في بيان، يبدو تجنّب في مفرداته خطاب التصعيد والمواجهة، أن الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية غير دستوريّة وتمثل انقلابا على الدستور والمؤسسات، خاصة ما تعلّق منها بتجميد النشاط النيابي واحتكار كل السلطات دون جهة رقابيّة دستوريّة.
   ودعا رئيس الدولة إلى التراجع عنها ومعالجة التحديات والصعوبات التي تعاني منها البلاد ضمن الإطار الدستوري والقانوني الذي يتماشى والخيار الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب التونسي، مع ضرورة استئناف عمل مجلس نواب الشعب كسلطة أصلية منتخبة ديمقراطيا.

   وحذرت الحركة من خطورة خطابات العنف والتشفّي والإقصاء على النسيج الاجتماعي الوطني وما يفتحه من ويلات البلاد في غنى عنها. ونددت بكل التجاوزات، داعية إلى الملاحقة القضائية لمقترفيها، وطلبت من المواطنين مزيد التضامن والتآزر والوحدة والتصدي لكل دعاوي الفتنة والاحتراب الأهلي.

   وعبّر المكتب التنفيذي للنهضة عن تفهمه للاحتجاجات التي عرفتها البلاد في المدّة الأخيرة ومشروعية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة، الى جانب الخطر الوبائي الكبير الجاثم على بلادنا، بما يجعل هذه القضايا اولويّة مطلقة للبلاد تحتاج الى إدارة حوار وطني ورسم خيارات جماعية قادرة على اخراج البلاد من جميع ازماتها، وفق نصّ البلاغ.
   هذا وحذّر عدد من النقابات والمنظمات الوطنية (7) المجتمعة أمس الثلاثاء في لقاء تشاوري عاجل من أي تمديد غير مشروع ومبرر في تعطيل مؤسسات الدولة، مشددة على ضرورة الالتزام بمدة الشهر المعلنة والمنصوص عليها بالدستور لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية وتجميع السلطات بيد رئيس الجمهورية.

   وشددت النقابات والمنظمات في بلاغ مشترك على ضرورة احترام السلطة القضائية كسلطة مستقلة تماما عن السلطتين التنفيذية والتشريعية لتتمكن من استرجاع دورها والعمل بكل استقلالية على التسريع في فتح كل الملفات.
   يذكر أن قيس سعيد كان قد اجتمع مع ممثلين عن كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية القضاة التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.