صدم حتى كبار أعضاء إدارته وحكومته

كواليس صادمة.. كيف وُلد مقترح ترامب للسيطرة على غزة؟

كواليس صادمة.. كيف وُلد مقترح ترامب للسيطرة على غزة؟

عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء عن اقتراحه بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، صدم حتى كبار أعضاء إدارته وحكومته، وفقاً لتقرير في صحيفة «نيويورك تايمز».
وبينما بدا إعلانه رسمياً ومدروساً – حيث قرأ الخطة من ورقة مكتوبة – إلا أن إدارته لم تقم بأي تخطيط أساسي حتى لدراسة مدى إمكانية تنفيذ الفكرة، وفقاً لأربعة مصادر مطلعة على المناقشات، لم يُسمح لهم بالتحدث علناً، وفق «نيويورك تايمز».
ولم يكن الأمريكيون وحدهم في حالة ارتباك، بل كان الإعلان مفاجئاً بالقدر نفسه  للزوار الإسرائيليين لترامب. فقبل لحظات من خروجهم لعقد المؤتمر الصحفي المشترك، الثلاثاء، فاجأ ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بإخباره عن نيته الإعلان عن فكرة السيطرة على غزة، وفقاً لمصدرين مطلعين على تفاعلاتهما

غياب أي تخطيط
 حكومي مسبق
كما لم يكن هناك أي اجتماعات مع وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع الأمريكية كما هو معتاد عند طرح أي مقترح جاد للسياسة الخارجية، ناهيك عن فكرة بهذا الحجم، إذ لم تُشكّل أي مجموعات عمل، ولم تقدم وزارة الدفاع أي تقديرات حول عدد القوات المطلوبة، أو تكاليف التنفيذ، أو حتى تصور مبدئي عن كيفية تطبيق هذا الاقتراح. لم يكن هناك سوى فكرة داخل عقل الرئيس.
وعلى عكس الإعلانات الكبرى للسياسات الخارجية التي سبق أن أعلنها رؤساء أمريكيون – بمن فيهم ترامب نفسه – لم يكن هناك أي نقاش عام حول فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة قبل يوم الثلاثاء.
لكن في الأحاديث الخاصة، كان ترامب يناقش فكرة ملكية أمريكا للقطاع منذ أسابيع. ووفقاً لمسؤولين اثنين في إدارته، تسارعت أفكاره بعد عودة مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من زيارة إلى غزة الأسبوع الماضي، حيث وصف الظروف المروعة هناك.

ردود فعل
 مفاجئة وغاضبة
لكن لم يكن أحد – لا في البيت الأبيض ولا في إسرائيل – يتوقع أن يطرح ترامب الفكرة علناً يوم الثلاثاء حتى اللحظات التي سبقت الإعلان.
ولقيت الفكرة معارضة فورية من العالم العربي، . وفي تعليقاتها للصحفيين يوم الأربعاء، حاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، تخفيف بعض تصريحات ترامب.
فبينما تساءل ترامب عن سبب رغبة الفلسطينيين في العودة إلى غزة بعد تدميرها من قبل الجيش الإسرائيلي، واقترح إمكانية تحويل المنطقة إلى ملاذ سياحي، زعمت ليفيت أن ترامب كان ببساطة يريد من الأردن ومصر استقبال الفلسطينيين «بشكل مؤقت». كما قللت من أهمية فكرة الاستثمار المالي الأمريكي، رغم أن ترامب تحدث عن «ملكية طويلة الأمد». وأكدت أيضاً أن الرئيس لم يلتزم بإرسال قوات أمريكية إلى غزة، رغم أن ترامب نفسه قال: «سنفعل ما هو ضروري، وإذا كان ذلك ضرورياً، فسنقوم به».

أسئلة بلا إجابات
من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد ناقش الأمر مسبقاً بتفاصيله مع الإسرائيليين. ولم تردّ المتحدثة باسم السفارة الإسرائيلية على طلب الصحيفة للتوضيح.
لكن العرض الذي قدمه ترامب ترك العديد من الأسئلة بدون إجابة، مثل: كيف ستعمل هذه الفكرة؟ كم عدد الجنود الأمريكيين المطلوبين لتطهير غزة من حركة حماس وإزالة الأنقاض الضخمة ونزع المتفجرات غير المنفجرة؟ كم ستكلف إعادة إعمار منطقة مدمرة بحجم لاس فيغاس؟ كيف يمكن تبرير الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية بموجب القانون الدولي؟ وماذا سيحدث لمليوني لاجئ فلسطيني؟

غياب التفاصيل
وفي الساعات التي تلت الإعلان، بدت الإدارة الأمريكية عاجزة عن تقديم أي إجابات ملموسة. واتضح السبب لاحقاً: لم يكن هناك أي تفاصيل فعلية.
وفي محاولة لترويج الفكرة، ظهر مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، في برنامج «سي بي إس مورنينغز» يوم الأربعاء، لكنه أقر بأن ما تم طرحه ليس «خطة» بقدر ما هــو «مفهــــــوم لخطة»، وهو النهــــــج نفسه الذي استخدمه ترامب لوصف أفكاره حول السياسة الصحية خلال حملة 2024، والتي لم تتحقق أبداً.
وقال والتز: «حقيقة أنه لا يوجد حل واقعي، وأن ترامب يطرح بعض الأفكار الجريئة والجديدة، لا ينبغي أن يُنتقد بأي شكل».
وأضاف: «أعتقد أن هذا سيجعل المنطقة بأكملها تأتي بحلولها الخاصة إذا لم تعجبها فكرة ترامب».

الترحيل القسري
ضغط ترامب علناً على الأردن ومصر لأسابيع لقبول لاجئين من غزة، لكن كلا البلدين رفض الفكرة بشدة.
ويُعد الترحيل القسري للفلسطينيين انتهاكاً للقانون الدولي، لكن ترامب قال في مؤتمره الصحافي يـــــــوم الثلاثاء إنه يتوقـــــــــع أن يكون الفلسطينيون متحمسين للمغادرة لأن المنطقة أصبحت غير صالحة للسكن، وربما يمكنهم العودة لاحقاً.
وقال ذلك بينما كان يقف إلى جانب نتانياهو، الذي دمرت حملته العسكرية معظم غزة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، مما أوجد الظروف نفسها التي أشار إليها ترامب. وقال ترامب:
 «ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعمل جيد هناك أيضاً».
وأضاف: «سنمتلكه ونتحمل مسؤولية إزالة كل القنابل الخطرة غير المنفجرة والأسلحة الأخرى. سنُسوّي الأرض ونتخلص من المباني المدمرة».

تناقض مواقف ترامب
وأثارت الفكرة قلق العديد من المسؤولين الأمريكيين، حيث أكد اثنان من المقربين من ترامب أن الاقتراح كان فكرته وحده، وأحدهم قال إنه لم يسمع ترامب يتحدث عن إرسال قوات أمريكية من قبل.
من ناحية أخرى، اعتُبرت الفكرة متناقضة مع انتقادات ترامب السابقة للرؤساء الأمريكيين الذين انخرطوا في بناء الدول في الشرق الأوسط.
كما تأتي هذه المقترحات بينما يعمل ترامب على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تعد الجهة الفيدرالية الرئيسية للمساعدات الخارجية. لكن ترامب لم يكن يوماً معادياً للتدخلات العسكرية بنفس الدرجة التي يرغب بها أنصار العزلة في حزبه.
ففي بداية حرب العراق، أيّدها قبل أن ينتقدها لاحقاً.
وفي 2011، عندما فكر في الترشح للرئاسة، قال إنه يجب على الولايات المتحدة «أخذ نفط» العراق. كما اقترح استخدام الجيش الأمريكي لاستخراج المعادن الحيوية من مناطق الحروب.
في حين لقيت فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة ترحيباً بين بعض الدوائر اليمينية المتطرفة في إسرائيل، كان هناك تشكيك واسع في جدواها.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إن اقتراح ترامب «مبدع وذكي للغاية»، لكنه اعترف بأنه فوجئ بالإعلان. وأضاف: «لم نجد أبداً من يمكنه حكم غزة دون أن يشكل تهديداً».
لكن مع غياب أي تفاصيل عملية، يتوقع العديد من مستشاري ترامب أن تتلاشى الفكرة بهدوء، مثلها مثل العديد من مقترحاته السابقة.