رئيس الدولة ونائباه يعزون خادم الحرمين بوفاة الأميرة جواهر بنت بندر بن محمد
ردت بقوة مع بداية ظهوره
كوفيد-19: لهذا لم تشهد الصين موجة ثانية...!
-- ضمنت جملة من العوامل: نشر نظام الحجر الصحي ومراقبة الحركة على مساحة كبيرة جدًا
-- زعزع الوباء توازن الدول، وضعفت واجهتها التنظيمية، وظهرت نقاط قوتها وضعفها
-- لعب البعد الثقافي دورًا حاسمًا، وهناك عادات صحية مترسخة بقوة في الصين
-- كان على الصين طمأنة سكانها من خلال إظهار قدرتها على إدارة الأزمات الكبرى
-- قدرات الصمود القوية لدول شمال آسيا في مواجهة هذه الأزمة، تشير إلى أن الصين ليست حالة معزولة
-- عند ظهور الوباء في يناير 2019، تملك الصين نظاما صحيا جاهزا للاستخدام ومزودا بموارد كبيرة
يقوم نيكولاس بيتي، الأستاذ المساعد في كلية كيدج للأعمال، وفابيان م.غارغام، من جامعة رينمين في الصين وجامعة باريس ساكلاي، بتحليل أسباب نجاح الاستراتيجية الصينية ضد فيروس كورونا:
ضربت الموجة الثانية من وباء كوفيد-19 نصف الكرة الشمالي بشدة، وتضاعفت الردود السياسية. في بعض البلدان، اختار القادة (إعادة) حجر السكان، وهو أمر يصعب تنفيذه بسبب عواقبه الاقتصادية والنفسية. إلا أن الوضع ليس هو نفسه في كل مكان: فهو يبدو أقل تعقيدًا بشكل خاص في آسيا، وخاصة في الصين، حيث الموجة الثانية غير موجودة حتى الآن. كيف يمكن تفسير ما يبدو وكأنه عمل جبار واستثنائي، بالنظر إلى ضخامة هذا البلد، من حيث عدد السكان والمساحة، علاوة على ذلك، في سياق التنمية الاقتصادية غير المتكافئة حسب المقاطعات؟
رد فعل قوي في بداية الوباء
بدأ الوباء منذ حوالي عام على الأراضي الصينية فجأة، وردت الصين بقـــــوة: فرض حجــــــر صحي صارم على المناطق المتضررة بشكل خطير، مع حظر شامل على مغادرة البيوت (طيلة 76 يومًا في ووهان، مهد الوباء)، وإغلاق الشـــــركات، وحظـــــر صارم على التنقل بين المدن والمحافظــــــات، وفحوصـات يوميــــة لدرجـــــة حرارة الجسم، إلخ.
هذا الرد الجذري، بينما يُظهر الوباء قدرة عدوى كبيرة، لكن بمعدل وفيات منخفض (أقل من 900 حالة مؤكدة خلال “إغلاق” ووهان)، مثل رهانًا: بذل كل الجهد لوقف هذا الوباء، حتى لو كان ذلك يعني التضحية مؤقتًا بالتنمية الاقتصادية للبلاد، من أجل ألا تعاني منه على مدى طويل. وصياغة مثل هذا القرار شيء، ولكن كان لا بد من التمكن من تنفيذه، في سياق صعب على الصعيدين الوطني والدولي.
في الواقع، بالإضافة إلى طابعه الصحي، يعد كوفيد-19 أيضًا صدمة كبيرة للبلدان. فعدم القدرة على توقعه الى جانب خطورته، يحدثان اضطرابا على المدى الطويل على نطاق عالمي. لقد تزعزع توازن الدول، وضعفت واجهتها التنظيمية، وظهرت نقاط قوتها وضعفها.
بالإضافة إلى هذه الصعوبات، فإن الردود المحتملة تحتاج الى تعبئة حزمة متنوعة من الأبعاد: القدرة السياسية، والمؤسسات القائمة، والنظام الصحي، والنسيج الاقتصادي، والثقافة، إلخ. فما هي العناصر المحددة التي ساهمت في إنشاء منظومة المواجهة الصينية؟
تجربة الأوبئة
لفهم الخيار الصيني، من الضروري العودة إلى الماضي. عام 2003، ضرب وباء السارس مقاطعة جوانغدونغ الجنوبية الشرقية. وإذا كان هذا يبدو لنا، في ظل الظروف الحالية، وباء منخفض الشدة (حوالي 8 الاف حالة مؤكدة لـ 774 حالة وفاة)، فإنه مع ذلك كان بمثابة صدمة كهربائية.
وأجبر سوء إدارة الأزمة، وحالة عدم استعداد النظام الصحي الصيني، وتسليط الأضواء الدولية، أجبر البلاد على إصلاح سياستها الصحية. أنشأت الصين مركزًا للسيطرة على الأمراض والوقاية منها على أساس النموذج الأمريكي وزودته بموارد كبيرة. لم تعد السلطات الصينية تريد أن تفقد مصداقيتها في أعين العالم لعدم قدرتها على التعامل مع المشاكل الصحية، وبلادها تسجل صعودا صاروخيا على الساحة الدولية.
عام 2009، أدى وباء إنفلونزا الطيور إلى نشر خطط عمل تم تطويرها منذ عام 2003. وكان الأمر بالنسبة للمركز الصيني للسيطرة على الأمراض، يتعلق بتبرير إنشائه، وترجمة الوسائل المتاحة له، وتنفيذ آلياته على أرض الواقع في وضع حقيقي. غير أن الوباء كان معتدلاً في النهاية، مشابهًا للأنفلونزا الموسمية (حوالي 120 ألف حالة مؤكدة في البلاد مع 659 حالة وفاة منسوبة)، وبالتالي ظلت الإجراءات المتخذة لهذا الفيروس محدودة. وفي الحالتين، كانت الصين على خط الانطلاق.
جهاز صحي
جاهز للاستخدام
عند ظهور الوباء في يناير 2019، كان للصين نظاما صحيا جاهزا للاستخدام ومزود بموارد كبيرة. بالنسبة للحكومة الصينية، لم يكن الأمر يتعلق فقط بأن تكون نموذجية خارج حدودها، وإنما، أيضًا وخصوصا، طمأنة سكانها من خلال إظهار قدرتها على إدارة الأزمات الكبرى. لقد تلاقت تجربة الأزمات الماضية، وإرادة الوجود على الساحة الدولية، والحاجة السياسية المحلية، نحو إجابة قوية. لكن دون الإمكانيات، الإرادة السياسية وحدها لا تكفي... ومع ذلك، كان للصين أيضًا مزايا جدية للتنفيذ.
في البداية، القدرة على الاعتماد على عدد كبير جدًا من موظفي الخدمة المدنية والموظفين المحليين المرتبطين بالأمن العام ولجان الأحياء. وضمنت هذه العوامل نشر نظام الحجر الصحي ومراقبة الحركة على مساحة كبيرة جدًا. وتم تسهيل ذلك من خلال التنظيم المعماري للمناطق السكنية في الصين حيث تتكون المناطق الحضرية، ذات الكثافة السكانية، في الغالب من اقامات تجمع عمارات مغلقة من الخارج، ويمكن بسهولة مراقبة مداخلها.
بعد ذلك، أتاح الاتصال المفرط للسكان عبر الهواتف الذكية إعداد نظام مرور باستخدام الـ “كيو ار كود”، أو حتى نظام تتبع التنقلات.
كما لعب البعد الثقافي دورًا حاسمًا. هناك عادات صحية معينة، مثل ارتداء الكمامة، مترسخة بقوة في الصين. من جهة اخرى، فإن حقيقة التضحية ببعض الحريات الفردية (الحجر الصحي الصارم، حظر السفر بين المدن والمحافظات ...) من أجل الصالح العام كانت مقبولة بشكل عام. ولئن صدرت بعض الاحتجاجات، في ووهان على وجه الخصوص حيث كانت الظروف قسرية بشكل خاص، فإنها كانت فردية ومعزولة.
ففي جميع أنحاء البلاد، سارت الأمور بشكل جيد للغاية. وساهم قبول السكان وتطبيقهم الصارم للتوجيهات الصادرة عن السلطات الصينية بشكل كبير، في نجاح المنظومة الموضوعة لمقاومة الفيروس.
كما أدى الخوف من الوباء إلى تعبئة عامة حقيقية.
أخيرًا، مكنت بنية النسيج الاقتصادي، السكان من عيش فترات العزل هذه بشكل أفضل. وكان هذا يعتمد، من قبل، وإلى حد كبير على التوصيل المنزلي للوجبات والمشروبات والتسوق والسلع المتنوعة، والتي يمكن التحكم فيها من خلال العديد من التطبيقات مثل ميتوان أو إليم أو تاوباو، ويتم توجيهها بواسطة أساطيل من الأشخاص الذين يقومون بالتوصيل بواسطة السكوتر، من مستودعات عديدة منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
في النهاية، تصرّف المجتمع المتأثر ككل بالوباء، بشكل متضافر، وخلق، طوعًا أو قسرا، الظروف التي تسمح بنجاح المنظومة التي تم وضعها لمكافحته.
نموذج للاتباع؟
اليوم، عادت الحياة في الصين إلى طبيعتها. ووجدت إدارة كوفيد-19 مكانًا سريًا لها في الحياة اليومية، وذلك بفضل اختبارات درجة حرارة الجسم، واستمرار الزامية الكمامات في وسائل النقل العام، والتصاريح المتصلة بالهواتف الذكية. ففي الوقت الحالي، يُطلب من كل فرد التسجيل في واحد أو أكثر من التطبيقات (البلدية و - أو الوطنية) التي تشير إلى مستوى المخاطر الصحية لديه، وفي بعض الأحيان إعادة تتبع مسار تنقله خلال الأربعة عشر يومًا الماضية، والارتباط يالـ “كيو ار كود “الملون. ولا بد أن تكون قادرًا على عرض الـ “كيو ار كود” الأخضر لدخول الفضاءات العامة ووسائل النقل وما إلى ذلك. وظلت أماكن المطاعم والاحتفالات والمساحات المختلفة مفتوحة أيضًا للجمهور بشرط إظهار مخلب أبيض.
هل المثال الصيني نموذج يحتذى؟ إذا كان الرهان الصيني في الوقت الحالي على الرد الفعل السريع وواسع النطاق، يقدم نتائج ملحوظة، فإن المنظومة تظل محكومة بشدة وممكنة لخصائص البلد: قدرة كبيرة على تطبيق التدابير من قبل الدولة، إحساس قوي بالواجب المدني المرتبط بالثقافة المحلية، ونظام صحي مهيأ لمواجهة هذا النوع من الأزمات، وسياسة حضرية ونسيج اقتصادي يوفران مزايا في هذا النوع من الاوضاع. ان قدرات الصمود القوية لدول شمال آسيا في مواجهة هذه الأزمة، تشير إلى أن الصين ليست حالة معزولة. وفي هذا الصدد، فإن التحليل المقارن سيمكننا من معرفة بدقة أكبر ما هي العوامل الحاسمة في نجاح إدارة مثل هذه الأزمة.
ومع ذلك، هل سيطوي النسيان كوفيد-19؟ بالتأكيد لا، لأنه إذا تمكنت الصين من وضع منظومة مثيرة أدت إلى الاختفاء الفعلي لحركة الفيروس على أراضيها، فقد عادت بعض الحالات إلى الظهور، مما تسبب في إعادة الحجر الصحي للمناطق التي اختفى فيها الفيروس (بكين في يونيو ومؤخرا تشينغداو في أكتوبر). إن قلب الموسم السيئ يقترب، ولا أحد يعرف ما إذا كانت عودة الفيروس ستجبر البلاد على اتخاذ ذات الإجراءات القوية التي سبق ان اتخذتها خلال الشتاء الماضي.
من جهة اخرى، كانت المنظومة مصحوبة بإغلاق الحدود، وإعادة فتح الأبواب في نهاية الصيف، وإغلاق جديد في أوائل نوفمبر 2020. وسيكون لهذه الإغلاقات عواقب مختلفة ذات طبيعة اقتصادية، بالنظر إلى أن العديد من الشركات الموجودة في الصين تواجه صعوبة في العمل بدون كل أو جزء من موظفيها المغتربين.
وبعيدا عن الجوانب الاقتصادية، فإن كل التعاون الدولي معني: التعليمي والثقافي والدبلوماسي ... والصدمة التي يمثلها وباء كوفيد -19 سيكون لها بالتأكيد تداعيات على الحركة البشرية، وبالتالي على الطريقة التي تعيش بها مجتمعاتنا المختلفة وتتطور معًا.
-- زعزع الوباء توازن الدول، وضعفت واجهتها التنظيمية، وظهرت نقاط قوتها وضعفها
-- لعب البعد الثقافي دورًا حاسمًا، وهناك عادات صحية مترسخة بقوة في الصين
-- كان على الصين طمأنة سكانها من خلال إظهار قدرتها على إدارة الأزمات الكبرى
-- قدرات الصمود القوية لدول شمال آسيا في مواجهة هذه الأزمة، تشير إلى أن الصين ليست حالة معزولة
-- عند ظهور الوباء في يناير 2019، تملك الصين نظاما صحيا جاهزا للاستخدام ومزودا بموارد كبيرة
يقوم نيكولاس بيتي، الأستاذ المساعد في كلية كيدج للأعمال، وفابيان م.غارغام، من جامعة رينمين في الصين وجامعة باريس ساكلاي، بتحليل أسباب نجاح الاستراتيجية الصينية ضد فيروس كورونا:
ضربت الموجة الثانية من وباء كوفيد-19 نصف الكرة الشمالي بشدة، وتضاعفت الردود السياسية. في بعض البلدان، اختار القادة (إعادة) حجر السكان، وهو أمر يصعب تنفيذه بسبب عواقبه الاقتصادية والنفسية. إلا أن الوضع ليس هو نفسه في كل مكان: فهو يبدو أقل تعقيدًا بشكل خاص في آسيا، وخاصة في الصين، حيث الموجة الثانية غير موجودة حتى الآن. كيف يمكن تفسير ما يبدو وكأنه عمل جبار واستثنائي، بالنظر إلى ضخامة هذا البلد، من حيث عدد السكان والمساحة، علاوة على ذلك، في سياق التنمية الاقتصادية غير المتكافئة حسب المقاطعات؟
رد فعل قوي في بداية الوباء
بدأ الوباء منذ حوالي عام على الأراضي الصينية فجأة، وردت الصين بقـــــوة: فرض حجــــــر صحي صارم على المناطق المتضررة بشكل خطير، مع حظر شامل على مغادرة البيوت (طيلة 76 يومًا في ووهان، مهد الوباء)، وإغلاق الشـــــركات، وحظـــــر صارم على التنقل بين المدن والمحافظــــــات، وفحوصـات يوميــــة لدرجـــــة حرارة الجسم، إلخ.
هذا الرد الجذري، بينما يُظهر الوباء قدرة عدوى كبيرة، لكن بمعدل وفيات منخفض (أقل من 900 حالة مؤكدة خلال “إغلاق” ووهان)، مثل رهانًا: بذل كل الجهد لوقف هذا الوباء، حتى لو كان ذلك يعني التضحية مؤقتًا بالتنمية الاقتصادية للبلاد، من أجل ألا تعاني منه على مدى طويل. وصياغة مثل هذا القرار شيء، ولكن كان لا بد من التمكن من تنفيذه، في سياق صعب على الصعيدين الوطني والدولي.
في الواقع، بالإضافة إلى طابعه الصحي، يعد كوفيد-19 أيضًا صدمة كبيرة للبلدان. فعدم القدرة على توقعه الى جانب خطورته، يحدثان اضطرابا على المدى الطويل على نطاق عالمي. لقد تزعزع توازن الدول، وضعفت واجهتها التنظيمية، وظهرت نقاط قوتها وضعفها.
بالإضافة إلى هذه الصعوبات، فإن الردود المحتملة تحتاج الى تعبئة حزمة متنوعة من الأبعاد: القدرة السياسية، والمؤسسات القائمة، والنظام الصحي، والنسيج الاقتصادي، والثقافة، إلخ. فما هي العناصر المحددة التي ساهمت في إنشاء منظومة المواجهة الصينية؟
تجربة الأوبئة
لفهم الخيار الصيني، من الضروري العودة إلى الماضي. عام 2003، ضرب وباء السارس مقاطعة جوانغدونغ الجنوبية الشرقية. وإذا كان هذا يبدو لنا، في ظل الظروف الحالية، وباء منخفض الشدة (حوالي 8 الاف حالة مؤكدة لـ 774 حالة وفاة)، فإنه مع ذلك كان بمثابة صدمة كهربائية.
وأجبر سوء إدارة الأزمة، وحالة عدم استعداد النظام الصحي الصيني، وتسليط الأضواء الدولية، أجبر البلاد على إصلاح سياستها الصحية. أنشأت الصين مركزًا للسيطرة على الأمراض والوقاية منها على أساس النموذج الأمريكي وزودته بموارد كبيرة. لم تعد السلطات الصينية تريد أن تفقد مصداقيتها في أعين العالم لعدم قدرتها على التعامل مع المشاكل الصحية، وبلادها تسجل صعودا صاروخيا على الساحة الدولية.
عام 2009، أدى وباء إنفلونزا الطيور إلى نشر خطط عمل تم تطويرها منذ عام 2003. وكان الأمر بالنسبة للمركز الصيني للسيطرة على الأمراض، يتعلق بتبرير إنشائه، وترجمة الوسائل المتاحة له، وتنفيذ آلياته على أرض الواقع في وضع حقيقي. غير أن الوباء كان معتدلاً في النهاية، مشابهًا للأنفلونزا الموسمية (حوالي 120 ألف حالة مؤكدة في البلاد مع 659 حالة وفاة منسوبة)، وبالتالي ظلت الإجراءات المتخذة لهذا الفيروس محدودة. وفي الحالتين، كانت الصين على خط الانطلاق.
جهاز صحي
جاهز للاستخدام
عند ظهور الوباء في يناير 2019، كان للصين نظاما صحيا جاهزا للاستخدام ومزود بموارد كبيرة. بالنسبة للحكومة الصينية، لم يكن الأمر يتعلق فقط بأن تكون نموذجية خارج حدودها، وإنما، أيضًا وخصوصا، طمأنة سكانها من خلال إظهار قدرتها على إدارة الأزمات الكبرى. لقد تلاقت تجربة الأزمات الماضية، وإرادة الوجود على الساحة الدولية، والحاجة السياسية المحلية، نحو إجابة قوية. لكن دون الإمكانيات، الإرادة السياسية وحدها لا تكفي... ومع ذلك، كان للصين أيضًا مزايا جدية للتنفيذ.
في البداية، القدرة على الاعتماد على عدد كبير جدًا من موظفي الخدمة المدنية والموظفين المحليين المرتبطين بالأمن العام ولجان الأحياء. وضمنت هذه العوامل نشر نظام الحجر الصحي ومراقبة الحركة على مساحة كبيرة جدًا. وتم تسهيل ذلك من خلال التنظيم المعماري للمناطق السكنية في الصين حيث تتكون المناطق الحضرية، ذات الكثافة السكانية، في الغالب من اقامات تجمع عمارات مغلقة من الخارج، ويمكن بسهولة مراقبة مداخلها.
بعد ذلك، أتاح الاتصال المفرط للسكان عبر الهواتف الذكية إعداد نظام مرور باستخدام الـ “كيو ار كود”، أو حتى نظام تتبع التنقلات.
كما لعب البعد الثقافي دورًا حاسمًا. هناك عادات صحية معينة، مثل ارتداء الكمامة، مترسخة بقوة في الصين. من جهة اخرى، فإن حقيقة التضحية ببعض الحريات الفردية (الحجر الصحي الصارم، حظر السفر بين المدن والمحافظات ...) من أجل الصالح العام كانت مقبولة بشكل عام. ولئن صدرت بعض الاحتجاجات، في ووهان على وجه الخصوص حيث كانت الظروف قسرية بشكل خاص، فإنها كانت فردية ومعزولة.
ففي جميع أنحاء البلاد، سارت الأمور بشكل جيد للغاية. وساهم قبول السكان وتطبيقهم الصارم للتوجيهات الصادرة عن السلطات الصينية بشكل كبير، في نجاح المنظومة الموضوعة لمقاومة الفيروس.
كما أدى الخوف من الوباء إلى تعبئة عامة حقيقية.
أخيرًا، مكنت بنية النسيج الاقتصادي، السكان من عيش فترات العزل هذه بشكل أفضل. وكان هذا يعتمد، من قبل، وإلى حد كبير على التوصيل المنزلي للوجبات والمشروبات والتسوق والسلع المتنوعة، والتي يمكن التحكم فيها من خلال العديد من التطبيقات مثل ميتوان أو إليم أو تاوباو، ويتم توجيهها بواسطة أساطيل من الأشخاص الذين يقومون بالتوصيل بواسطة السكوتر، من مستودعات عديدة منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
في النهاية، تصرّف المجتمع المتأثر ككل بالوباء، بشكل متضافر، وخلق، طوعًا أو قسرا، الظروف التي تسمح بنجاح المنظومة التي تم وضعها لمكافحته.
نموذج للاتباع؟
اليوم، عادت الحياة في الصين إلى طبيعتها. ووجدت إدارة كوفيد-19 مكانًا سريًا لها في الحياة اليومية، وذلك بفضل اختبارات درجة حرارة الجسم، واستمرار الزامية الكمامات في وسائل النقل العام، والتصاريح المتصلة بالهواتف الذكية. ففي الوقت الحالي، يُطلب من كل فرد التسجيل في واحد أو أكثر من التطبيقات (البلدية و - أو الوطنية) التي تشير إلى مستوى المخاطر الصحية لديه، وفي بعض الأحيان إعادة تتبع مسار تنقله خلال الأربعة عشر يومًا الماضية، والارتباط يالـ “كيو ار كود “الملون. ولا بد أن تكون قادرًا على عرض الـ “كيو ار كود” الأخضر لدخول الفضاءات العامة ووسائل النقل وما إلى ذلك. وظلت أماكن المطاعم والاحتفالات والمساحات المختلفة مفتوحة أيضًا للجمهور بشرط إظهار مخلب أبيض.
هل المثال الصيني نموذج يحتذى؟ إذا كان الرهان الصيني في الوقت الحالي على الرد الفعل السريع وواسع النطاق، يقدم نتائج ملحوظة، فإن المنظومة تظل محكومة بشدة وممكنة لخصائص البلد: قدرة كبيرة على تطبيق التدابير من قبل الدولة، إحساس قوي بالواجب المدني المرتبط بالثقافة المحلية، ونظام صحي مهيأ لمواجهة هذا النوع من الأزمات، وسياسة حضرية ونسيج اقتصادي يوفران مزايا في هذا النوع من الاوضاع. ان قدرات الصمود القوية لدول شمال آسيا في مواجهة هذه الأزمة، تشير إلى أن الصين ليست حالة معزولة. وفي هذا الصدد، فإن التحليل المقارن سيمكننا من معرفة بدقة أكبر ما هي العوامل الحاسمة في نجاح إدارة مثل هذه الأزمة.
ومع ذلك، هل سيطوي النسيان كوفيد-19؟ بالتأكيد لا، لأنه إذا تمكنت الصين من وضع منظومة مثيرة أدت إلى الاختفاء الفعلي لحركة الفيروس على أراضيها، فقد عادت بعض الحالات إلى الظهور، مما تسبب في إعادة الحجر الصحي للمناطق التي اختفى فيها الفيروس (بكين في يونيو ومؤخرا تشينغداو في أكتوبر). إن قلب الموسم السيئ يقترب، ولا أحد يعرف ما إذا كانت عودة الفيروس ستجبر البلاد على اتخاذ ذات الإجراءات القوية التي سبق ان اتخذتها خلال الشتاء الماضي.
من جهة اخرى، كانت المنظومة مصحوبة بإغلاق الحدود، وإعادة فتح الأبواب في نهاية الصيف، وإغلاق جديد في أوائل نوفمبر 2020. وسيكون لهذه الإغلاقات عواقب مختلفة ذات طبيعة اقتصادية، بالنظر إلى أن العديد من الشركات الموجودة في الصين تواجه صعوبة في العمل بدون كل أو جزء من موظفيها المغتربين.
وبعيدا عن الجوانب الاقتصادية، فإن كل التعاون الدولي معني: التعليمي والثقافي والدبلوماسي ... والصدمة التي يمثلها وباء كوفيد -19 سيكون لها بالتأكيد تداعيات على الحركة البشرية، وبالتالي على الطريقة التي تعيش بها مجتمعاتنا المختلفة وتتطور معًا.