في ألمانيا، التي تعرف كيف يمكن للمتطرفين أن يخطفوا الحكومة، تثير الشعبية المتصاعدة لليمين المتطرف سؤالاً محرجاً. إلى أي مدى على الديمقراطية أن تذهب لتقييد حزب يعتقد كثيرون أنه عازم على تقويضها؟
وكتبت مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز" في برلين إيريكا سولومون، أنه مأزق يخوض سياسيون وخبراء قانونيون نقاشاً حوله في وقت يتصاعد الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني متطرف يفوق التأييد الذي يتمتع به الآن، تأييد الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحاكم.
انتخابات
ولا يعتبر البديل من أجل ألمانيا الأكثر شعبية فقط في ثلاث مقاطعات ستجرى فيها انتخابات هذه السنة، لكن استطلاعاً على المستوى الوطني يظهر تأييده من 20 % من الناخبين.
ويشعر السياسيون الألمان بقلق متزايد من احتمال ممارسة الحزب نفوذاً في الحكومة الفيديرالية. ونمت شعبيته رغم  أن أجهزة الاستخبارات أعلنت أنها تحقق في احتمال تشكيل الحزب، تهديداً للديموقراطية
وألمانيا هي فعلاً في الصف الأول لصعود ما يسمى بالديمقراطيين غير الليبراليين كما يحدث في بولندا والمجر، والذين استخدموا سلطاتهم لملء المحاكم بقضاة مطيعين وإسكات وسائل الاعلام المستقلة. ويثقل التاريخ على ألمانيا أيضاً، فالنازيون استخدموا الانتخابات للاستيلاء على السلطة وتشكيل نظام مستبد.
واليوم، يعيد النواب الألمان كتابة القوانين الداخلية والدفع نحو تعديلات دستورية لضمان تمكين المحاكم وبرلمانات المقاطعات من التحقق مستقبلاً من احتمال أن يصير حزب البديل من أجل ألمانيا، أكثر قوة. حتى أن البعض أطلق حملة لحظر الحزب من أساسه.
لكن كل علاج ينطوي على مخاطره، ما يجعل السياسيين الألمان يترنحون على مسار يتراوح بين الحفاظ على ديموقراطيتهم، وتزويد حزب البديل بأدوات يمكن له أن يستخدمها مستقبلاً لتقييدهم.
وقال النائب عن الحزب الليبرالي الديمقراطي ستيفان تومي:" المسألة ليست أنه إذا كانت لديك ديموقراطية، وعندما تكسبها، تكون لك إلى الأبد... ولذلك يجب أن نحميها أكثر".

عزل البديل
منذ سنوات، حاولت الأحزاب الرئيسية الألمانية عزل أو نبذ البديل من أجل ألمانيا، بتجنب التعاون السياسي معه. وهي الآن تقر بفشل الجهود لاحتواء الحزب، الذي نمت شعبيته مع القلق الألماني من الهجرة والركود الاقتصادي، رغم تقارير عن الميل المتزايد لحزب البديل من أجل ألمانيا  لمناهضة الديمقراطية.
وتقول الاستخبارات الألمانية المحلية إن10  آلاف من أصل 28500 عضو في الحزب هم متطرفون. وصنف العديد من فروع الحزب في المقاطعات متطرفةً، وكذلك فرعه للشباب.
وبعض أعضاء الحزب، يواجهون اتهامات جنائية، بما فيها خطة خيالية فاشلة للإطاحة لالحكومة بالقوة في 2022. وتقول الشرطة إن الخطة لقيت مساعدة من نائب سابق عن الحزب الذي سمح للمخططين بالدخول إلى البرلمان لاستكشاف الطرق والأهداف.
وأخيراً، شارك بعض أعضاء البديل من أجل ألمانيا، بمن فيهم مساعد رئيسه المشارك، في اجتماع لناشطين من اليمين المتطرف ناقشوا رؤية "لترحيل" جماعي للمهاجرين، بمن فيهم مواطنون مجنسون.
وأعفي المساعد، ونفى قادة البديل من أجل ألمانيا رغبتهم في طرد مواطنين ألمان. لكن أخبار الاجتماع التي كشفها موقع كوريكتيف للصحافة الاستقصائية في يناير(كانون الثاني) الماضي، كانت دافعاً لخروج تظاهرات ضد البديل من أجل ألمانيا في البلاد على مدى أسابيع. وتكثفت الجهود المبذولة لمواجهة صعود البديل من أجل ألمانيا، على المستوى الوطني، لكنها يمكن أن تترك انعكاسات غير مقصودة بإضعاف الوظائف الديموقراطية في ألمانيا.
وتسببت التظاهرات بدورها في تصاعد الجدل حول كيفية حماية الديمقراطية الألمانية. ومن الإجراءات قيد النقاش منح وكالات الاستخبارات المحلية المزيد من حرية العمل، وهي خطة ليست سهلة في بلد مر بتجربتي الفاشية والشيوعية في القرن الماضي.
ويهتم بعض النواب بشكل خاص بحماية استقلال المحكمة العليا. إنهم يريدون تكريس تعيين القضاة في الدستور وجعلها تتطلب غالبية الثلثين في البرلمان. وحتى الآن، يخضع تعيين القضاة للقانون الفيديرالي، ويتطلب غالبية بسيطة.
لكن إذا سيطر البديل من أجل ألمانيا على أكثر من ثلث البرلمان، فإن تغييراً مماثلاً سيؤهله فعلياً لعرقلة أي تعيين قضائي. ذلك يريد بعض الألمان إجراءات أكثر جذرية.

أدلة ضد "البديل"
وأعلن الائتلاف الحاكم في مدينة بريمن، شمال البلاد، أنه سيجمع أدلة ضد البديل من أجل ألمانيا دعماً لحظر كامل للحزب في البلاد. لكن الكثير من السياسيين، مثل ستيفان تومي من الحزب الليبرالي الحر، يشعرون بالقلق لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، ما يؤدي فعلياً إلى نبذ ما يقرب من ربع الناخبين، الذين يعبرون عن دعمهم لحزب البديل من أجل ألمانيا.